محتويات
الطيب صالح
الطيب محمد صالح أحمد، أديب سوداني بلغت شهرته آفاق الأمة العربية فلقب بأديب السودان وعبقري الرواية العربية، ولد سنة 1929، عاش الطيب صالح في غير وطنه بعد أن أنهى دراسته الجامعية الأولى ثم تنقل بين فرنسا وقطر وبريطانيا التي كانت مثواه الأخير، إذ توفي في إحدى مستشفيات لندن سنة 2009، ولعل حياته في بلاد الغرب قد أتاحت له فرصة الاطلاع على أساليب الغرب في الكتابة والتأثر بمناهجهم في فن القصة و الرواية، وقد كتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة ومن هذه الروايات: موسم الهجرة إلى الشمال، وضو البيت، ودومة ود حامد، وعرس الزين، وقد حاز على العديد من الجوائز بفضل براعته في فن الرواية التي تجلت في روايته موسم الهجرة إلى الشمال، وتقديرًا له بعد وفاته أصدرت جوائز للإبداع الأدبي باسمه.[١]
وصف رواية عرس الزين
عرس الزين رواية عربية معاصرة كتبها الطيب صالح سنة 1969، وهي من الأعمال الأدبية القصيرة التي اختلف في تحديدجنسها الأدبي، فهي تقع في 117صفحة من القطع المتوسط بين الرواية والقصة، وتعد كتابًا كلاسيكيًا في الأدب العربي، حيث يصور الكاتب من خلالها حياة القرى في شمال السودان المتأثرة بالتراث الإسلامي والسوداني،[٢] فهي رواية اجتماعية عن المجتمع السوداني, يرفرف عليها جو من سرد تنويري لمثالب المجتمع, دون تنصيب الكاتب لنفسه في دور الناصح الأخلاقي ذو الأخلاق العالية، وقد كتبت هذه الرواية باللغة العربية الفصحى التي تشوبها اللهجة السودانية معلنة عن هوية كاتبها واللهجة السودانية لا تخلق مشكلة في عملية التواصل بين النص والقارئ, فهي لغة واضحة قريبة من اللهجة المصرية و اللهجة العربية العامية المتعارف عليها في معظم أوساط الوطن العربي.[٣]
وتتمحور أحداث هذه الرواية حول شخصية غريبة تدعى الزين و لعل الطيب صالح قد اختار هذا الاسم نظرًا لشيوعه في السودان، فتكون الرواية بذلك أقرب للواقع، ويكون البطل ممثلًا حيًا للشاب السوداني البسيط، ويظهر الطيب صالح بساطة الزين من خلال الصورة الجسدية التي رسمها له فهو شاب نحيل الجسم ضعيف البنية ظاهريًا، ذو ظهر أحدب وصدر مقعر وقد بلغ من الطول غايته حتى أن صبيان الحي أطلقوا عليه لقب الزرافة، كما أنه لا يسير إلا حافي القدمين كما أنه لا يمتلك أسنانًا وإن كان لا يزال في ريعان شبابه، وعلى هذا النحو فقد حرص الطيب صالح على تشكيل صورة غريبة ومضحكة ومثيرة للسخرية لهذه الشخصية من خلال ملامحها الجسدية وحركاتها وانفعالاتها، بينما جعل أحلامها كبيرة بل مستحيلة، فالزين يتزوج من نعمة وهي فتاة جميلة من نسب مرموق مقتدر، وبذلك يسعى الطيب صالح لخلق فكرته التي تتجلى من خلال تلك الشحنة الانفعالية التي تخلقها محاولة الجمع والتأليف بين المتناقضات، ورواية عرس الزين رواية وصفية اجتماعية تكلف الكاتب في وصف شخصياتها لا سيما شخصية الزين فهو لا ينفك في تفصيل المزيد من ملامحه كلما تحرك في محيط الرواية كما يكسب شخصيته أبعادًا جديدة تطرد مع نمو أحداث الرواية.[٤]
ملخص رواية عرس الزين
