الأدب العربي في العصر الجاهلي

الأدب العربي في العصر الجاهلي
الأدب العربي في العصر الجاهلي

تعريف الأدب الجاهلي

ما سبب تفاوت الإنتاج الأدبي في العصر الجاهلي؟

الأدب الجاهلي وهو الأدب الذي يُنسب إلى العرب قبل الإسلام، وهو النتاج العاطفي الذي عبّر عنه شعراء وأدباء الجاهليّة بألفاظ تُثير القارئ والمستمع، من خلال الشعر والنثر، أمّا عن أدباء وشعراء العصر الجاهلي فقد كانوا كُثر لا يحصرهم كتاب واحد، وذلك يعود إلى تعدُّد القبائل ونبوغ كل قبيلة بنتاجها الأدبي وبأدبائها، كما كان الأدب الجاهلي يكثر عند بعض القبائل والشعراء ويقل عن غيرهم، إذ كانوا يتفاوتون بالإنتاج الأدبي كمًا ونوعًا، ويُذكر أنّ أكثر ما روي من الأدب الجاهلي هو ما جاء في قبائل الشمال والجنوب، وبذلك فقد زاد أعداد الشعراء والأدباء، ممّا أدى إلى زيادة سمات الأدب الجاهلي وتزايد النماذج الأدبية وأغراضها.[١]


الحياة الأدبية في العصر الجاهلي

ما هي مجالس السمر؟

ساعدت ظروف الجاهليين إلى تطور الحياة الأدبيّة في العصر الجاهلي، وذلك من خلال الأحداث التي كانت تقع بينهم، والمجالس التي كانت تعقد بين القبائل المتحالفة وبين الخصوم، إضافة إلى الصلات الاجتماعيّة التي كانت تربط بينهم، كالمناسبات المختلفة التي تستدعي إلى بعث الوفود والرسل، وكانت هذه الظروف جميعها تعتمد على فصيح القول وبليغ العبارات، كما ظهر ما يُسمّى بمجالس السمر، وهي المجالس التي تُعقد ليلًا من أجل الحديث عن المشاكل اليوميّة، إذ كانت هذه المجالس تُهيئ الفرص للأدباء والشعراء لممارسة نشاطهم الأدبي من خلال إلقاء الشعر ورواية القصص والأخبار من خلال فنون النثر، إذ كانت هذه المجالس مليئة بالفصاحة والبيان الذي نشأ منذ العصر الجاهلي.[٢]


الشعر في العصر الجاهلي

كيف نقل الشعر الجاهلي الحياة العقليّة والعاطفيّة الخاصة بالشعراء؟

يعتمد تاريخ الشعر الجاهلي في دراسة حياة العرب قبل الإسلام، ونقلها عبر العصور، كما يمثل مفهوم الشعر الجاهلي بأنه مجموعة من الأبيات الموزونة التي نقلت الحياة العقلية والعاطفية للشعراء، فينقل ظروفهم وحياتهم المعيشيّة، إضافة إلى الكثير من الأحداث التاريخية الحاصلة آنذاك.[٣]


لقراءة المزيد، انظر هنا: الشعر في العصر الجاهلي.


خصائص الشعر في العصر الجاهلي

  • الاعتماد على عمود الشعر: تم الاعتماد على عمود الشعر والقصيدة العربية في صياغة القصائد الشعريّة، إذ يعني ذلك أن تكون بداية القصيدة متحكمة بالوقوف على الأطلال والبكاء عند الديار، ومن ثم الولوج إلى الوصف والمواضيع الأخرى.[٤]
  • كثرة الزحافات: كثرت الزحافات في الشعر الجاهلي، وهي اختلاف حركة الروي في القصيدة الواحدة، وهي من القواعد الخارجة عن عِلم العروض الذي وضعه الفراهيدي.[٤]


