سبب نزول سورة المدثر

سبب نزول سورة المدثر
سبب-نزول-سورة-المدثر/

سبب نزول الآيات من 1 إلى 7

وردَ في سبب نزول الآيات من 1 إلى 7 من سورة المدثر أنَّ رسول الله اعتزلَ في غار حراء مدَّة شهر، وبعد أن انقضى الشهر نزلَ من الغار وعندما وصل إلى الوادي سمعَ مناديًا ينادي عليه، فالتفت وتفحَّص الجهات حوله فلم ير أحدًا، ثمَّ جاءه نداء آخر فلم يرَ أحدًا صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة سمع النداء فنظر إلى الأعلى فرأى جبريل -عليه السلام- على عرش معلَّق في الهواء فأخته رجفة شديدة فهرع إلى زوجته خديجة رضي الله عنها.[١]


ووردَ ذلك في صحيح مسلم في الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال عندما رأى جبريل: "فإذا هو علَى العَرْشِ في الهَواءِ -يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ- فأخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلتُ: دَثِّرُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَصَبُّوا عَلَيَّ ماءً، فأنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {يا أيُّها المُدَّثِّرُ * قُمْ فأنْذِرْ * ورَبَّكَ فَكَبِّرْ * وثِيابَكَ فَطَهِّرْ}"،[٢] والله أعلم.[١]


سبب نزول الآيات من 11 إلى 30

لقد ورد أنّ الآيات من 11 إلى 30 من سورة المدثر قد نزلت في الوليد بن المغيرة، ففي الحديث أنَّ الوليد بن المغيرة أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأ عليه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعضًا من كتاب الله تعالى فقيلَ: كأنَّ قلبه رقَّ لذلك، فلما وصل الخبر إلى أبي جهلٍ، أتى الوليدَ وأخبره أنَّ القوم يريدون أن يجمعوا له مالًا لكنَّه رفضَ، فطلب منه أبو جهل أن يقول في القرآن الكريم كلامًا قبيحًا ويقول إنَّه كاره له، عندها صرَّح الوليد عمَّا في قلبه تجاه القرآن الكريم، واعترفَ أنَّه كلام ليس بكلام بشر، وليس بشعر.[٣]


ففي الحديث أنّه لمّا وصف القرآن الكريم قال: "واللهِ إنَّ لقولِه لحلاوةً، وإنَّ عليه لطلاوةً، وإنَّه لمنيرٌ أعلاه مشرقٌ أسفلُه، وإنَّه ليعلو وما يُعلَى عليه، وإنَّه ليُحطِّمُ ما تحته"،[٤]ولكنّ أبا جهل حذّره أنّ قومه لن يرضَوا بهذا الكلام، ففكّر الوليد فيما يمكن أن يتّهم به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والقرآن الكريم، وبعد تفكير قال: "هذا سحرٌ يُؤثرُ، يَأثرُه عن غيرِه، فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}"،[٤] فنزلت فيه الآيات لأنَّه أنكر بعدَ أن علِم وضلَّ بعد أن فكَّر واتَّهم القرآن بأنَّه سحر، والله تعالى أعلم.[٣]


من المخاطب في قوله: يا أيها المدثر؟

قال بعض المفسّرون في حديثهم على هذه الآية:


ابن كثير

يرى ابن كثير أنَّ المخاطب في قوله تعالى هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسب ما وردَ من أحاديث صحيحة، فبعد أن رأى رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- جبريلَ -عليه السلام- وعاد إلى بيته، طلب من أهل بيته أن يدثِّروه فنزلت الآية تخاطبه عليه الصلاة والسلام.[٥]


الطبري

يخاطب الله تعالى في الآية الكريمة الشخص المتدثِّر بثيابه أي الملتف بها عند نومه، وقد رويَ أنَّ هذا الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان متدثرًا بقطيفة.[٦]


القرطبي

كذلك أشار الإمام القرطبي إلى أنَّ المخاطب في قوله تعالى: يا أيها المدثر، هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن تغشَّى عليه ونام، فمعنى الآية: يا هذا الذي تدثَّر بثيابه ونام بعد أن تغشَّى، وأصل الكلمة المتدثر ولكنَّها أدغمت، وقد قرأها أبيّ على الأصل: المتدثر، والله أعلم.[٧]