تحكي الرواية قصة شاب يدعى الزين، وهو شاب بسيط غريب الشكل والأطوار، منحه الكاتب صفات مميزة فهو يجمع كل صفات القبح والدمامة، كما توحي هيئته بالضعف والهزال، لكن الزين يمتلك قلبًا يافعًا ينبض بالحب وينجذب لكل ما هو جميل، فقد مال لمعظم فتيات القرية الجميلات، وخفق لهن بصدق بينما كن يلهين بمشاعره ويعبثن بها، ولطالما جر عليه هذا الحب بالتعب والمشقة، فكثيرًا ما كان آباء الفتيات ما يستغلون هذا الحب لاستثمار الزين في العمل الشاق في البيت والأرض، وكانت الأمهات يرحبن بالزين كونه مصدر دعاية لبناتهن كما كان الزين محبًا لألوان الفرح وآياته، فقد كان يمتلك أذنان ترصدان مزامير الفرح من مسافات بعيدة، فإذا أبصرت الزين قد شد أذياله يجري مسرعًا فاعلم بأن حفلًا أو وليمة أقيمت في مكان ما، وكان الزين على ضعف بنيته الجسدية قويًا ثوريًا لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه وقت غضبه، فقد أمسك ذات مرة بثور من قرنيه ورفعه في الهواء وألقاه أرضًا وقد تكسرت عظامه، كما قبض على سيف الدين وهو ابن صائغ و أحد أثرياء القرية المستهترين والعابثين بعد أن أثار غضبه وكاد أن يقتله أمام دكان سعيد لولا مساعدة الشيخ الحنين له وردعه عنه، وهو شيخ صوفي متجول يكن له أهل القرية الاحترام والطاعة فقد كانوا يظنون بأنه الخضر وأنه ولي من أولياء الله الصالحين، وكان صديقًا للزين الذي استغلت أمه هذه الصداقة مع القوى الغريبة التي يتحلى بها لتدّعي بأنه هو الآخر ولي من أولياء الله.[٥]
وقد تنبأ الحنين للزين بالزواج من أجمل بنات القرية، وقد تحققت نبوءته حالما قدمت إليه نعمة الفتاة الجميلة الوقورة التي حفظت القرآن منذ نعومة أظافرها، وشبت فتألقت وازدادت جمالًا وكانت كلما حدثتها أمها عن خاطب مميز متعلم أو غني أو وسيم أعلنت رفضها بصمتها وهز أكتافها، لقد بدا زواج الزين من نعمة غريبًا ومستنكرًا بعض الشيء، فقد أتت إليه بنفسها وعرضت عليه الزواج منها، وما كان منه غير أن وافق وأذيع خبر زواج الزين من نعمة في القرية كلها، وما كان من الناس إلا أن استهجنوا هذا الزواج واستنكروه، وتكثر التساؤلات بين نساء القرية عن حقيقة هذا الزواج.[٥]
تحليل شخصيات عرس الزين
بدت شخصيات الطيب صالح الرئيسة في رواية عرس الزين رمزية يرمي الكاتب من خلالها لنقد المجتمع وإصلاح عاداته وإبراز المجتمع السوداني بكل ما فيه في صورته المتكاملة من المحاسن والعيوب، وتتجلى هذه الشخصيات على النحو الآتي:
الزين
شخصية بسيطة من عامة أهل البلدة نشأ يتيمًا، لم تتح له فرصة التعلم، مكانته في المجتمع تقتصر على خدمة أفراده واللهو والعبث،[٦] وهو بطل الرواية الأساسي ومحور أحداثها، وفيه حشد الكاتب كمًا هائلًا من المتناقضات ليغرس عنصر المفاجأة في سائر أحداث القصة التي تقوم في معظمها على الوصف والتحليل، فبنيته الجسدية لا توحي بقوته الداخلية كما أن قبحه وسذاجته لم تتح للقارئ إمكانية توقع زواجه من نعمة، وقد وظف الطيب صالح الزين كشخصية أساسية ليسلط الضوء على قضية التهميش الاجتماعي التي كانت سائدة في السودان، وقد عمد الطيب صالح إلى معالجة هذه القضية من خلال بث المتناقضات بأسلوب المفاجأة، الذي برر للقارئ التحول في الشخصية والتناقض الذي تقوم عليه، فشخصية الزين لا تأبه بذلك التهميش الاجتماعي بل تعيش لذاتها وفي الناهية تحصل وتحقق ما تريده بصمت.[٧]
نعمة
وهي شخصية أنثوية ذات صورة مكتملة من الناحية الجمالية والأخلاقية والمادية والنسب الذي تنتمي إليه،[٦] سعى الكاتب لجعلها مثالية كي تفي بحق تلك المتناقضات التي شيدها منذ بداية الرواية، ولتخرق كل متوقع مسبق في ذهن القارئ وتبدده متيحة للكاتب كل المجال للحكم والسيطرة على الأفكار المتخيلة لدى القارئ، وقد هيأ الكاتب شخصية نعمة منذ البداية لتحمل عنصر المفاجأة في النهاية، فقد جعلها شخصية متمردة لا ترضخ للعادات ولكل ما يفرض عليها.[٧]
الشيخ الحنين