  • صدق التعبير: ظهر صدق التعبير من خلال توزع الشعر إلى أربعة أضرب وهي: الشعر القصصي الذي يُصور العاطفة وأحداثها، والشعر التعليمي الذي يزخر بالوعظ والحكمة، إضافة إلى الشعر الغنائي والتمثيلي، وهي قصائد تعتمد على الخيال وعلى صدق العاطفة.[٥]
  • تنوّع الموضوعات: تنوعت الموضوعات وتعددت في القصيدة الواحدة في الشعر الجاهلي، إذ تتوزع هذه الموضوعات بين الرثاء والنسيب والغزل والفخر والهجاء، وغيرها.[٦]


  • استخدام التشبيه: استخدم شعراء العصر الجاهلي التشبيه المعنوي الصادق في وصف الكثير من الأشياء، وهو تشبيه يعتمد على المعاني البسيطة والواضحة، والخالية من التكلف والإغراق في الخيال.[٧]
  • التنوع بالتراكيب اللغوية والبلاغية المعبّرة: تنوّع شعراء العصر الجاهلي باستخدام التراكيب المعبّرة والتي تعتمد على المحسنات اللفظية، إذ كان الشاعر الجاهلي يُبدع في ألفاظه فيضعها في مكانها، ممّا يؤدي إلى أن تقوم العبارات بأداء معانيها دون اضطراب، ودون الحاجة إلى تفسير.[٨]


لقراءة المزيد، انظر هنا: ما هي خصائص الشعر الجاهلي.


أغراض الشعر في العصر الجاهلي

اشتهر الشّعر في العصر الجاهلي، إذ تعددت موضوعاته ومضامينه وأغراضه، ومن أبرز هذه الأغراض هي:


الغزل

وهي أن يذكر الشاعر مغامراته العاطفية، وأن يستدرج في ذلك المرأة فيتغزل بها، ويتعمق في وصف جمالها ومحاسنها من خلال وصفهن، وذكر أسمائهن في بعض الأحيان، ومن ثم يصف الشاعر عبق محبوبته الفواحة، فتسيل دموعه بغزارة حنانًا وشوقًا لها، ومن أبرز شعراء الغزل في العصر الجاهلي هو امرؤ القيس.[٩]


المدح

وهي من الأغراض الشعريّة التي تعتمد بالثناء على المرء وذكر محاسنه وأخلاقه الكريمة، فكان الكثير من شعراء الجاهلية يعتمدون على المديح في أشعارهم من أجل التقرب للولاة والأمراء، وفي بعض الأحيان من أجل نشر الصلح بين القبائل وإبراز محاسن كل قبيلة وفضائلها، ومن أبرز شعراء المديح هو زهير بن أبي سلمى.[١٠]


الحكمة

وهي أن يُضمّن الشاعر في قصائده بعضًا من تجاربه التي تحمل الموعظة والإرشاد، وأن يُلخص الشاعر خلاصة تجاربه الحياتية بما فيها مشاق وشدائد، فيرد الأحداث الماضية وما يحدث في الأيام الحاضرة ليقارن بينها، وينقل تجاربه التي حملت الفكر النيّر والنضوج والحكمة، ومن أبرز شعراء الحكمة في العصر الجاهلي هو زهير بن أبي سلمى.[١١]


الفخر

وهي من أبرز الأغراض في الشعر الجاهلي، إذ كان الشاعر يفخر بفروسيته وشجاعته، كما يفخر بنسبه إلى قبيلته فيفضلها ويتفضل بصفاتها، كما كان الشاعر يفتخر ببطولاته بالحروب، وببسالته في القتال والنزال، ومن أشهر شعراء الفخر في العصر الجاهلي هو الشاعر عنترة بن شداد، والذي كان كثيرًا ما يفخر بنفسه في أبيات غزله بعبلة.[١٢]


أشهر شعراء العصر الجاهلي

تطوّر الشّعر في العصر الجاهلي بشكلٍ ملحوظ، ولعلَّ أبرز الشّعراء الذين أسهموا في ذلك هم:


امرؤ القيس بن حجر الكندي

هو من أشهر شعراء العصر الجاهلي، إذ اتّسم شعره بجودة المعاني والتنويع في الأساليب البيانية والبلاغية، ويُعد شعره عند علماء الأدب من الشعر الذي يقاس عليه ويُحتكم إليه، كما عدّه علماء العربيّة بأنّه صاحب مذهب لُغويّ خاصّ، إذ اتخذ في أشعاره اللفظ المحبّر، والأسلوب المنتخل، فكانت أشعاره ذات طابع خاص تدل عليه.[١٣]


النابغة الذبياني

هو من أبرز شعراء العصر الجاهلي، سُمّي بالنابغة بسبب نبوغه في شعره وتفوقه فيه[١٤]، غلب على شعره المديح رغم أنّه كتب بما تبقى من موضوعات كالهجاء والرثاء والغزل، كما أنه كان يخرج في بعض أشعاره إلى وصف الحيوان في الصحراء وصيده، والكثير من قصائده اتّصلت بأحداث قبيلته.[١٥]


زهير بن أبي سلمى المزني

هو من أشهر شعراء الحكمة في العصر الجاهلي، تعود حكمته إلى أنّه نشأ في أواخر العصر الجاهلي، والتي كانت مظهرًا من مظاهر النهضة في الجوانب الأدبية عامة، إذ تأثر زهير بتلك البيئة، فكانت تجاربه تُمثّل أدبه وتهذيبه وأخلاقه، إذ شب بعيدًا عن حياة اللهو والطيش، فنال الشهرة الواسعة عند العرب، كما كانت أشعاره يُتعظ بها، لِما فيها من نضج بالرأي ووصف جميل لمكارم الأخلاق.[١٦]


الأعشى

هو من شعراء العصر الجاهلي، كُنّي بأبي بصير، وسُمّي بالأعشى لضعف بصره، تدل أخباره وأشعاره على أنه كان كثير السفر والتنقل، كما أنه كان كثير المديح والثناء، إذ كان يمتدح شيوخ العرب وسادتهم، كما أنه كثيرًا ما امتدح قبيلته ومنازعاتها الكثيرة، وكان شعره يحمل نوعًا من التهديد والوعيد لمن يقف أمام قبيلته، فهو تنوع بأشعاره في مختلف الأغراض.[١٧]


لقراءة المزيد، انظر هنا: أبرز شعراء الجاهلية الصعاليك.


نماذج من الشعر الجاهلي

  • يقول امرئ القيس في وصف الغيث والسيل:[١٨]

دَيمَةٌ هَطلاءُ فيها وَطَفٌ

طَبَّقَ الأَرضَ تُجَرّى وَتُدِر

تُخرِجُ الوِدَّ إِذا ما أَشجَذَت

وَتُواريهِ إِذا ما تَشتَكِر

وَتَرى الضَبَّ خَفيفًا ماهِر

ثانِيًا بُرثُنُهُ ما يَنعَفِر

وَتَرى الشَجراءَ في رَيِّقِهِ

كَرُؤوسٍ قُطِّعَت فيها الخُمِر

ساعَةً ثُمَّ اِنتَحاها وابِلٌ

ساقِطُ الأَكنافِ واهٍ مُنهَمِر

راحَ تُمرِيهِ الصَبا ثُمَّ اِنتَحى

فيهِ شُؤبوبُ جُنوبٍ مُنفَجِر
  • يقول النابغة الذبياني في وصف مفارقة الديار:[١٩]

أَبلِغ بَني ذُبيانَ أَنّ لا أَخا لَهُم

بِعَبسٍ إِذا حَلّوا الدِماخَ فَأَظلَما

بِجَمعٍ كَلَونِ الأَعبَلِ الجَونِ لَونَهُ

تَرى في نَواحيهِ زُهَيرًا وَحِذيَما

هُمُ يَرِدونَ المَوتَ عِندَ لِقائِهِ

إِذا كانَ وِردُ المَوتِ لا بُدَّ أَكرَما
  • يقول زهير بن أبي سلمى في وصف الحرب:[٢٠]

