محتويات
مفهوم منهج البحث التاريخي
هل يمكن الوصول إلى الحقيقة المطلقة من خلال البحث التاريخي؟
يشيرُ منهج البحث التاريخي إلى المراحل التي يقطعها المؤرخ أو الباحث في مجال التاريخ حتى يصل إلى الحقيقة التاريخية، ويقدِّمها بعد ذلك إلى المختصِّين في التاريخ بشكل خاصٍّ وإلى عامة القرَّاء من الناس بشكل عام، ولا يُقصَد بالوصول إلى الحقيقةِ التاريخية الوصول إلى الحقيقة المطلقة، لأنَّ الوصول إلى الحقيقة المطلقة غيرُ ممكن بسبب ضياع الكثير من الأدلَّة التاريخية وزوال الآثار وامِّحاء أكثرها وبسبب تضارب المصالح والأغراض وغير ذلك[١]
كما يُعرّف منهج البحث التاريخي بأنه نتيجة صحّة البيانات المتوفرة لظاهرة إنسانيّة أو عمليّة أو طبيعيّة أو لحادثة معيّنة تمَّت في الماضي، من خلال القراءة والتحليل والنقد والتأمّل، وَسُميّ بمنج البحث التاريخي لأنّه منهج متخصّص ومقتصر على المشكلة التي يدرسها الباحث وحدثت في الماضي، ويهدف المنهج التاريخي إلى مراجعة ودراسة حوادث ومظاهر الماضي وتصحيح الحقائق حولها، للاستفادة من الماضي في توجيه الحاضر والمستقبل، أو تطوير الحاضر من الفَهم الصحيح للماضي.[٢]
ويستخدم منهج البحث التاريخي في دراسة التاريخ المتمثِّل بدراسة الماضي بمختلف ظواهره وحوادثه بالمعنى العامّ، ومجمل الحياة البشرية الماضية من علاقات بين الأحداث والمتغيرات عبر الزمن بالمعنى الخاص، مثل العلاقات السببية المسؤولة عن تطور هذه الظواهر وتغيرها، ومنهج البحث التاريخي يتم استخدامه بشكلٍ أساسيّ في دراسات علم التاريخ البشري وعلم الأثار والجيولوجيا، وذلك لاستِنباط الحقائق المتعلقة بجميع الأحداث والظواهر التي تدرسها وتتناولها هذه العلوم[٣]
خطوات منهج البحث التاريخي
خطوات المنهج التاريخي تتشابه كثيرًا مع خطوات المناهج الأخرى، إلّا أن منهج البحث التاريخي لا يعتمد على حصر البيانات من خلال القياس أو الاختبار، بل إنّ منهج البحث التاريخي يبحث عن بيانات موجودة بالفعل، توجد مجموعة من الخطوات العلمية المتسلسلة والمترابطة لمنهج البحث التاريخي، والتي يجب على الباحث الالتزام بها عند استخدام هذا المنهج، وهي كما يأتي:[٤]
تحديد المشكلة
قبل البدء بعملية البحث التاريخي يجب على الباحث كما في منهج البحث العلمي بشكل عام أن يحدِّد المشكلة أو موضوع البحث الذي يعمل عليه، وذلك لأنَّ منهج البحث يتطلَّب تحديد الموضوع والتأكد من وجوده أصلًا، ومن ثمَّ استعراض ماهيَّته وخلفيته ومؤشراته جميعها، بما في ذلك الأبعاد والأهداف والمحددات والمبررات.[٥]
جمع البيانات
بعد تحديد الموضوع يجب على الباحث أن يُحيطَ بالمراجع التي تتناول تلك المشكلة أو ذلك الموضوع والتي يمكن الرجوع إليها لجمع المعلومات التي تدور حوله، فقد تكون المراجعُ كتبًا منشورة عن طريق دور النشر وكتبًا جامعية ومشاريعَ تخرُّج وسجلاتٍ رسمية في المدُن مثل: الدساتير والقوانين ودراسات سابقة وغير ذلك، وبعد إثبات صحَّتها تبدأ عملية جمع البيانات المتعلِّقة بموضوع البحث.[٦]
نقد البيانات
يجب أن يتميَّز الباحث في مجال التاريخ بميزة النقد والتقصِّي، فلا يجوز لهُ أن يقبلَ جميع المعلومات التي تصلُ إليه، ولا أن يصدِّق الوثائق أو المعلومات الموجودة داخلها دون دراسة واستقصاء وتمحيص واستقراء دقيقٍ، فيعتمدُ على المعلومات الثابتة فقط ويبتعد عن ما سوى ذلك، حتى لا يُبني البحثُ على الشك من بدايتهِ.[٧]
إعداد الفرضيات
بعد تمحيص المعلومات ونقدِها وتمييز الثابت والموثوق منها، لا بدَّ من إعداد وصياغة الفرضيات المناسبة للبحث كما في بقية مناهج البحث العلمي، حيثُ يبني الباحث من تلك المعلوماتِ المؤكدة فرضياتٍ عديدة لبحثه التاريخي، وهذه الفرضيات هي النتائج الأوليَّة للبحث وهي التي ستقوم عليها النتائج النهائية والتي يسعى الباحث للوصول إليها.[٦]