وهو رجل صالح صوفي وناسك أو ولي صالح كما وصفه أهل القرية، وهو شخصية غامضة تمثل السلطة الروحية فهو يظهر لنا في الرواية من خلال نبوءاته أو كرسول منذر من السماء أو كمصلح وهادٍ،[٦] وهذه الشخصية تمثل الروح بكل ما تعنيه الكلمة فهو زاهد لا يمتلك شيئًا ملموسًا في هذه الدنيا سوى إبريقه ومصلاته وهي الأدوات التي تقوده نحو الروحانية والعبادة، وهذه الشخصية تمثل الأنا العليا الرادعة أو الضمير الذي يسعى بالنفس إلى الصلاح من خلال كبت رغباتها. [٧]
سيف الدين
وهو شاب ثري وهو ابن الصائغ الذي كان يمثل الاستهتار والعبث، نشأ مدللا أنفق عليه أبوه لكي يتعلم فلم يفلح، أنشأ له متجرًا فأفلس في شهر، ألحقه بورشة ليتعلم الصناعة فهرب، عينه موظفًا صغيرًا ففصل، لأنه يبيت ليله في الخمارة، وقد جاء سيف الدين إلى القرية بعد موت أبيه، فوضع يده على أمواله يبذرها، فجافاه أهل القرية،لكن هذه الشخصية مدورة إذ سرعان ما تتحول بعد وقوع حدث يغير مجرى حياتها تمامًا إلى ضد ما هي عليه، حيث يقع سيف الدين في قبضة الزين الذي كان قد آذاه من قبل وشج رأسه، فيوشك على الموت لولا تدخل الشيخ الحنين الذي أثار بتدخله نوازع الخير والهداية في نفس سيف الدين، وهذه الشخصية تمثل طبقة من الناس التي لا نجدها في المجتمع السوداني وحسب، إنّما في سائر المجتمعات الإنسانية، وهي الطبقة التي تنجر وراء ملذات الحياة ساعية لتحقيق الذات من خلال التعالي على الآخرين وذلك لسد فراغ حاجاتهم النفسية للآخرين، وتمثل أيضًا الأنا من أقسام النفس الإنسانية التي تكمن فيها نزعة الشر وتظل بحاجة إلى رادع يردعها ويصوب وجهتها ويكف رغبتها.[٧]
اقتباسات من رواية عرس الزين
لقد بدا الطيب صالح من خلال رواياته أديبًا حكيمًا تلامس كتاباته وأفكاره آلام المجتمع وطموحات أفراده، لذلك فإن رواياته لم تكن تخلو من تلك العبارات العميقة التي تلخص فلسفته الاجتماعية، ومن أبرز هذه العبارات:
- "الأرض ساكنة مبتلة، ولكنك تحس أن بطنها ينطوي على سر عظيم".[٨]
- "كما يضم رحم الانثى الجنين في حنان ودفء وحب, كذلك ينطوي باطن الأرض على حب القمح والذرة واللوبيا. وتتشقق الأرض عن نبات وثمر".[٨]
- "أنا لست الحجر الزي يلقي في الماء وإنما البزرة التي تبزر في الحقل".[٨]
- نحن قوم نخاف الفرح ! إذا ضحكنا نستغفر نخشى البهجة ونتمسك بالقتامة في كل شيء, يا لرتابتنا![٨]
- الأرض ساكنه ولكن أحشاءها تضج بماء دافق,هو ماء الحياه والخصب.[٩]
- الأرض مبتله متوثبه, تتهيأ للعطاء، ويطعن شئ حاد أحشاءها.لحظة نشوه وألم وعطاء.[٩]
المراجع[+]
- ↑ "الطيب صالح"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16. بتصرّف.
- ↑ "عرس الزين"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-16.
- ↑ "عرس الزين"، www.noor-book.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الفار (2000)، باقات من النثر العربي الحديث (الطبعة 1)، الأردن:دار الفكر للطباعة والنشر، صفحة 88. بتصرّف.
- ^ أ ب الطيب صالح، عرس الزين. بتصرّف.
- ^ أ ب ت هجيرة مشروك، لامية جمعي، الشخصية في رواية عرس الزين للطيب صالح، صفحة 61. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "عرس الزين، للطيب صالح"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18.
- ^ أ ب ت ث "اقتباسات من عرس الزين"، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18.
- ^ أ ب "عرس الزين"، www.goodreads.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-18.