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ

وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً

وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ

فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها

وَتَلقَح كِشافًا ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ

فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم

كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ

فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِها

قُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ

لَعَمري لَنِعمَ الحَيُّ جَرَّ عَلَيهِمُ

بِما لا يُواتيهِم حُصَينُ بنُ ضَمضَمِ
  • يقول الأعشى في مدح عشيرته وقبيلته:[٢١]

مِن شَبابٍ تَراهُمُ غَيرَ ميلٍ

وَكُهولًا مَراجِحًا أَحلاما

ثُمَّ وَلّوا عِندَ الحَفيظَةِ وَالصَب

رِ كَما يَطحَرُ الجَنوبُ الجَهاما

ذاكَ في جَبلِكُم لَنا وَعَلَيكُم

نِعمَةٌ لَو شَكَرتُمُ الإِنعاما

وَإِذا ما الدُخانُ شَبَّهَهُ الآ

نُفُ يَومًا بِشَتوَةٍ أَهضاما

فَلَقَد تُصلَقُ القِداحُ عَلى النَي

بِ إِذا كانَ يَسرُهُنَّ غَراما

بِمَساميحَ في الشِتاءِ يَخالو

نَ عَلى كُلِّ فالِجٍ إِطعاما


النثر في العصر الجاهلي

ما علاقة النثر الجاهلي بالسجع؟

النثر في العصر الجاهلي هو الذي يُقصد به التأثير في نفوس السامعين، بجمال الأداء وإبداع الصياغة والعبارات، وهو مجموعة من الأشكال والأنواع التي سًميت بالنثر الفني.[٢٢]


أشكال النثر في العصر الجاهلي

  • الخطابة: وهو نوع أدبي اهتمّ بالنصح والإرشاد والدعوة إلى السلام، وللخطابة قيمتها الكبيرة في الميادين السياسية والاجتماعية، لذلك فقد كثرت في المجالس والأسواق والمحافل، إضافة إلى نوع خطب خاصة تُلقى في مناسبة الوفود على الملوك والأمراء.[٢٣]


  • الحكم والأمثال: هي عبارة عن جمل قصيرة، ولكنّها بليغة وخالية من الحشو، وهي تمثل تجربة مختصرة من الزمان، ولكنها موجزة بجملة بسيطة وسهلة المعاني والتراكيب، من أجل سهولة تداولها بين الناس، وغالبًا ما تكون الأمثال مرتبطة بقصة، ومليئة بالحكمة التي أدت إلى وجودها.[٢٤]


  • الوصايا: هي نثر فني يتضمن خلاصة تجربة صاحبها، لذلك فهي غالبًا تعتمد على كبير السن الذي يتّصف بالحكمة لطول التجارب التي عاشها، والوصايا غالبًا ما تُصاغ بعبارات فنيّة مؤثرة، لترسخ في ذهن المتلقي، كما أنّها تمتاز بالجمال وبتناسب الجمل ورقتها وصياغتها.[٢٤]
  • سجع الكهان: هو نوع خاص من النثر عُرف في العصر الجاهلي واختفى بعد ظهور الإسلام، وهو نوع من السجع الذي يشغل الوظائف الدينية والمواضيع الوثنية في أماكن العبادات، ويُلاحظ في هذا السجع الغموض والتكلف، إضافة إلى التكرار في القوافي، ويُطلق على صاحب هذا النوع من النثر بالكاهن.[٢٣]


لقراءة المزيد، انظر هنا: أنواع النثر في العصر الجاهلي.