تدوين نتيجة البحث التاريخي
تعدُّ مرحلة تدوين نتيجة البحث التاريخي آخر مراحل البحث وأهمها، حيثُ يعمَد الباحث فيها إلى صياغةِ النتائج التي توصَّل إليها من خلال بحثِه بلغةٍ بسيطةٍ واضحة ثمِّ يربطُها بالتساؤلات والأهداف التي وضعها في بداية البحث، ويدعم هذه النتائج بالحجج المنطقيَّة المُقنعة ويبيِّن ما يميزها عن غيرها، كما يوضِّح الفوائد المرجوَّة من ذلك العمل بعيدًا عن التحيزات سواءً لنفسه أم لبحثه أم لمجتمعه، بالإضافة إلى إدراج المراجع والمصادر التي أخذ منها المعلومات حتى تضفَى على البحث الصفة العلمية.[٨]
اعتبارات الباحث في منهج البحث التاريخي
هناك قواعد مهمة يجب الالتزام بها عند استخدام منهج البحث التاريخي في الدراسة، فالدراسات التاريخية ليس جمع المعلومات والبيانات عن الظاهرة فقط، بل هناك بعض الاعتبارات والمهارات ينبغي ملاحظتها من قبل الباحث إذا أراد تطبيق طريقة علمية في البحث، وهي:[٩]
- إنّ الحقائق والبيانات والأحداث ليست غاية البحث، بل تُعدّ وسيلة للوصول إلى نتائج تعتمد على الإثبات والتحقيق والتفسير، فلا يمكن أن تكون النتائج منعزلة عن عصرها ومكونها الذي أثرت وتأثرت بها.
- المادة التاريخية ليست دراسة للتجربة بأن يقوم الباحث بإعادتها والتأكد من صحتها، فالباحث يلجأ إلى السجلات والآثار الباقية والروايات والمشاهدات، حيث تحتاج إلى معايير دقيقة للنقد الخارجيّ والدّاخلي والتحقُقِ من صحتها وصدق مضمونها.
- الظواهر التاريخية لا يمكن تفسيرها تفسيرًا كافيًا بسبب واحد، يجب وجود عدة أسباب مختلفة ومتعددة، فلا يعتمد الباحث على الأسباب والظروف المسببة للحادثة فقط، بل كل ما يتفاعل معها ويرتبط بها.
- ينبغي على كل باحث أن تتوفّر فيه عدة خصائص واتجاهات، في مجال البحث التاريخي، للتأكد من حقيقة الفكرة الرئيسة وصحتها للبحث، حيث لا يمكن أن تخضع للفكرة المباشرة، فيجب توفر: الصحة والأمانة الفكرية ومراعاة الدقة وعدم التحيز للأهواء والرغبات العنصرية والعقائدية والشخصية والأدلة الكافية؛ للتوصل إلى النتائج والأحكام.
يهتمّ الباحثون اليوم بمنهج البحث التاريخي لكثرة المجالات التي يمكن استخدامه فيها، فهو لا ينحصر بالتاريخ وحسب، يمكن استخدامه في مجالات مثل: القانون والعلوم الطبية والدين والطب وغيرها من العلوم، وذلك للتحقق الباحثين من صدق الحقائق والمعلومات القديمة، فأكثر الباحثين انشغلوا في كتابة التاريخ لتمجيد الدول والسلطات، وغفلوا عن هدف الحقيقي في الوصول إلى الحقائق الموضوعية، ما جعل المؤرخين يسترجعون الخبرات الإنسانية الماضية بطرق وأساليب لا تنتهك الحوادث والظروف، حيث يتم جمع المعلومات وفحصها وتدقيقها بحسب معايير خاصة لعرضها وتفسيرها بطريقة آمنة.[٩]
أهمية منهج البحث التاريخي
كيف يساعد منهج البحث العلمي في التنبؤ بأحداث المستقبل؟
إنَّ منهج البحث التاريخي ينطوي على أهمية كبيرة لا تقتصر على وصف الأحداث والظواهر السابقة، وفيما يأتي تفصيل في أهمية البحث التاريخي:[١٠]
- فهم الماضي والحاضر: إذ لا يقتصر منهج البحث التاريخي على وصف أحداث وظواهر الماضي، بل يدرسها ويفسرها ويحللها للوصول إلى الحقائق، وبذلك يساعد على فهم الماضي والحاضر.
- معالجة المشكلات: يسهم منهج البحث التاريخي في معالجة مشكلات العصرِ بناءً على ما يتمُّ جمعُه من معلوماتٍ قديمة، ومن خلال نقدها وتحليلها وهذا ما تتبعه العلوم الاجتماعية جميعها من أجل إيجاد الحلول للمشكلات التي تعترض طريقها.
- التنبؤ بالأحداث المستقبلية: ويتمُّ ذلك في خضمِّ المتغيرات المتلاحقة واستقراء ذلك من أحداث الماضي الثابتة التي تتوصَّل إليها الأبحاث التاريخية.
