محتويات
- ١ فن الخطابة في العصر العباسي
- ٢ عوامل ازدهار الخطابة في العصر العباسي
- ٣ موضوعات الخطابة في العصر العباسي
- ٤ الأسلوب الخطابي في العصر العباسي
- ٥ الموسيقى في الخطابة العباسية
- ٦ الخيال والصورة في الخطابة العباسية
- ٧ تأثر الخطابة العباسية بالقرآن الكريم
- ٨ أشهر الخطباء في العصر العباسي
- ٩ نماذج من الخطابة في العصر العباسي
فن الخطابة في العصر العباسي
ما هو فنّ الخطابة؟
تُعرّف الخطابة بأنّها: "فنّ أدبيّ نثريّ غايته إقناع السامعين أو وعظهم أو إمتاعهم"[١]، ولقد عرّفها الأقدمون بأنها: مجموعة من القوانين التي تُعرِّف الدّارس طرق التأثير بالكلام إلى جانب حسن الإقناع بالخطاب، فهذا العلم معنيّ بطرق التأثير في الناس، بالإضافة إلى وسائل الإقناع وما ينبغي أن يكون عليه الخطيب من الصّفات والمواضيع المختلفة التي ينبغي له أن يتوجه إليها.[٢]
قد ازدهرت الخطابة في بداية العصر العبّاسي وبلغت أوجها، إلّا أنّها اضمحلّت بعد ذلك، والسّبب في ذلك يعود لاحتجاب الخلفاء عن عامّة النّاس وزوال دواعيها، ومن الجدير ذكره أنّ ارتفاع شأن الخطابة في بداية العصر العباسي هو حاجة الدولة العباسيّة الشديدة لترسيخ ملكها وإثبات حقّ العباسيّين في خلافتهم، لذلك ازدهرت الخطابة في ذلك العصر[٣]، ويُعرّف ابن رشد فنّ الخطابة قائلًا: "الخطابة هي قوة تتكلّف الإقناع الممكن في كل واحد من الأشياء المفردة".[٤]
عوامل ازدهار الخطابة في العصر العباسي
ما هي أبرز الأسباب التي كانت وراء ازدهار الخطابة في العصر العباسي؟
- الدعوة العباسيّة: من أهمّ الأساسيّات التي قامت عليها الدعوة العباسية إثبات حقّ آل البيت في الخلافة، باعتبارهم أولى الناس بها، وذلك لقرابتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لذلك فقد كانت الدعوة العباسيّة من أهم عوامل ودوافع ازدهار الخطابة في العصر العباسيّ.[٢]
- بيان سياسة بني العباس: عندما تمّ أمر الخلافة لبني العباس كانوا يقومون بإعلان سياستهم في الخلافة عن طريق المنابر، وذلك حتى يوازن الناس بين حكمهم وحكم الأمويين، فكانت الحاجة للخطابة لإيصال أصواتهم وسياستهم للنّاس.[٢]
- الفتن: قامت الدولة العباسية وسط فتن كثيرة، فقد كان العلويّون يظنّون أنّ العباسيّين سلبوا الخلافة منهم وابتزّوهم وأنّهم هم الأولى منهم، فقام المنصور وألقى خطبة تملؤها الأدلّة والبراهين التي تثبت حقّ العباسيّين في الخلافة وإبطال دعوى خصومهم، ولم تقتصر الفتن على العلويّين فحسب، بل خرج المهدي المقنّع الخراساني وأحدث الفتنة، إضافة إلى الفتنة بين الأمين والمأمون، وجميع هذه الأمور أوجدت للخطابة مرتعًا خصبًا، فاتّسع نطاقها وازدهرت ازدهارًا كبيرًا.[٢]
- الوفادة: كثر الوفود الذين كانوا يفدون على الخلفاء والأمراء، فكانوا يتبادلون الخطب فيما بينهم، ومن ذلك قدوم وفد أهل الشّام على المنصور ليعتذروا بعد استقامتهم، لذلك كانت الوفادة من أبرز أسباب وعوامل ازدهار الخطابة في العصر العباسي.[٢]
- المجالس: كثيرًا ما كانت تعقد المجالس في ذلك العصر، فكانت مكانًا للمناقشات العلميّة والدينيّة، يُبدعون في استخدامهم جميع أساليب الخطابة، من قدرتهم على التأثير وجذب الناس إلى الفكرة.[٢]
- الوعظ الديني: كان الوعظ الديني من أهمّ الأسباب التي يرمي إليها الخطباء ومقصدًا مهمًّا يقصدونه، فكثيرًا ما كان يجري الوعظ الدينيّ على ألسنة الخلفاء نفسهم، وذلك لما يعتقدونه في أنفسهم باعتبارهم قدوة لغيرهم.[٢]
