مفهوم العدل في الإسلام

مفهوم العدل في الإسلام


مفهوم-العدل-في-الإسلام/

مفهوم العدل لغةً

ما هو أصل مفهوم العدل في اللغة؟


العدل في اللغة هو مصدر يدلّ على مطلق الشيء، وقال علماء اللغة في تعريفه إنّه "مَا قَامَ فِي النُّفُوسِ أَنه مُسْتقيم، وَهُوَ ضِدُّ الجَوْر"، ومن هنا صارت الأحكام التي ليس فيه جَور ولا ظلم أحكام عادلة، والحُكم العَدل هو الحكم الذي لم يتأثّر بالهوى فجاء كما ينبغي، والعَدل اسم من أسماء الله الحُسنى، ومعناه الذي لا يميل مع الهوى فيجور في حكمه، وعقّب ابن منظور على هذا الكلام بقوله: "وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ فوُضِعَ مَوْضِعَ العادِلِ، وَهُوَ أَبلغ مِنْهُ لأَنه جُعِلَ المُسَمَّى نفسُه عَدْلًا"، وذلك من تمام البلاغة الإلهية في التسمية، وقيل العدل هو الحكم بالحق.[١]



مفهوم العدل في الاصطلاح الشرعي

كيف عرّف علماء المسلمين العدل؟


لقد عرّف علماء الإسلام العدل بأنّه الأمر المتوسّط بين الإفراط والتفريط،[٢] وقال آخرون بل معناه من الاستقامة؛ أي: الميل إلى الحق، ويُطلق الفقهاء لقب العدل على الرجل المسلم شرط توفّر بعض الصفات فيه، منها اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وكذلك هو الذي يغلب صوابه على خطئه، والذي يجتنب الأفعال الخسيسة كالبول أو الأكل في الطريق ونحو ذلك.[٣]



مجالات العدل في الإسلام

كيف تتجلى صور العدل في الشريعة الإسلامية؟


للعدل في الإسلام صور ومجالات شتى لا تكاد تُحصى، ولكن أشهر تلك المجالات تُذكر فيما يلي.


العدل الإلهي في التشريع

إنّ المقصود بالعدل الإلهي في التشريع الإسلامي هو تلك النصوص والأوامر التي جاءت في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة تأمر الناس بالعدل أو جاءت لتقضي بينهم وتقضي فيهم بالعدل الذي لا اعوجاج فيه، ومن صورها في ذلك:[٤]

  • العدل في المسلمين بأن كانوا أمّة وسطًا: يقول الإمام الشاطبي إنّ الشريعة قد جاءت بمقتضى العدل، وهو الوسط بين الشيئين، ويرى الإمام القرطبي أنّ من صور هذا العدل أنّ المسلمين كانوا دون الأنبياء وفوق باقي الأمم، ويعني بذلك قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.[٥][٤]


  • إقامة العدل بين الرعية: ومن ذلك ما حدث عام الفتح حين سرقت امرأة من بني مخزوم وهم من أشراف قريش، فأرادوا أن يستشفعوا لها، فضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: "فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها"،[٦] وأمر بالمرأة فقطعت يدها.[٤]


  • الأمر بالعدل بين العباد في الحكم: والقضاء هو من أخطر الأمور التي من شأنها أن تؤثّر على سير المجتمع الإسلامي، وقد نزلت آيات كثير تأمر بالعدل وتحضّ عليه، ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.[٧][٤]


  • العدل في العبادات: فكما أنّ الإسلام قد أمر أن تؤدّى العبادات على وجه معيّن فهو كذلك أنزل في الكتاب العزيز تخفيف عن الذين يكونون في حال لا تسمح لهم بأدائها على الوجه المطلوب، ومن ذلك فريضة الصيام في شهر رمضان المبارك، فقد أباح الإسلام للمريض والمسافر وغيرهم أن يفطروا على أن يؤدّوا ما فاتهم في أيّامٍ أُخَر.[٨]


العدل الإلهي في الجزاء

ويقصد به أنّ لكل امرئ مما كسب جزاء يكافئه، فإن ارتكب أمرًا حسنًا فجزاؤه الحُسنى، وإن ارتكب أمرًا سيّئًا فجزاؤه أمرٌ يسوؤه، ومن ذلك:

  • الأمر بأن يعاقب المسلمون أعداءهم بمثل يعاملونهم: وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ}.[٩][١٠]
  • الوعيد للمسيء بأن يلقى عقوبة مكافئة: ومن ذلك قوله -تعالى- في سورة الشورى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،[١١] فيعلّق الإمام الطبري على هذه الآية قائلًا: "مَعْنَاهُ: وَجَزَاءُ سَيِّئَةِ الْمُسِيءِ عُقُوبَتُهُ بِمَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عُقُوبَةً مِنَ اللهِ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ، فَهِيَ مَسَاءَةٌ لَهُ".[١٢]


