محتويات

سياسة التصريب تجاه المسلمين
تاريخيًا وقبل الحرب بعقود، فقد أدى التنافس بين الصرب والكروات إلى نتائج سلبية على المسلمين البوشناق في البوسنة والهرسك, فكلاهما يرفض الاعتراف بهوية قومية ودينية مستقلة لهم, فغالبيتهم تعود أصولهم إلى الصـرب الأرثذوكس أو الكروات الكاثوليك، وقد اعتنقوا الإسلام في فترة حكم الدولة العثمانية, فتعرضوا للتهميش والاضطهاد، لإجبارهم على الارتباط بهذا الطرف أو ذاك بهدف ضمهم إما إلى صربيا أو كرواتيا.[١]
وكان ذلك من قبـل الصـرب لأنه الطـرف المهيمن سابقًا في الدولة اليوغسلافية، فحاولوا إجبارهم اعتناق الارثذوكسية أو اعتبارهم أتراكًا أجانب يجب تهجيرهم، فتم الضغط عليهم والتضييق في العديد من النـواحي الاقتصادية والاجتماعية, وحتى وصل الأمر إلى التصفية الجسدية والإبادة الجماعية في الحرب الأخيرة، وفي منطقة شرق البوسنة مثلًا قتل ما لا يقل عن ثلاثة ألاف من البوشناق بدون ذنب على وقع تطبيق قانون الإصلاح الزراعي.[١]
وذلك بأيدي عصابات ومليشيات صربية متطرفة؛ وهو قانون أصدرته الحكومة اليوغوسلافية سنة 1919 أدى إلى مصـادرة غالبية أراضـي الفلاحين البوسنيين لصالح الصرب, فاضطر كثيـر مـن البوشناق للهجرة إلى تركيا بسبب هذه المعاناة، وقد وصلت أعدادهم إلى حوالي مئتي إلف لاجئ في سنة 1940. [١]
تفكك جمهورية يوغسلافيا الاتحادية
عقب تحرر يوغسلافيا من الاحتلال النازي عام 1945، نشأ اتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية الشعبية برئاسة تيتو، وضم هذا الاتحاد: صربيا، وكرواتيا، وسلوفينيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود وجمهورية مقدونيا، وبقي تيتو رئيسًا للاتحاد اليوغوسلافي حتى وفاته عام 1980، فكان ذلك بداية نهاية الاتحاد بالإضافة لأسباب كثيرة محلية ودولية، وقد كانت يوغوسلافيا في ما بين عامي 1945 - 1948 متحالفة بشكل وثيق مع الاتحاد السوفياتي، ثم نشأت كثير من الخلافات فأعلن تيتو اتباع سياسة دولية حيادية وإيجابية، فلعبت بذلك يوغوسلافيا دورًا بارزًا في السياسة الدولية بالمساهمة بإنشاء منظمة عدم الانحياز، وبعد انقسام يوغوسلافيا إلى جمهوريات.[٢]
بالإضافة كذلك إلى مناطق أخرى ذات حكم ذاتي، جرت عام 1990 انتخابات حرة في جمهوريات كرواتيا وسلوفينيا كانت هي الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، ثم تبع ذلك إعلان كرواتيا وسلوفينيا وجمهورية مقدونيا الاستقلال عام 1991، وبذلك بدأت حرب أهلية بقيادة الصرب لاسترجاع الجمهوريات المنفصلة، وذلك بقيادة الجيش الاتحادي المكون من غالبية من الصرب، ثم أعلنت البوسنة والهرسك الاستقلال عام 1992، فدخلت بدورها الحرب الأهلية مع الصرب في عموم يوغوسلافيا، وكذلك مع البوسنيين الصرب محليًا، وكذلك مع الكروات ومع البوسنيين الكروات محليًا. وقد اعترفت دول أوروبا والولايات المتحدة باستقلال كرواتيا ،وسلوفينيا والبوسنة والهرسك عام 1992.[٢]
أسباب الحرب الصربية البوسنية