موضوعات الخطابة في العصر العباسي
ما هي أهمّ الموضوعات التي احتوت عليها الخطابة العباسيّة؟
لقد تعددت موضوعات الخطابة في العصر العباسي بحسب المناسبة والموقف؛ فمنها ما كان دينيًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا، ويمكن تفصيل ذلك فيما يأتي:
الخطب السياسية
وهي نوع من الخطب يُلقيها القائد أو الخليفة في بعض المناسبات، وتعدّ الخطب السياسية أحد أبرز موضوعات الخطابة في العصر العباسي، والتي كان الخلفاء والقادة يلقونها في استقبالهم للوفود، أو لتحميس الجنود في المعارك والدفاع عن دولتهم، والخطيب السياسي الذي ينجح في مهمته هو من يتخذ من الخطابة وسيلة ناجحة ومؤثرة في الجماهير وإقناعهم بأفكاره.[٣]
الخطب الدينية
هذا النوع من الخطب يختصّ بالشعائر الدينية التي تُلقى في الأعياد وأيام الجمع، وقد كانوا يستمدون خطبهم من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وقصص الأنبياء والمرسلين، والخطب الدينية لها أهمية وأثر كبير في نفوس جميع المسلمين، فمن خلالها يستطيع الخلفاء والقادة التوجيه إلى تقوى الله تعالى وخشيته وتكون نابعة من قلوب صادقة مفعمة بالإخلاص.[٣]
الخطب الاجتماعية
يكاد يكون موضوع هذه الخطب بارزًا في الأمور الاجتماعية بين الناس، كمدح الناس بعضهم لأسبابٍ تستدعي ذلك، أو قد يكون موضوعها الذم، أو الاستعطاف وطلب العفو أو العتاب، إضافة إلى الخطب التي تلقى في أمور الزواج والتربية، أضف إلى ذلك خطب العزاء والإصلاح وغيرها من الأمور العائلية والاجتماعية.[٣]
الخطابة الحفلية
هي نوع من أنواع الخطب التي تُلقى في المواسم الكبار وفي المناسبات العامة، بالإضافة إلى المحافل العظام، وتُلقى كذلك في مجالس الخلفاء والملوك والأمراء، وفي كافة الأندية العامة والخاصّة، وذلك بأهداف وأغراض تتعلق بالحياة ومظاهرها الاجتماعية، وهذا النوع من الخطابة له أهميته الخاصة لما له من أثر كبير في توطيد العلاقات بين أفراد المجتمع.[٥]
خطب الوفود
تلقي هذا النوع من الخطب الوفود التي كانت تفد على الخلفاء والأمراء في المجالس العامّة للخلفاء والولاة، وتتضمّن هذه الخطب الثناء وتقديم الشكر والعرفان، أو تبادل التهاني أو الشكوى وما إلى ذلك؛ فكانت فرصة لتواصل الناس مع بعضهم وتبادل الثقافات المتنوعة بين أفراد القبائل وحث بعضهم على التعاون والخير.[٥]
الأسلوب الخطابي في العصر العباسي
ما الأسلوب الخطابي الذي ميّز الخطابة في العصر العباسي؟
اقتربت الخطابة العباسيّة من الخطابة في العصر الأموي في ألفاظها وأساليبها ومعانيها، وذلك عائد لتشابه الدوافع والعوامل التي دفعت الألسن إلى البيان، فالألفاظ في الخطابة العباسيّة كانت عذبة فيها من الفخامة والقوة الكثير، أمّا المعاني فقد اقتربت أيضًا وتشابهت مع معاني الخطابة الأمويّة، إلّا أنّها زادت عليها في كثرة المبالغة والتهويل وخاصّة فيما يتعلّق بمنصب الخلافة، فزاد تفنّنهم بالمعاني والبحث عن الدّقيق منها والغوص خلف عميقها.[٢]
كثرت المعاني الدينيّة على ألسنة الخطباء، لأنهم وثبوا وثبة بارزة إلى الخلافة باسم الدّين الإسلاميّ لقرابتهم من النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، كما خرجت المعاني إلى التّهديد العنيف في بعض الأحيان، أمّا الأساليب، فقد استشهدوا في خطبهم بالقرآن الكريم وبالشّعر العربيّ وبالغوا في تنسيق الخطبة باعتبارها أخذت تصبح علمًا له قواعد وأصول ثابتة.[٢]