  • توعّد الكافرين والظالمين بالجزاء العادل يوم القيامة: ومن ذلك قوله -تعالى- في سورة النبأ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِّلطَّاغِينَ مَآبًا * لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا}،[١٣] والعبرة في قوله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا}،[١٤] فهو جزاء يكافئ أفعالهم وأقوالهم ومحاربتهم للدين الحنيف في الدنيا.[١٥]


  • وعد المؤمنين بالجنة والراحة الأبدية يوم القيامة: ومن ذلك قوله -تعالى- في سورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.[١٦][١٧]



عدل الحاكم مع الرعية

ويُقصد به العدل بين الرعية من قبل الحاكم المسلم، فلا يطغى بعضهم على بعض، ولا تُشترى الحقوق والذمم بالمال، بل يكون الناس فيه سواسية كأسنان المشط، ومن ذلك:[١٨]

  • عدم التحيز لفرد أو جماعة بعينها.
  • الاقتصاص من العادي أيًّا كان أو كانت قرابته.
  • عدم الطغيان على الرعية وإقامة العدل على نفسه أوّلًا.
  • تخصيص أجر له يوازي عمله وألّا يسرق أموال الناس.



العدل بين الأبناء

وذلك واجب شرعي قد جعله الإسلام في عنق الاب المسلم، فينبغي له معاملة أبنائه جميعًا بالمعاملة نفسها، وألّا يفاضل بينهم، ومن تلك الصور:[١٩]

  • تخيّر الأسماء الحسنة لهم جميعًا واجتناب الأسماء ذات المعاني السيئة.
  • العطف عليهم جميعًا وعدم المفاضلة بينهم في هذا الجانب العاطفي المهم.
  • عدم التمييز بين الذكر والأنثى لما في ذلك من شعور الذكر بالتفوق على الأنثى، وبالتالي إحباط الأنثى وشعورها بالنقص مدى الحياة.


  • عدم ظلم بعضهم بأن يجعل لأحد أبنائه نصيبًا من أمواله ويترك من بقي منهم خالي الوفاض.
  • معاملتهم على أساس مبدأ واحد وهو انّهم جميعًا أبناءه، وعدم تفضيل أبناء زوجات الأخريات على أبناء الزوجة الأولى إن كان له أكثر من زوجة.
  • تزويجهم جميعًا إذا بلغوا وهو من حقوقهم على آبائهم.



العدل بين الزوجات

لمّا شرع الإسلام للرجل أن يتزوّج باكثر من واحدة فإنّه قد وضع ضابطًا مهمًّا جدًّا شريطة للتعدّد وهو ضابط العدل، والعدل هو عدل في كلّ شيء ما خلا القلب فليس للمرء سلطان عليه، ومن صور هذا العدل:[٢٠]

  • العدل في النفقة على الزوجات: فإن أعطى الأولى فعليه أن يعطي الأخريات كما أعطاها.
  • العدل في السكن: فبعضهم يعطي الزوجة الأخيرة بيتًا خاصًّا بها بينما تسكن الأخريات مع بعضهنّ في بيت واحد في غرف متلاصقة أو ما شابه ذلك، ولكنّ العدل يقتضي أن يكون لكلّ واحدة منهنّ بيتها المستقلّ الذي لا يرتضيه الشرعن وأن تكون البيوت في حالة واحدة ولا يكون لبعضهنّ بيت فاره بينما يكون للأخريات بيوت فيها كثير من المشكلات.


  • العدل في المبيت: فلا يذر الرجل نساءه كالمعلقات لا يأتي إليهنّ سوى النزر اليسير بينما تحظى إحداهن بالوقت كلّه، وإنّما يقسم لكلّ واحدة منهنّ يومًا معلومًا بالتساوي كما أمر الله تعالى، لا كما يهوى هو.
  • العدل في معاملة أبنائهنّ: وذلك كما مرّ آنفًا من حيث الرعاية والحنان والتعليم والتزويج والمكانة في نفسه وغير ذلك.



العدل في المعاملات المالية

والمقصود فيها إقامة العدل بين المسلمين في مسائل البيع والشراء ونحوها مما يمكن للمال أن يكون فيها، وهذا الباب من الأبواب الصعبة نظرًا لكون الناس مجبولين في طبيعتهم على حب المال، ومن ذلك:[٢٠]

  • العدل في الكيل.
  • السلامة للميزان.
  • عدم الكذب أو الغش أو التدليس في البيع والشراء.