خصائص النثر في العصر الجاهلي

  • تصوير الحياة الجاهليّة: اشتمل النثر الجاهلي على نواحي من الحياة الجاهلية والواقعية، إذ طرق جميع المسائل التي تهمّ حياة الإنسان.[٢٥]
  • تصوير المشاعر الإنسانيّة: اشتمل النثر الجاهلي على الكثير من صور المشاعر الإنسانية، لذلك فقد تنوعت أشكال النثر بمقتضى هذه المشاعر والحاجات، إذ كان النثر وسيلة فعالة في التاثير بنفوس المستمعين.[٢٥]


  • اختلاف طول القصائد: تراوح النثر الجاهلي بين ما هو طويل وقصير، فمثلًا اعتمدت الأمثال والحكم على الجمل القصيرة، وبالمقابل جاءت الخطابة والوصايا من الطوال.[٢٥]
  • ظهور العصبية القبلية: ظهر في النثر الجاهلي بما يُسمّى بالعصبيّة القبليّة وهي في الفخر والأنساب والأحساب، فظهرت بفن المفاخرات والوصايا والنصائح.[٢٦]


  • تصوير الحالات الإنسانية: صور النثر الجاهلي الكثير من التصرفات الإنسانية، من خلال الفن النثري الذي يرمي إلى الناحية التهذيبية وإلى التوجيه للخير والمنفعة.[٢٦]
  • سهولة الألفاظ: تميّزت ألفاظ وعبارات القطع النثرية بالسهولة في التعبير وبالمعنى الواضح، إذ كان أصحاب النثر الجاهلي يعتنون عناية فائقة ببلاغة الألفاظ، وعمق العبارات.[٢٦]


أشهر أعلام النثر في العصر الجاهلي

ظهر في العصر الجاهلي مجموعة من الأدباء الذين أسهموا بتطوير النثر وإبرازه، ومن أشهرهم:

قس بن ساعدة الأيادي

وهو من أشهر وأقدم خطباء العصر الجاهلي، تميّزت خطابته الفنية بالجمل القصيرة والمسجوعة، إضافة إلى الكلمات الموزونة، والتي اشتهرت في المجالس والأسواق الموسمية، وكانت خطبه في أغلبها تدور حول المواضيع الدينية، إذ كانت تُحفظ وتنقل من خلال الروي دون التدوين، لذلك فلم يجد الأدباء كتابًا خاصًا لخطب بن ساعدة.[٢٧]


أكثم بن صيفي

من أبرز الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء في العصر الجاهلي، وصفه ابن عبد ربه بأنّه حكيم العرب، كما وُصف بطبيب العرب، وذلك يعود إلى أهمية شخصيته الأدبية، وإلى ما نُسب إليه من نثر جميل، وتدلّ هذه الألقاب وغيرها على منزلته ورفعته بين قومه، وهو من أهم أعلام النثر الجاهلي والذي أدركوا الإسلام فأحسنوا تلقيه.[٢٨]


عامر بن الظرب العدواني

هو أحد قضاة الطائف وحكماء الحجاز، كان من أشهر حكماء العرب وأفهمهم، وقِيل إنّه لم يكن من يعدل بفهمه فهمًا ولا بحكمه حكمًا، له الكثير من الحكم المتداولة، والتي كتب أكثرها بعد أن كبر بالسن وأحس بأن العمر قد مضى به[٢٩]، كما له بعض الأحكام الفقهية التي أقرها الإسلام فيما بعد، ومنها حكم أول خلع في الإسلام.[٣٠]


نماذج من النثر الجاهلي

  • قال الخطيب هانئ بن قبيصة في وصف الحرب وفي تقارب الأقوام من بعضها في ساحة المعركة: "يا قوم، هالك معذور خير من ناجٍ فرور، إنَّ الحذر لا يُنجي من القدر، وإنَّ الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، والنار ولا العار، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في ثغر النحور أكرم منه في الإعجاز والظهور، يا آل بكر، الجد الجد، قاتلوا فما من الموت بد".[٣١]


  • قال الخطيب زهير بن جناب الكلبي لبنيه قبل وفاته: "يا بني: قد كبرت سني، وبلغت حرسًا من دهري، فأحكمتني التجارب، والأمور تجربة واختبار، فاحفظوا عني ما أقول وعوه، إياكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب؛ فإن ذلك راعية للفهم، وشماتة للعدو، وسوء ظن بالرب، وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين، ولها آمنين، ومنها ساخرين؛ فإنه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا، ولكن توقعوها؛ فإنما الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة، فمقصر دونه، ومجاوز لموضعه، وواقع عن يمينه وشماله، ثم لا بد أنه مصيبه".[٣٢]


