منهج دراسة الحالة

منهج دراسة الحالة
منهج دراسة الحالة

مفهوم منهج دراسة الحالة

لماذا يُعد منهج دراسة الحالة من مناهج الاستقصاء؟

يُعد منهج دراسة الحالة من المناهج العلمية التي تهتم بالبحث والدراسة حول مواضيع مختلفة، ويختص هذا المنهج بأنّه أكثر اتساعًا وشمولية، فهو يتجه إلى جمع البيانات العلمية المطلوبة للدراسة من مختلف الفئات، بأي وِحدة من الوحدات سواء أكانت فردًا أم مؤسسة أم نظامًا اجتماعيًا واسعًا، ويعود السبب إلى هذا الجمع الشامل والدقيق هو بغية الوصول إلى فهم أعمق، ومعلومات دقيقة وصحيحة للحالة المدروسة وما يُشبهها من حالات وظواهر أخرى[١]، كما أنَّ هذا المنهج يتنوع بالمعلومات التي يزودها للباحث، فهو يزوده بالبيانات الكمية الدقيقة والبيانات النوعية المتعلقة بالفرد الواحد، أو بمجموعة اجتماعية واسعة، كما تتضمن هذه البيانات الجوانب الشخصية والبيئية للحالة المدروسة.[٢]


يتوزع منهج دراسة الحالة لأكثر من تعريفات ومفاهيم كثيرة، ولكنها في مجملها تصب في نفس المعنى، فمنهج دراسة الحالة هو في حقيقته منهج استقصاء حول الحالة المدروسة، إذ يتم جمع البيانات من مختلف المصادر التي تُسهم في توفير المعلومات الكافية للحالة المدروسة ومنها: الوثائق، والأرشيفات، والسير الذاتية، والمقابلات، والاستبيانات وغيرها، وتعود جذور منهج دراسة الحالة إلى مدرسة شيكاغو للعلوم الاجتماعيّة، إذ يتم تطبيق هذا المنهج على الكثير من الدراسات الاجتماعية، ومنها ما يتعلق بالاقتصاد، وعِلم النفس، وعلم الاجتماع، من خلال تحليل البيانات النوعية والكمية وتثبيتها، ومن ثم إنشاء سلسلة مترابطة بين المعلومات والبيانات التي تم تحصيلها وجمعها.[٣]


خصائص منهج دراسة الحالة

لماذا يهتم منهج دراسة الحالة بالبحث عن ماضي الحالة وعلاقاتها؟

إنّ منهج دراسة الحالة من المناهج العلميّة التي تسعى إلى البحث حول الدراسات الاجتماعيّة المختلفة، ولعل من أهم خصائص هذا المنهج هي:

  • يهتم منهج دراسة الحالة بجمع المعلومات عن الوضع الحالي للحالة المدروسة، وعن ماضيها وعلاقاتها من أجل تحقيق الفهم الأفضل والأعمق لحقيقة المجتمع الذي تُمثله.[١]
  • يعتمد منهج دراسة الحالة على الدراسات متعددة الاتجاهات، كالدراسات الطوليّة والعرضية والرأسيّة، والأفقيّة التي تتعلق بالوحدات الاجتماعيّة التي تتناولها وتبحث عنها الدراسة.[٤]


  • يسعى منهج دراسة الحالة إلى الكشف عن الجوانب السلبيّة والإيجابيّة للظاهرة المدروسة، وذلك فضلًا عن دراسة أوجه التشابه والاختلاف، وما بين هذه العناصر من علاقات سببيّة تساعد في وضع خطة للنهوض بها وتحسينها.[٤]
  • يختص منهج دراسة الحالة ببعض النقاط التي تختلف بحسب نوع الدراسة وموضوعها، فمثلًا إذا كانت الدراسة تنصب حول المؤسسات الاجتماعيّة، فإن كل واحد منها يُعد حالة خاصة قائمة بذاتها، ويكون الأفراد في هذه الحالة مجرد أجزاء وعوامل داخلية في تكوين الحالة، بينما إذا كانت الدراسة تنصب على الأفراد بشكل خاص فإنّ كلّ فرد يُعد حالة مستقلة بذاتها.[٤]


  • يُمكن لمنهج دراسة الحالة أن يدرس مرحلة واحدة معينة من تاريخ المجتمع، أو أن يدرس مجموعة من المراحل التي مر بها المجتمع من أجل الوصول إلى الدراسة الدقيقة لهذه الأنماط الاجتماعيّة، وإلى تطورها التاريخي الصحيح.[٢]


خطوات منهج دراسة الحالة

ما هي جهود الباحث المهمة في منهج دراسة الحالة؟

يعتمد منهج دراسة الحالة على مجموعة من الخطوات التي تُسهم بتحقيق الدراسة على أكمل وجه، وتتوزع هذه الخطوات إلى:


  • تحديد الحالة ومشكلة الدراسة: تتطلب هذه الخطوة التركيز على الدراسة وعلى محدداتها ونوعها، كما تتطلب شرح السبب وراء اختيار هذه الحالة دون غيرها، من خلال عرض المشكلة ونتائجها، والأهداف التي تسعى لها الدراسة من أجل حلها وتحليلها بطريقة أكثر دقة وشمول.[٥]
  • تحديد نوع دراسة الحالة: تقوم هذه الخطوة بتحديد نوع الظاهرة التي سيتم التعامل معها وتفصيلها وتمييزها عن مختلف الدراسات الأخرى، والتي يُمكن أن تتوزع إلى دراسة الحالة التفسيريّة، ودراسة الحالة الوصفيّة، ودراسة الحالة المتعددة، وغيرها الكثير من الأنواع.[٥]


  • تحديد المفاهيم المطلوب دراستها: يقوم الباحث في هذه الخطوة باستنتاج المفاهيم التي تسهم في دراسة الظاهرة ويقوم بتوضيحها، وذلك من أجل أن يزول كل غموض يُمكن أن يؤثر بوظيفة المفهوم ومعناه، وذلك يتطلب من الباحث أن يُقدّم تعريفًا في بداية البحث لكل المفاهيم التي تحتاج إلى توضيح في بحثه.[٥]
  • تحديد الأدوات البحثية ووسائل جمع البيانات: يسعى الباحث في هذه الخطوة إلى الدراسة الشاملة حول مختلف العناصر التي يُمكن أن يستفيد من وجودها في بحثه، فيُركز على العناصر التي تمده بالبيانات التي يحتاجها، ومن ثم يجمعها ويحللها ويدرسها فيصل إلى النتائج التي سعى لها في بداية الدراسة والبحث.[٦]


أنواع دراسات الحالة

كيف تختلف نتائج دراسة الحالة بين التناقض والتماثل؟

يقوم منهج دراسة الحالة في حقيقته على نوعين فقط، وتلك هي الأنواع التي كانت الأساس للباحث في معرفة مشكلة بحثه وكيفية دراستها، وتنقسم هذه الأنواع إلى:


دراسة الحالة الفردية

وهو نوع من الدراسة الذي يُركز في البحث حول حالة واحدة، ودراستها وتحليلها بما يتعلق بموضوع الدراسة، كأن تكون الدراسة حول فرد واحد، أو فئة واحدة من الطلاب، مثل الموهوبين في مدرسة واحدة معينة، وهنا يقتصر الباحث على دراسة حالة فردية، ولهذه الدراسة مميزات منها أنها تُوفر بيانات كبيرة لاختبار النظريات، فالوحدة الواحدة مهما كان موضوعها فهي لها سمات فريدة وضرورية، تلك السمات التي تُلبّي هدف الدراسة وتعالج أسئلتها التي تُسهم في الوصول إلى النتائج المرجوة من البحث.[٧]


دراسة الحالات المتعددة

هذا النوع من الدراسة هو عكس الدراسة الفردية، إذ يقوم على دراسة أكثر من حالة وفِهم الاختلافات بين هذه الحالات، واستكشاف أوجه التشابه التي يتميز بها، ويقع هذا النوع من المنهج في احتمالين، الاحتمال الأول وهو التكرار الحرفي وبه تتشابه الحالات المختارة ممّا يؤدي إلى تشابه النتائج التي تمّ الوصول لها، والاحتمال الثاني هو التكرار النظري، إذ يتم في هذا الاحتمال اختيار الحالات بناءً على فرضيات تؤدي للحصول على نتائج مختلفة، وبذلك فإنّ هذا النوع من دراسة الحالة إمّا أن يؤدي للوصول إلى نتائج متناقضة، أو نتائج مماثلة.[٧]


عيوب منهج دراسة الحالة

كيف تبتعد النتائج عن الموضوعية في منهج دراسة الحالة؟

يُركز منهج دراسة الحالة على الوصول إلى النتائج المفصلة التي تخدم البحث والدراسة على أكمل وجه، لذلك فإنّ هذا المنهج من المناهج الدقيقة والتي تحمل مزايا متعددة، بيد أن عيوب هذا المنهج يُمكن أن تقتصر على ما يأتي:


  • صعوبة تعميم النتائج التي تمّ الوصول إليها من خلال الدراسة: إذ لا تُعمم على الحالات الخارجة من إطار البحث مهما كان التشابه بين الحالات متقاربًا، خاصة إذا كانت عيّنة الدراسة لا تمثل لمجتمع الدراسة نفسها.[٨]
  • صعوبة التزام الباحث بعدم التحيز في بحثه: فهذا المنهج يجعل بعض الباحثين يتحيزون في دراساتهم، وخاصة عند تفسير وتحليل نتائج الحالة، ممّا يجعل النتائج تبتعد في حقيقتها عن الموضوعيّة، وذلك لأن الباحث هنا غير محايد.[٨]


أهمية منهج دراسة الحالة

ما علاقة التطور التاريخي بمنهج دراسة الحالة؟

يُعد منهج دراسة الحالة من المناهج المهمة خاصة في دراسة الظواهر والمواضيع الاجتماعية، وتعود تلك الأهمية إلى ما يأتي:


  • توفير معلومات دقيقة وشاملة للظاهرة المدروسة، وتلك المعلومات يصعب على المناهج الأخرى توفيرها لاختلاف الخطوات بين هذه المناهج.[٩]
  • يساعد هذا المنهج على فتح الباب أمام دراسات كثيرة في المستقبل، وذلك من خلال تكوين فرضيات جديدة في كل دراسة.[٩]


  • يضمن هذا المنهج الوصول إلى نتائج تفصيلية حول وضع الحالة، مقارنة بمناهج البحث الأخرى.[٩]
  • يستطيع الباحث الذي يُجري دراسته على هذا المنهج من أن يمضي في التركيز حول دراسة واحدة، فلا يشتت انتباهه حول العديد من الدراسات، وذلك يضمن من تحقيق النتائج المرجوة.[٩]


  • يوفر هذا المنهج العديد من المعلومات التي يصعب جمعها، وخاصة تلك المعلومات التي تتعلق بالتطور التاريخي، وبالحياة الداخلية لفرد أو مجموعة من الأفراد، من خلال دراسة دوافعهم وحاجتهم الاجتماعيّة وتحليلها، إضافة إلى جمع المعلومات حول العلاقة بين أفراد المجتمع وغيرها من المجتمعات.[٩]


كتب عن منهج دراسة الحالة

كيف وُظف منهج دراسة الحالة في التأليف؟

يُعد منهج دراسة الحالة من المناهج التي نالت اهتمام العديد من الكُتاب والمفكرين، ومن الكتب التي أُلفت اعتمادًا على هذا المنهج هي:


دراسة الحالة

هو كتاب من إعداد وتأليف خالد عبد الرازق النجار، وهو عبارة عن مادة تدريبية تُسهم في تعليم المبتدئين كيفية البدء بكتاب أبحاثهم التي تعتمد على منهج دراسة الحالة وعلى البحث العلمي، إذ يقوم الكتاب على مجموعة من الوحدات التي شرحت مختلف الدراسات والظواهر، كما اختصت الوحدة الأخيرة بتقديم نموذج خاص لمنهج دراسة الحالة، وهو نموذج يتطلب من القارئ والدارس أن يملأه ويجري عليه البحث اللازم وفقًا للخطوات الصحيحة.[١٠]


البحوث النوعية ودراسة الحالة

هو كتاب من تأليف محمد نبيل جامع، إذ يشرح الكتاب الفرق بين البحث النوعي والبحث الكمي، فيُناقش مجموعة من الطرق البحثية لمختلف الموضوعات، من خلال تقسيم الكتاب إلى مجموعة من الفصول والأبواب، كما خصّ الفصل السادس والسابع والثامن في الدراسة المتعمقة والدقيقة التي تتعلق بمنهج دراسة الحالة، فهي دراسة شاملة تُوضح زوايا هذا المنهج وما يتعلق به.[١١]


دراسة الحالة في علم النفس

هو كتاب من تأليف فكري لطيف متولي، يعرض الكتاب أساسيات منهج دراسة الحالة في ضوء علم النفس، إذ يهدف إلى مناقشة وتحليل دراسة الحالة وفق مفاهيم عِلم النفس، فيشرح طبيعة دراسة الحالة وآلية تطبيقها، من خلال فصول الكتاب التي قُسمت إلى موضوعات متعددة، فكانت أول هذه الموضوعات هي الحديث عن منهج دراسة الحالة وأهميته من خلال الإضاءة على كافة المعلومات الشاملة لهذا المنهج.[١٢]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب محمد سرحان علي المحمودي، مناهج البحث العلمي، صفحة 56. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ريما ماجد، منهجية البحث العلمي، صفحة 28-29. بتصرّف.
  3. كمال أبو شديد، دراسة الحالة عناصرها أنواعها ومنهجيتها، صفحة 1. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت مجموعة مؤلفين، منهج دراسة الحالة، صفحة 158-159. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت منهج دراسة الحالة، مجموعة مؤلفين، صفحة 152-153. بتصرّف.
  6. مجموعة مؤلفين، منهج دراسة الحالة، صفحة 156. بتصرّف.
  7. ^ أ ب كمال أبو شديد، دراسة الحالة عناصرها وأنواعها ومنهجيتها، صفحة 4-5. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمد سرحان علي المحمودي، مناهج البحث العلمي، صفحة 58-59. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج محمد سرحان علي المحمودي، مناهج البحث العلمي، صفحة 57-58. بتصرّف.
  10. خالد عبد الرازق النجار، دراسة الحالة، صفحة 4-6. بتصرّف.
  11. محمد نبيل جامع، البحوث النوعية ودراسة الحالة، صفحة 5. بتصرّف.
  12. فكري لطيف متولي، دراسة الحالة في علم النفس، صفحة 13-14. بتصرّف.