نشبت الحرب الصربية البوسنية بسبب انهيار جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية، وكان هذا هو السبب المباشر، ولكن تاريخيًا توجد خلفيات وأسباب أكثر عمقًا، بدأت الأزمة في يوغوسلافيا بعد ضعف النظام الكونفدرالي، وفقد الحزب الشيوعي الحاكم شرعيته وقوته الإيديولوجية، وبدأت التطلعات القومية والعرقية تنهض بداية الثمانينيات، وخاصة بعد اندلاع أعمال عنف في كوسوفو.[٣]
كانت جميع القوميات تتطلع إلى الاستقلال واللامركزية باستثناء القومية الصربية التي كان هدفها الحفاظ على هيمنتهم على يوغوسلافيا، وكانت البوسنة والهرسك منطقة متعددة الأعراق والأديان، فوفقًا لتعداد سكاني عام 1991 اعتبر 44٪ من السكان أنفسهم مسلمين بوشناق، و 32.5٪ صربًا، و 17٪ كرواتيين.[٣]
وفي الانتخابات التعددية التي جرت في نوفمبر 1990، حصل التصويت إلى حد كبير بناء على العرق، ففازت أحزاب العمل الديمقراطي البوسني، والديمقراطي الصربي، والكرواتي الديمقراطي. ثم تقاسمت الأحزاب السلطة على محاصصة عرقية، فكان رئيس جمهورية البوسنة والهرسك بوسنيًا، ورئيس البرلمان صربيًا، ورئيس الوزراء كرواتيًا. وجميع هؤلاء كانوا بوسنيين، فهي مسميات عرقية وليست جنسيات، حيث تشكل البوسنة والهرسك بحد ذاتها نسخة مصغرة من يوغوسلافيا. [٣]
وتشير بعض المراجع الأجنبية إلى أن قرار المسلمين في البوسنة بالاستقلال بدون خطة واستعدادات كافية كان خطأ فادحًا، وذلك على خلاف الاستعدادات الكرواتية.[٤]
تاريخ حرب البوسنة والهرسك
في عام 1992 شهدت البوسنة والهرسك حربًا مسلحة بين المسلمين والصرب بعد إعلانها الاستقلال، وقد استمرت حتى أكتوبر 1995، وانخرط مجلس الأمن في محاولة لوقف إطلاق النار، وبقي مستمرًا في البحث لإيجاد حلول سلمية ومتابعة الجهود الدبلوماسية لإيقاف النزاع وإعادة سيادة القانون في البلاد.[٥] وهذه الحرب هي نزاع دولي مسلح وكبير وقد تدخلت فيه أطراف خارجية ودولية كبرى مثل روسيا التي دعمت الصرب بالمال والسلاح والمواقف الدولية.[٣]
ووفقًا لمحكمة الجزاء الدولية المنعقدة في يوغسلافيا، فإن أطراف الصراع الأساسية هي "البوسنة والهرسك" وجمهورية يوغوسلافيا وكرواتيا، كما أنه تبعًا لقرارات محكمة العدل الدولية، تعد صربيا أكبر مساهم في تلك الحرب، عبر جيشها والدعم المالي للقوات الصربية في البوسنة والهرسك، والتي أطلق عليها فيما بعد اسم "جيش يوغسلافيا الشعبي".[٣]
وقد ساهمت كرواتيا بقواتها أيضًا، أما البوسنة والهرسك فقد كانت قيادة الحكومة البوسنية تقود ما أسمته جيش جمهورية البوسنة والهرسك المتشكل حديثًا بعد الاستقلال، وقد أسفرت انتخابات 1990 إلى تشكيل مجلس برلماني بأغلبية تسيطر عليها ثلاثة أحزاب عرقية قادت تحالفًا فضفاضًا أدى إلى طرد الشيوعيين أخيرًا من السلطة.[٣]
ما هي الأطراف التي شاركت في الحرب الصربية البوسنية؟
حارب الصرب استقلال جميع الجمهوريات، ولكن الحرب الصربية على البوسنة والهرسك بالذات كانت أكثر قسوة بسبب مكوناتها العرقية التي جعلتها في موقف حرج. فحدث انقسام كبير داخليًا، ونشأت مسألة الاختيار بين البقاء ضمن الإتحاد اليوغوسلافي الذي أيده صرب البوسنة، أو مواصلة الاستقلال والذي يؤيده البوشناق وكروات البوسنة.[٣]
أما أعضاء البرلمان البوسني من الحزب الصربي الديموقراطي، فقد تركوا البرلمان البوسني المركزي في سراييفو، وأسسوا برلمانًا مستقلًا سموه المجلس الوطني لصرب البوسنة والهرسك في أكتوبر 1991، ما أدى لنهاية الاتفاق العرقي الثلاثي الذي وصل إلى الحكم بنتائج انتخابات 1990.[٣]