  • قال الحكيم عامر بن الظرب: "ربّ زارع لنفسه حاصد سواه، ومن طلب شيئًا وجده، وإن لم يجده أوشك أن يقع قريبًا منه".[٣٣]


أهمية الأدب الجاهلي

كيف حافظ الأدب الجاهلي على التراث؟

أدى ظهور الأدب الجاهلي إلى تطور العِلم عند العرب، إذ كان لهذا الأدب أهميته الظاهرة والمستمرة عبر العصور، وتتوزع أهمية الأدب الجاهلي كما يأتي:


  • وفرة نتاج الأدب: يُعد وفرة نتاج الأدب الجاهلي من أهم العوامل التي ساعدت بحفظ التراث لينتقل عبر العصور ويستدل به في العِلم.[٣٤]
  • المساهمة في التطور الأدبي: يدل الأدب الجاهلي على أنّ العرب في جاهليتهم كانوا قد قطعوا أشواطًا كثيرة في التطور الأدبي، إذ يمتاز هذا الأدب بالتقدم والكمال، من خلال أساليب التعبير والصور الفنية التيي مدت الأدب بمختلف الأساليب الأدبية في التعبير.[٣٤]


  • نقل الحس الفني الصادق: يُعد الأدب الجاهلي من الأدب القديم حلقة وصل ونقل للحس الفني الصادق للأدباء والشعراء، ذلك الحس الدال على الخبرة العميقة والدقيقة بالنفس البشريّة وبعواطفها الحقيقية، من خلال إحسان التصوير وإجادة التعبير عنها.[٣٥]


  • اثبات بلاغة الأمم السابقة: يُعد الأدب لغة العقل، وهو مظهر من مظاهر التفكير التي تُثبت براعة وبلاغة الأمم السابقة.[٣٦]
  • تأكيد تفوّق العرب بالأدب: يُعد الأدب الجاهلي من أهم العوامل التي أبرزت مظاهر جمال اللغة، وفيها القدرة في التأثير بالنفوس.[٣٦]
  • تأكيد أصالة الأدب العربي: يُعد الأدب الجاهلي مظهر من المظاهر الأدبية التي أكدت بوجود الأدب عند العرب منذ القدم، فهو لغة التاريخ والفلسفة والدين.[٣٦]


مصادر الأدب الجاهلي

كيف حُفظت أشعار العرب في العصر الجاهلي؟

اعتنى مجموعة من العلماء والأدباء بالأدب الجاهلي، إذ جمعوا مادة هذا الأدب وخصّصوها في كتب ودواوين مفردة للشعراء، كما عُني الشراح بمجموعة كبيرة من القصائد، فدونوها وشرحوها، والبعض الآخر عُني بالمعلقات فجمعها وتحقق من صحتها، ومن أهم مصادر الأدب الجاهلي ما يأتي:


  • المفضليات: وهو الكتاب المنسوب للمفضل الضبي، إذ يحوي على مجموعة كبيرة من قصائد العصر الجاهلي، وهي القصائد التي فضّلها الكاتب على غيرها، إذ يضم الكتاب ما يُقارب 130 قصيدة، إذ تعد هذه القصائد من أروع ما قيل في الشعر العربي.[٣٧]


  • الأصمعيات: هو كتاب لعبد الملك الأصمعي، وهو عبارة عن مجموعة شعريّة جاءت على نسق المفضليات، فجمع الكاتب من أشهر أشعار العرب وأفضلهم، ويضم الكتاب ما يقارب 27 قصيدة مُوزّعة على مختلف الشعراء، إذ كانت هذه الأشعار قد نقلت الحياة الجاهلية ومثّلت جوانبها في طيات الأبيات الشعريّة، والتي كان لها الأهمية عند الأصمعي.[٣٨]
  • جمهرة أشعار العرب: هو من الكتب الشهيرة التي ألّفها أبو زيد القرشي، والتي تُعنى بالأدب الجاهلي وخاصّة الشعر، إذ جمع مجموعة كبيرة من أشعار العرب، ورتّبها ضمن أبواب مفصلة، وفي البداية كان قد أضاف مُقدّمة شرح بها أهمية الأدب ولغة الشعر.[٣٩]