البغوي

استند البغوي في تفسيره مثل بقية المفسرين على ما ورد من أحاديث صحيحة في هذه الآية، وهي تشير إلى أنّ المُخاطَبَ في هذه الآية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.[٨]


السعدي

يرى السعدي في تفسيره أنَّ المدثر والمزمل بمعنى واحدٍ، وأنّ والمخاطب فيهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فأمره الله -تعالى- في الأولى أن يجتهد بالعبادة بشقيها القاصرة والمتعدية، وأمَّا في يا أيها المدثر فقد أمره بأن يعلن عن الدعوة التي أمره -تعالى- بأن يصدع بها وينذر الناس.[٩]


بماذا أقسم الله في سورة المدثر؟

بدأت سورة المدثر بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإنذار الكفار والجهر بالدعوة، وتطرَّقت بعد ذلك إلى وصف بعض أهوال يوم القيامة الشديدة، ثمَّ أشارت إلى قصة الوليد بن المغيرة وأمثاله من المكذبين متوعدةً إياهم بالعذاب الشديد، وقد زاد من صعوبة الأمر وتهويله أنَّ الله -تعالى- أقسم في سورة المدثر بالقمر والليل والصبح، إذ قال تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}،[١٠] وفي ذلك زيادةٌ في التأكيد على أنَّ جهنم هي إحدى الدواهي العظيمة جدًّا، والله أعلم.[١١]


ما المقصود بقوله: عليها تسعة عشر؟

ورد عن بعض المفسّرين أنّهم قالوا في تفسيرهم لهذه الآية:


ابن كثير

يشير ابن كثير في تفسيره إلى أنَّ المقصود بقوله: عليها تسعة عشر، هم من الذين يقدِّمون الزبانية، ويكون خلْقُهم عظيم وأخلاقهم غليظة، فقد جاء جماعة من اليهود إلى أحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألوه عن خزنة النار، فردَّ عليهم بأنَّ الله ورسوله أعلم ولم يعرف الجواب، فجاء رجل وأخبر النبيَّ عن ذلك فأنزلَ الله تعالى عند ذلك قوله: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}،[١٢] فالمقصود بالتسعة عشر خزنة النار، والله أعلم.[١٣]


الطبري

ذهب الطبري أيضًا إلى أنَّ التسعة عشر هم خزنة النار، وقد روى عن يونس أنَّه قال: أخبرنا ابن وهب عن ابن زيد قوله في: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}،[١٤] قال: خزنة جهنم تسعة عشر، وهم من الملائكة لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً}،[١٥] وقد كان أبو جهل يقول لقومه: خزنة النار تسعة عشر، ألا يستطع كل عشرة رجال منكم أن يغلبوا واحدًا، فنزلت الآية، فقيل: من يستطيع أن يغلب خزنتها وهم من الملائكة.[١٦]


القرطبي

وردَ في تفسير القرطبي أنَّ المقصود من الآية الملائكة القائمين على سقر، وهم الملائكة خزنة النار الذين يُلقونَ أهل النار في النار، على رأسهم مالك ومعه ثمانية عشر ملكًا آخرين، وقد يكونوا تسعةَ عشر نقيبًا أو تسعة عشر ملكًا بعينه، وأثبت ذلك الثعلبي بقوله أنه: "وَلَا يُنْكَرُ هَذَا، فَإِذَا كَانَ مَلَكٌ وَاحِدٌ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ كَانَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى عَذَابِ بَعْضِ الْخَلَائِقِ"، والله أعلم.[١٧]


البغوي

المقصود من قوله: عليها تسعة عشر عند البغوي أي على النار تسعة عشر من الملائكة الكرام، وهم خزنة النار ويكون مالك على رأسهم ويصحبه ثمانية عشر آخرين، ووردَ في الأثر أنَّ أعينهم مثل البرق الخاطف وأنيابهم مثل الصياصي يخرج اللهب من أفواههم وغير ذلك من الصفات التي لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.[١٨]