ثم أنشأ هذا المجلس جمهورية صرب البوسنة المصغرة في يناير 1992، وذلك داخل أراضي البوسنة والهرسك. أما الكروات ففي نوفمبر 1991 عمل حزب الاتحاد الديموقراطي الكرواتي على إعلان المجتمع الكرواتي للبوسنة والهرسك، وهي أيضًا جمهورية منفصلة من أراضي إقليم البوسنة والهرسك، وأسس له جيشًا خاصًا به سمي بمجلس الدفاع الكرواتي. ولم تعترف الحكومة البوسنية به.[٣]
كما أعلنت المحكمة الدستورية البوسنية بأن هذه الجمهورية غير شرعية نهائيًا، وذلك في مرتين: الأولى في 14 سبتمبر 1992 والثانية بتاريخ 20 يناير 1994. وهكذا، ومن خارج البوسنة والهرسك، دعمت دولة صربيا جمهورية صرب البوسنة، ودعمت دولة كرواتيا جمهورية المجتمع الكرواتي، وقد كان الصرب هم العدو اللدود الرافض للاستقلال، بينما كان الكروات ذو موقف أقل حدة.[٣]
ما هي جرائم الحرب الصربية في البوسنة؟
ارتكب جيش صرب البوسنة فظائع كثيرة بحق المسلمين البوشناق في البوسنة، وكان ذلك يتم بعلم من الكنيسة الأرثوذكسية، إلّا أنّ أساليب الفظاعة المرتكبة هي نفس طريقة القمع الشيوعي ولكن بوجه ديني لإذكاء الانقسامات الطائفية والدينية، فقام الجنود الصرب الشيوعيين مثلًا بقطع إصبعين للضحية وترك ثلاثة أصابع كرمز على التثليث، وكذلك برسم الصليب على الظهر بالحديد المحمّى، كما قتل عشرات ومئات آلالاف من المدنيين الأبرياء الذين لم يكونوا مشاركين في أعمال القتال.[٦]
كما يُقال بأن الكنيسة قد أصدرت فتوى تبيح اغتصاب الصرب للنساء المسلمات؛ فتم اغتصاب عشرات آلالاف من النساء في هذه الحرب، ومن القصص المثيرة للألم، فقد اقتحم ثلاثة جنود صربيين بيت أسرة مسلمة فيه امرأة مسنة، وابنتها الكبرى وحفيداتها الخمس، وقاموا باغتصاب الجدة على مرآى من ابنتها وأحفادها، ثم قاموا باغتصاب الأم والفتيات الخمسة, مما أدى لوفاة اثنتين من الصغيرات، بينما أصيبت الجدة والأم بفقدان النطق والعقل. [٦]
مذبحة سربرنيتشا
استمرت المجازر والانتهاكات الصربية بحق شعب البوسنة والهرسك، وفي شهر يوليو 1995م، وقعت المأساة الكبرى التي أيقظت أخيرًا ضمير الإنسانية، فقد اجتاح الجيش الصربي بلدة سربرنيتشا، بقيادة "راتكو ملاديتش" وبدعم من الممثل السابق لصرب البوسنة "رادوفان كراديتش"، موقعة إحدى أفظع المجازر ضد الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، فقامت القوات بعزل المدنيين من الذكور بين 14 و 50 عامًا، ثم قاموا بتصفيتهم ودفنهم سرًا في مقابر جماعية.[٧]
ولما آلت القضية إلى الافتضاح إعلاميًا أمام المجتمع الدولي، عملوا على نبش المقابر لنقل الرفات إلى مقابر متباعدة بهدف إخفاء حجم الفظائع التي ارتكبوها، إضافةً إلى إبعاد وتهجير ما يزيد على 20 ألف مسلم من سربرنيتشا، كما وقعت عمليات اغتصاب بشعة ومنهجية ضد الفتيات والنساء المسلمات، وقد حدث كل ذلك على مرأى ومسمع من جنود كتيبة حفظ سلام هولندية كانت في الموقع، وذلك دون أن تقوم بعمل الكثير لإيقاف المجزرة وتأمين ملاذات آمنة للمدنيين، وقد قُتل في هذه المجزرة أكثر من ثمانية آلاف مسلم بوسني في أيام قليلة. [٧]