المراجع[+]

  1. علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 91. بتصرّف.
  2. علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 91-92. بتصرّف.
  3. طه حسين، في الأدب الجاهلي، صفحة 62. بتصرّف.
  4. ^ أ ب شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 183-185. بتصرّف.
  5. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 189-190. بتصرّف.
  6. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 195. بتصرّف.
  7. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 219. بتصرّف.
  8. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 226. بتصرّف.
  9. راضية لرقم، محاضرات في النص الأدبي القديم، صفحة 20-23. بتصرّف.
  10. راضية لرقم، محاضرات في النص الأدبي القديم، صفحة 29. بتصرّف.
  11. راضية لرقم، محاضرات في النص الأدبي القديم، صفحة 31-32. بتصرّف.
  12. راضية لرقم، محاضرات في النص الأدبي القديم، صفحة 37-38. بتصرّف.
  13. عمر فارس الكفاوين، تأثير امرئ القيس في الخطاب الأدبي والنقدي الأندلسي، صفحة 13-14. بتصرّف.
  14. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 269. بتصرّف.
  15. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 281-282. بتصرّف.
  16. سلمى سليمان أحمد، الصورة الفنية في معلقة زهير بن أبي سلمى، صفحة 13-14. بتصرّف.
  17. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 335-337. بتصرّف.
  18. "ديمة هطلاء فيها وطف"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/3/2021. بتصرّف.
  19. "أبلغ بني ذبيان أن لا أخا لهم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/3/2021. بتصرّف.
  20. "أمن أم أوفى دمنة لم تكلم"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/3/2021. بتصرّف.
  21. "يا لقيس لما لقينا العاما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 10/3/2021. بتصرّف.
  22. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 398. بتصرّف.
  23. ^ أ ب نسرين طاهر ملك، النثر الجاهلي والإسلامي والأموي دراسة تحليلية، صفحة 114-115. بتصرّف.
  24. ^ أ ب حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الجاهلي، صفحة 38-39. بتصرّف.
  25. ^ أ ب ت حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الجاهلي، صفحة 31-32. بتصرّف.
  26. ^ أ ب ت حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الجاهلي، صفحة 33-34. بتصرّف.
  27. أحمد ربيعي، قس بن ساعدة الإيادي حياته خطبه شعره، صفحة 1-2. بتصرّف.
  28. قاسم عبدالله محمد القرني، النثر الفني عند أكثم بن صيفي جمعًا وتوثيقًا ودراسة، صفحة 19-21. بتصرّف.
  29. حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الجاهلي، صفحة 23. بتصرّف.
  30. أبو هلال العسكري، الأوائل، صفحة 74. بتصرّف.
  31. أحمد الربيعي، قس بن ساعدة الإيادي حياته خطبه شعره، صفحة 32-33. بتصرّف.
  32. أحمد زكي صفوت، جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، صفحة 126. بتصرّف.
  33. حسين علي الهنداوي، أشكال الخطاب النثري في العصر الجاهلي، صفحة 78. بتصرّف.
  34. ^ أ ب علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 92-93. بتصرّف.
  35. علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 94. بتصرّف.
  36. ^ أ ب ت طه حسين، في الأدب الجاهلي، صفحة 285-287. بتصرّف.
  37. المفضل الضبي، المفضليات، صفحة 5-6. بتصرّف.
  38. عبد الملك بن قريب الأصمعي، الأصمعيات، صفحة 6-7. بتصرّف.
  39. شوقي ضيف، العصر الجاهلي، صفحة 176-178. بتصرّف.

115205 مشاهدة