الموسيقى في الخطابة العباسية
ما هي أهمّ الجماليات الموسيقيّة التي أضيفت إلى الخطابة العباسيّة؟
تميّيز الخطابة العباسية بتأثيرها الشديد على المتلقّي، ولعل ذلك يعود للحسّ الموسيقي الذي كان يعمد الخطيب لإبرازه عند إلقاء الخطبة ليستميل السامعين إليه، وفيما يلي نذكر أبرز الجماليات الموسيقية التي أضيفت للخطابة العباسية:
الموسيقى والإيقاع الصوتي
إنّ من أبرز وسائل وأساليب الصياغة والبناء الفني التي ميزت الخطابة العباسية هي عناية الخطيب بالوقع والرّنين في خطبته للتأثير على كل من يسمعه وجلب انتباههم، كما تظهر عناية الخطيب العباسي بصياغة أسلوبه وتأنّيه الشديد في إقامة الموسيقى جمل خطبته، وذلك باعتماده على الإيقاع الصوتي والتآلف في الجرس الموسيقي وتعادل الجمل، ولعلّ ذلك أهمّ ما ترتاح إليه النفوس وتطرب له الآذان، وإنّ المتأمل في النّصوص الخطابيّة التي وصلت من ذلك العصر يجد ضروبًا كثيرة من القيم الموسيقية.[٥]
السجع
يعدّ السّجع من أبرز مظاهر الزخرفة اللفظيّة التي اهتمّ بها الخطيب في العصر العباسيّ، ويراد بالسّجع تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرفٍ واحدٍ، والأمثلة عليه كثيرة جدًا في الخطب في العصر العباسي، فهو بدوره يُضفي على الخطبة قيمة موسيقيّة جميلة، خاصة إذا كان رصين التركيب، يخلو من التكلف والتكرار دون فائدة.[٥]
الازدواج
وهو ما تتّزن به أواخر الجمل دون أن يلتزم فيها الرّوي، والازدواج بدوره يُكسب النصّ الذي يرد فيه قيمة موسيقيّة جميلة، وقد كثر استخدام أسلوب الازدواج في الخطب في العصر العباسي، كما لوحظ شيوع الازدواج في طائفة كبيرة من هذه الخطب؛ فلا يفوت المتأمّل لهذه الخطب أن يلحظ كثرة الازدواج في مجموعة كبيرة منها، وهذا بدوره يُضفي على الخطبة جمالية خاصة ووقع في النفوس.[٥]
الموازنة
الموازنة نوع من أنواع البديع اللفظي، وهي توازن نهايات الفواصل في الكلام المنثور في الوزن دون القافية، ممّا يزيد الكلام رونقًا وطلاوة لاعتدال جمله واتّساقها، وممّا لا شكّ فيه أنّ مقاطع الكلام كلما كانت معتدلة كان وقعها في النفس أكثر، ومن أبرز النصوص الخطابية التي جاءت حافلة بالتوازن، قول المأمون:" وإنّ غائبًا يحدوه الليل والنهار لجدير بسرعة الأوبة.."[٥]
الخيال والصورة في الخطابة العباسية
كيف وظّف الخطباء العباسيّون الخيال والصورة في خطبهم؟
تميّزت الخطابة العباسية بأنها غنيّة بالخيال الواسع والصورة، فهذان العنصران كانا من أبرز صور الإبداع الفني لدى الخطباء ومن أهمّ مميزات الخطابة في العصر العباسي، وذلك بوصفه وسيلة مهمة من وسائل التعبير عن بعض الأشياء وإبراز صورتها على وجه جديد تزداد بساطته تأثيرًا، بالإضافة إلى أنّه يكسوها رونقًا وجمالًا، كما احتلّ التشبيه موقعًا مهمًّا في الخطابة العباسية، ويُراد بالتشبيه اشتراك شيئين في وصف معيّن.[٥]
برزت أهمية إيراد التشبيه في الخطابة في أنّه يقوم بزيادة المعنى وضوحًا ويقوّي تأثيره ويكسبه جمالًا ورونقًا، ومن أبرز النّصوص الخطابيّة التي ورد فيها التشبيه وإيراد الصور والأخيلة خطبة أبي السرايا السري بن منصور في الوصف، ويصف من خلالها أهل الكوفة فيقول: "إنّما أنتم كفيء الظلّ"، فيظهر التشبيه وضوحًا جليًّا في هذا القول من خلال ربطه بين أهل الكوفة في تغيّرهم وسرعة تبدّلهم وبين فيء الظلّ الذي بدوره سرعان ما يتبدّل هو الآخر.[٥]