ما هي نتائج الحرب الصربية البوسنية؟
انتهت الحرب البوسنية بعد ثلاث سنوات رهيبة، بتدخل قوات أمريكية أجبرت الجيش الصربي على الانسحاب، وتلا ذلك مفاوضات لتشكيل دولة البوسنة والهرسك وكتابة دستور جديد، وتم توقيع اتفاقية دايتون للسلام، كما تم تحويل قضايا الإبادة العرقية إلى محاكم دولية متخصصة. ويعتقد معظم البوسنيين باختلاف قومياتهم وأديانهم وأطيافهم، أن دستور البلاد قد كتب بطريقة تعزز الانقسام وتفرضه في كل المؤسسات الحكومية مواقع القرار، وذلك في دولة مركبة ومتشابكة تضم جمهورية للصرب، وفيدرالية البوسنة والهرسك.[٨]
ويناضل العديد من الاعلاميين والنشطاء والسياسيين المحاولات على جميع الأصعدة لتعديل الدستور بطريقة تعزز السلام الاهلي والتعايش السلمي وتقوي هيكلة الدولة، كما ويرصد صحفيون وكُتّاب بوسنيون مشهورون، أنّه وبعد 22 عامًا على إيقاف الحرب، بأنّ اتفاقية دايتون للسلام كانت فعّالة لوقف الحرب، إلّا أنّها ليست كافية لصنع سلام مستدام، ويحذرون من أنّ الحرب قد تشتعل بأي وقت إذا لم يتم معالجة جذورها وأسبابها، وخاصة بوجود جهات من صالحها إشعال مزيد من الحروب، وبأنّ الوضع هو "حالة حرب مجمدة وليست حالة سلام." [٨]
أما بخصوص الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي، فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا حكمًا ابتدائيًا بخصوص جرائم القائد الصربي راتكو ملاديتش، فقد جرمته المحكمة بارتكاب جرائم "الإبادة الجماعية" و"جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، وذلك في الفترة بين 1992-1995، وبالحكم بالسجن مدى الحياة.[٩]
كما أكدت على أحكام سابقة صدرت ضد ستة من القادة الكروات البوسنيين السياسيين والعسكريين. وذلك بعد 23 عامًا من عمل المحكمة، ثم أغلقت نهائيًا، ولكن استمر سير محاكمات أخرى محليًا، وذلك بوجود سجلات فيها مئات القضايا، التي بقيت معلقة بانتظار البت.، وعلى الرغم من العوائق والعراقيل السياسية ونقص القدرات والموارد فقد حصل فيها تقدم لا بأس به، كما أجريت مراجعة "الاستراتيجية الوطنية الخاصة بجرائم الحرب" للتصدي للعوائق المؤسسية وتقرير مواعيد نهائية لاستكمال البت بالقضايا. [٩]
المراجع[+]
- ^ أ ب ت عبد شاطر عبد الرحمن، تفكك يوغسلافيا وانهيار مشروع صربيا الكبرى، صفحة 14. بتصرّف.
- ^ أ ب "يوغسلافيا"، wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر "حرب البوسنة والهرسك"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ↑ ديفيد هالبرشتام، حرب في زمن السلم بوش ، كلنتون ، والجنرالات، صفحة 213. بتصرّف.
- ↑ "أوروبا - الأمم المتحدة - مجلس الأمن"، www.un.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ^ أ ب "قصة حرب البوسنة"، slamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-02. بتصرّف.
- ^ أ ب "مذبحة سربرنيتشا رابط المادة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.
- ^ أ ب "حرب البوسنة والهرسك"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "البوسنة والهرسك 2017/2018"، www.amnesty.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-04. بتصرّف.