السعدي

ورد في تفسير السعدي أنَّ التسعة عشر هم خزنة النار من الملائكة، والذين يوصفون بأنَّهم شداد وغلاظ، فلا يعصونَ لله أمرًا.[١٩]


ما معنى آية: فما لهم عن التَّذكرة مُعْرضين؟

كانت أقوال المفسّرين لهذه الآية متقاربة إلى حدّ ما، ومنهم:


ابن كثير

يشير ابن كثير في تفسيره إلى أنَّ ذلك توبيخ من الله تعالى، ومعنى الآية: ما لأولئك الكفار الذين كانت تصلهم دعوة الحق والإسلام ولكنَّهم كانوا يرفضونها ويعرضون عن الحق، كأنَّهم حمر وحشية مذعورة هربًا من قسورة يطاردها، وهو الأسد، وهذا تعبير عن شدة إعراضهم عن الحق.[٢٠]


الطبري

ذهب الطبري إلى أنَّ معنى الآية هو أنَّه ما لهؤلاء الكفرة والمشركين يرفضون تذكرة الله إياهم ويعرضون عن القرآن الكريم، ولا يستمعون ولا يتَّعظون بما جاءهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دعوة الحق والقرآن.[٢١]


القرطبي

معنى الآية يقول فيه تعالى: ما لأهل مكة المكرمة من الكفار والمشركين يُعرِضون عمَّا جاءهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويولوُّن الأدبار رفضًا لدعوة الحقِّ والقرآن، ورأى مقاتل أنَّ الإعراضَ عن القرآن كان بأكثر من وجه: الأول هو الإنكار والجحود والتكذيب، والثاني هو ترك العمل بما جاء فيه.[٢٢]


البغوي

يشير البغوي أنَّ الكفار والمشكرين معرضون عن مواعظ القرآن الكريم وعمَّا فيه من الحق والإيمان، كأنَّهم حمُر أي جمع حمار، مذعورة قد هربَت من أسدٍ يلاحقها، وذلك لشدة إعراضهم وجحودهم.[٢٣]


السعدي

معنى الآية: ما لأولئك المشركين والكفرة يصدون عن التذكرة وعن دعوة الحق وهم غافلون، كأنَّهم حمر وحشية نفرَت وذُعرَت هربًا أسد يتصيَّدها ويلاحقها، وهذا التعبير من أشد ما يكون للدلالة على النفور من الحق والإعراض عن القرآن الكريم ودعوته.[٢٤]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب الواحدي، كتاب أسباب النزول ت الحميدان، صفحة 446. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:161، حديث صحيح.
  3. ^ أ ب الواحدي، كتاب أسباب النزول ت الحميدان، صفحة 447. بتصرّف.
  4. ^ أ ب رواه السيوطي، في لباب النقول، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:319، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
  5. ابن كثير، تفسير ابن كثير ط العلمية، صفحة 271. بتصرّف.
  6. الطبري، أبو جعفر، تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر، صفحة 7. بتصرّف.
  7. القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 59. بتصرّف.
  8. البغوي، تفسير البغوي، صفحة 173. بتصرّف.
  9. السعدي، تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن، صفحة 895. بتصرّف.
  10. سورة المدثر، آية:32-37
  11. الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 216. بتصرّف.
  12. سورة المدثر، آية:30
  13. ابن كثير، تفسير ابن كثير ط العلمية، صفحة 277. بتصرّف.
  14. سورة المدثر، آية:30
  15. سورة المدثر، آية:31
  16. الطبري، تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر، صفحة 29. بتصرّف.
  17. القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 79. بتصرّف.
  18. البغوي، تفسير البغوي إحياء التراث، صفحة 177. بتصرّف.
  19. السعدي، تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن، صفحة 896. بتصرّف.
  20. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 282. بتصرّف.
  21. الطبري، تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر، صفحة 39. بتصرّف.
  22. القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 88. بتصرّف.
  23. البغوي، تفسير البغوي إحياء التراث، صفحة 180. بتصرّف.
  24. السعدي، تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن، صفحة 898. بتصرّف.