تأثر الخطابة العباسية بالقرآن الكريم
ما دور القرآن الكريم في التأثير على الخطابة العباسية؟
لقد تميّزت الخطابة في العصر العباسيّ بالاقتباس من القرآن الكريم، والسّبب في ذلك رغبة الخلفاء والقادة في تأكيد ما يذهبون عليه من حمل النفوس على الجهاد ودعوتها إلى الصبر على ملاقاة الأعداء، وما أعدّه الله تعالى لهم من منازل عظيمة في الجنة[٣]، وقد كان الخطيب العباسيّ يختم خطبته بآية من القرآن الكريم، كما ختم أبو العباس السفاح إحدى خطبه قائلًا:" فاتقوا الله ما استطعتم ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون".[٣]
إنّ القرآن الكريم ترك بصماته على الخطابة بأثره العميق عليها، فقد شرع خطباء هذا العصر يرصّعون خطبهم بالآيات القرآنية التي تزيد الخطب تمثّلًا وإشارة ويضعون الآيات بالمواضع الملائمة من الخطبة، إذ كانوا يحبّون أن يستفتحون خطبهم في الاحتفالات والمناسبات بآيات من القرآن، ممّا يُورث هذه الخطب بهاءً ووقارًا، حتى صارت الخطبة التي تخلو من الآيات القرآنيّة تُعرف بالشوهاء .[٥]
أشهر الخطباء في العصر العباسي
من هم أبرز الخطباء الذين كان لهم شأن رفيع في العصر العباسي؟
لقد برزت اسماء خطباء عدة في العصر العباسي، وكان لهم وقع الكلمة الخاص بهم، ونذكر بعضهم فيما يأتي:
- أبو جعفر المنصور: هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ولد بالحميمة (95هـ - 158هـ)، ينتمي لبني العباس، ويُعدّ المؤسس الثاني لدولة بني العباس، كما أنّه من أشهر أساطين السياسة والبلاغة والفقه والعلم بالدّين والأدب، وممّا يجدر ذكره أنّه يعدّ من أفحل رجال بني العباس هيبة وشجاعة، كامل العقل زاهدًا في عيشته.[٦]
- المأمون: هو عبد الله أبو العباس بن هارون الرشيد، وُلد (170هـ) يعدّ من أبرز علماء بني العبّاس وأسمحهم وأحلمهم وأكثرهم حكمة وإيثار، كُنّي بأبي جعفر، اعتنى به الرشيد واختصّ أبو محمّد اليزيدي بتأديبه، فحفظ القرآن كلّه كما برع في اللغة والأخبار والفقه منذ صغره، وقيل إنّه توفي غازيًا على حدود الروم ودفن بمنطقة في طرسوس.[٦]
- داود بن علي: هو داود بن علي بن عبد الله بن العباس، نشأ في قرية الحميمة من أرض الشراة، أخذ علمه عن أبيه فكان أحد النابغين بين إخوته وخطيبهم ولسانهم، ويعد أخطب بني العباس في ذلك الوقت.[٦]
- عبد الملك بن صالح الهاشمي: هو ابن علي بن عبد الله بن عباس، بالمعروف بالأمير أبو عبد الرحمن العباسي، كان واليًا على المدينة، ثم أصبح واليًا على الشام والجزيرة، وممّا يعرف عنه أنّه كان فصيحًا بليغًا مهيبًا وشجاعًا وشريف الأخلاق، قال عنه الصولي: "كان أفصح الناس وأخطبهم، لم يكن في دهره مثله في فصاحته وصيانته وجلالته".[٦][٧]
نماذج من الخطابة في العصر العباسي
ما هي أبرز الخطب التي قيلت في العصر العباسي؟
إنّ كلّ خطيب من خطباء العصر العباسي كان يعتني بمفردات الخطبة التي يلقيها باعتبارها أفضل ما يمكن أن يواجه بها غيره، وفيما يأتي نذكر بعض هذه النماذج:
خطبة أبو جعفر المنصور عند قتل أبي مسلم الخراساني