العدل مع الغير

ويعني ذلك عدل المسلم مع غير المسلم ممن يعيش معه على نفس الأرض، ولهذا العدل كثير من الصور أكثر من أن تُحصى، وقد حث الإسلام على هذا النوع من العدل لامور كثيرة من أهمّها ترغيب غير المسلم بالدخول في الإسلام وكثيرًا ما حصل ذلك، ومن صوره:[٢١]

  • إقادة غير المسلم من المسلم: وذلك كثير في الإسلام ومنها ما حدث في عهد عمر -رضي الله عنه- حين جاءه من أهل الذمة يشكو إليه مسلمًا اعتدى على أرضه فأرسل معه كتابًا وتنازل له الرجل عن كامل الأرض.
  • إقامة العدل عليهم: ومن ذلك قتل عمر -رضي الله عنه- يهوديًّا قتل امرأة.
  • معاملتهم بالمثل: فإن أساؤوا عوقبوا، وإن أحسنوا أُحسن إليهم.



العدل عند الخصومة

في الخصومة يبان معدن الناس، فمن أشدّ الأخلاق على المسلم أن يكون منصفًا في الخصومة، ويعني بذلك أن يختلف المسلم مع أخيه ويبقى الحبل بينهما متينًا، ومن تلك الصور:[٢٢]

  • ألّا يفجر أحدهما: وتلك من آيات المنافق التي قد حذّر منها النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك بأنّ المسلم إذا خاصم أخيه فإنّه يفضح أسراره، وهذا أمرٌ منهيّ عنه.
  • عدم الظلم: فقد يكون لأحدهما مصلحة عند الآخر فيظلمه حقّه للخصومة بينهما.
  • أن يضع أحدهما نفسه مكان الآخر: فيتصرّف على هذا الأساس فسوف يجد نفسه منصفًا لا محالة.



العدل بين المعلم وطلبته

العلاقة بين المعلم وتلامذته من أكثر العلاقات حساسية في الحياة، والمقصود بالعدل بين المعلم وطلبته هو أن تكون العلاقة بينهما قائمة على أساس العدل لا غيره، ومن صور هذا العدل:[٢٣]

  • مخاطبتهم جميعًا بخطاب واحد.
  • عدم التمييز بينهم وإثارة التفرقة بين صفوفهم.
  • إعطاء الجميع أكثر من فرصة إن أخطؤوا وألّا يميّز في ذلك بين طالب مجتهد وطالب مقصّر.
  • إعطائهم جميعًا الدرجة التي يستحقونها.



عدل الزوج بين الأم والزوجة

إنّ العلاقة بين الزوجة والحماة قديمة جدًّا، والعدل بينهما من قبل الزوج يكون من خلال الإنصاف وعدم طغيان إحداهما على الأخرى، ومن صور هذا العدل:[٢٤]

  • التزام طاعة الوالدة من غير أن يظلم الزوجة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
  • معاملة الزوجة بإحسان وعدم إجابة الوالدة بظلمها.
  • أن يعامل كل واحدة منهما بالحسنى وألّا يظلم إحداهما على حساب الأخرى.

المراجع[+]

  1. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 430. بتصرّف.
  2. البركتي، التعريفات الفقهية، صفحة 144. بتصرّف.
  3. الشريف الجرجاني، التعريفات، صفحة 147. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث صالح السدلان، وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في كل عصر، صفحة 157 - 160. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:143
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عروة بن الزبير، الصفحة أو الرقم:4304، حديث صحيح.
  7. سورة النساء، آية:58
  8. صالح السدلان، وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في كل عصر، صفحة 113. بتصرّف.
  9. سورة النحل، آية:126
  10. أبو البركات النسفي، تفسير النسفي _ مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 242. بتصرّف.
  11. سورة الشورى، آية:40
  12. أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري _ جامع البيان، صفحة 524. بتصرّف.
  13. سورة النبأ، آية:21 - 26
  14. سورة النبأ، آية:26
  15. أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري _ جامع البيان، صفحة 415. بتصرّف.
  16. سورة الانبياء، آية:101 - 103
  17. أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري _ جامع البيان، صفحة 166. بتصرّف.
  18. فايز أبو شيخة، روائع من العدل الإسلامي، الأردن:دار المناهج، صفحة 5. بتصرّف.
  19. محمد صالح المنجد، دين ودنيا _ حقوق الأبناء على الآباء، صفحة 1 - 10. بتصرّف.
  20. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 384 - 386. بتصرّف.
  21. فايز أبو شيخة، روائع من العدل الإسلامي، الأردن:دار المناهج، صفحة 7 - 11. بتصرّف.
  22. محمد بن إبراهيم الحمد، سوء الخلق، صفحة 130 - 135. بتصرّف.
  23. مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح _ 1، صفحة 1. بتصرّف.
  24. ابن باز، فتاوى ابن باز بعناية الشويعر، صفحة 269 - 270، جزء 21. بتصرّف.