- التعرف على السجلات القديمة: حيثُ يمكن من خلال منهج البحث التاريخي أن يتعرَّف الإنسان على السجلات القديمة والمدونات في عصور مختلفة.
- التعرف على الأحداث السابقة: يساعد منهج البحث التاريخي في التعرف على طبيعة الأحداث السابقة.
- التعرف على الأبحاث السابقة: يمكن من خلال منهج البحث التاريخي معرفة طبيعة الأبحاث التي سبقته، ومن ثمَّ نقدها بطريقة مضوعية وتوضيح ما فيها من سلبيات وإيجابيات، مع المحافظة على وجهة نظر الباحث في الموضوع.
كتب عن منهج البحث التاريخي
ما أهم الكتب العربية التي تناولت منهج البحث التاريخي؟
تناول المفكرون والمؤرخون منهج البحث التاريخي في كثير من الكتب نظرًا لأهميته في حياة الإنسان، وفيما يأتي بعض الكتب التي تتحدث عن منهج البحث التاريخي مع لمحة عن كل منها:
- منهج البحث التاريخي: من أهم الكتب العربية التي تتحدث عن منهج البحث التاريخي، من تأليف الدكتور حسن عثمان، وقد طبع الكتاب لأوَّل مرة في عام 1943م في القاهرة، وقد تناول فيه مواضيع دراسة التاريخ ومناهج البحث فيه بالتفصيل.[١١]
- كتاب البحث العلمي أساسياته النظرية وممارسته العملية: وهو من تأليف الأستاذ رجاء وحيد دويدري، تحدَّث عن البحث العلمي عمومًا ثمَّ تناول التاريخ والبحث العلمي ومناهجه، وخصوصًا منهج البحث التاريخي عند العرب.[١٢]
- منهج البحث العلمي: من تأليف الدكتور كمال دشلي، حيث تحدّث بشكل عام عن البحث العلمي، ثمَّ تطرق إلى منهج البحث التاريخي، فذكر خطوات نهج البحث التاريخي وأهميته وأساليبه وغير ذلك.[١٣]
- منهج البحث التاريخي: من تأليف الدكتور عبد الله طه عبد الله السلماني، حيث عرَّف فيه التاريخ والمنهج، وفصَّل في مراحل كتابة التاريخ عند مختلف الحضارات، وصفات المؤرخ والعوامل التي تساعده على البحث، ثمَّ فصَّل في خطوات منهج البحث التاريخي.[١٤]
- التاريخ ومنهج البحث التاريخي: من تأليف الدكتور قاسم يزبك، حيثُ تحدَّث فيه عن التاريخ وتعريفه وأهمية التاريخ بالنسبة للإنسان، ثمَّ تحدَّث عن التاريخ عند العرب وبداية التأريخ عندهم، وعن ارتباطه بالعلوم الشرعية الدينية الإسلامية، ثمَّ عن نشأة علم التاريخ، وتحدّث عن منهج البحث التاريخي وخطواته ومختلف الأمور التي تتعلق به.[١٥]
لقراءة المزيد، انظر هنا: أنواع المصادر التاريخية.
المراجع[+]
- ↑ حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، صفحة 20-21. بتصرّف.
- ↑ محمد حمدان (1989)، البحث العلمي كنظام (الطبعة الأولى)، عمّان: دار التربية الحديثة، صفحة 63. بتصرّف.
- ↑ صفوح خير (1983)، المنهج العلمي في البحث الجغرافي: مناهجه وأساليبه (الطبعة الأولى)، دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، صفحة 18-19. بتصرّف.
- ↑ ربحي عليان (2001)، البحث العلمي أسسه ومناهجه وأساليبه إجراءاته (الطبعة الأولى)، عمّان: بيت الأفكار الدولية، صفحة 42-46. بتصرّف.
- ↑ كمال دشلي، منهجية البحث العلمي، صفحة 42. بتصرّف.
- ^ أ ب كمال دشلي، منهجية البحث العلمي، صفحة 58. بتصرّف.
- ↑ حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، صفحة 19. بتصرّف.
- ↑ كمال دشلي، منهجية البحث العلمي، صفحة 59-60. بتصرّف.
- ^ أ ب رحيم العزاوي (2007)، مقدمة في منهج البحث العلمي (الطبعة الأولى)، عمّان: دار دجلة، صفحة 79-80. بتصرّف.
- ↑ كمال دشلي، منهجية البحث العلمي، صفحة 57-58. بتصرّف.
- ↑ حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، صفحة 7-8. بتصرّف.
- ↑ رجاء وحيد دويدري، كتاب البحث العلمى أساسياته النظرية وممارسته العملية، صفحة 151. بتصرّف.
- ↑ كمال دشلي، منهج البحث العلمي، صفحة 2-7. بتصرّف.
- ↑ عبد الله طه عبد الله السلماني، منهج البحث التاريخي، صفحة 2-10. بتصرّف.
- ↑ قاسم يزبك، التاريخ ومنهج البحث التاريخي، صفحة 179-183. بتصرّف.