"أيها الناس: لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تسروا غش الأئمة، فإنه لم يسر أحد قط منكرة إلا ظهرت في آثار يده، وفلتات لسانه، وصفحات وجهه، وأبداها الله لإمامه، بإعزاز دينه، وإعلاء حقه، إنا لن نبخسكم حقوقكم، ولن نبخس الدين حقه عليكم، إنه من نازعنا عروة هذا القميص أجزرناه خبي هذا الغمد، وإن أبا مسلم بايعنا وبايع الناس لنا، على أنه من نكث بنا فقد أباح دمه، ثم نكث بنا، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا، ولم تمنعنا رعاية الحق له، من إقامة الحق عليه".[٨]
خطبة سليمان بن علي
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ، قضاء مبرم، وقول فصل، ما هو بالهزل؛ الحمد لله الذي صدق عبده، وأنجز وعده، وبعدا للقوم الظالمين، الذين اتخذوا الكعبة غرضًا، والفيء إرثًا، والدين هزوًا، وجعلوا القرآن عضين، لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزئون، فكائن ترى من بئر معطّلة وقصر مشيد؛ ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد؛ أمهلوا والله حتى نبذوا الكتاب، واضطهدوا العترة، ونبذوا السّنة، [وعندوا] واعتدوا، واستكبروا، وخاب كل جبار عنيد ثم أخذهم، فهل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا؟[٩]
خطبة المأمون بعد أن قُتل الأمين
حمَد الله، وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه، ثم قال: "أيّها النّاس: إنّي جعلت الله على نفسي، إن استرعاني أموركم أن أُطِيعَه فيكم، ولا أسفك دمًا عمْدا لا تُحله حدوده، وتسفِكه فرائضه، ولا آخذ لأحد مالًا، ولا أثاثًا، ولا نحلة تحرم عليَّ، ولا أحكم بهَوَاي، في غَضَبي ولا رضاي، وألا ما كان في الله وله، جعلت كلَّه لله عهدًا مؤكدًا، وميثاقًا مشدَّدًا، إنّي أفي رغبة في زيادته إياي في نعمتي، ورهبة من مسألته إياي عن حقه وخَلْقه، فإن غيَّرت أو بدَّلت كنت للغِيَرِ مستأهلًا، وللنكال مُعَرَّضًا، وأعوذ بالله من سخطه، وأرغب إليه في المعونة على طاعته، وأن يحول بيني وبين معصيته".[١٠]
خطبة المأمون يوم الأضحى
قال بعد التكبير والتحميد: إنّ يومكم هذا يومٌ أبان الله فضله وأوجب تشريفه، وعظّم حرمته، ووفّق له مِن خلقه صفوته، وابتلي فيه خليله، وفدى فيه من الذبح العظيم نبيه، وجعله خاتم الأيام المعلومات من العشر، ومُقدَّم الأيام المعدودات من النفْر، يوم حرام من أيام عظام في شهر حرام، يوم الحج الأكبر، يوم دعا الله إلى مشهده، ونزل القرآن العظيم بتعظيمه.[١١]
المراجع[+]
- ↑ "معنى الخطابة"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 18/2/2021.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ محمد أبو زهرة، الخطابة، صفحة 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح حسين علي الهنداوي، أشكال خطاب النثر الفني الأدبي في العصر العباسي، صفحة 42. بتصرّف.
- ↑ دراسة تحليلة للطالب عامر فتحي، فن الخطابة في العصرين الأيوبي والمملوكي، صفحة 62.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ حسين اللهيبي، الخطابة العربية في العصر العباسي الأول، صفحة 96. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث أحمد اسكندري، تأريخ آداب اللغة العربية في العصر العباسي، صفحة 19 20. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، صفحة 222.
- ↑ أحمد زكي صفوت، جمهرة خطب العرب، صفحة 31.
- ↑ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، صفحة 187.
- ↑ أحمد زكي صفوت، جمهرة خطب العرب، صفحة 120 121.
- ↑ "الخطابة في العصر العباسي"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/2/2021.