خواطر عن رمضان

خواطر عن رمضان
خواطر عن رمضان

رمضان، نِعمَ الزائر!

حلّت البركات، وزالت الظلمات، ورُفعت الكربات باقتراب حلول شهر الرحمة والخيرات، شهر رمضان الكريم، شهر الصيام والطاعة والعبادة والتقرب إلى الله جلّ جلاله.

رمضان، نعم الزائر! وطوبى لمن أحسن استقباله، والفلاح لمن شمّر عن أكمامه واستعدّ لاستقبال خير الأشهر عند الله، شهر تُكفّر فيه الذنوب، وتُفتح أبواب الجنان، هو شهر الرحمة والغفران، أكرمنا به الله ذو الطّول والإنعام. قيل عن شهر رمضان:[١]

رَمَضَانُ أقبَلَ يا أولي الألباب

فاستقبلوهُ بعدَ طول غياب

عامٌ مضى من عُمْرنا في غفلةٍ

فتنبَّهوا فالعمرُ ظلُّ سَحاب

وتهيّؤوا لتصبُّر ومشقةٍ

فأجورُ مَن صَبروا بغير حسابِ


قد أفلح من زكّا نفسه في شهر رمضان، فأكثر من العمل الصالح، وجاهد نفسه في العبادة والصيام، وعندها سيكون قد سقى تربة قلبه ورعاها حق الرعاية، ليثمر في سائر أيام السنة خيرًا وصلاحًا وحبًا وسرورًا ورضًا من الله تعالى وبركات تحل عليه وعلى أهله وعائلته، فأهلًا برمضان شهر الغرس والسُّقيا.

يأتي شهر رمضان ضيفًا خفيفًا لطيفًا، تقوى بقدومه العزائم وتُشحذ الهمم، وتُجهّز القلوب لاستقباله والتفرّغ للعبادة فيه، فيه نبع من الحسنات، وفيض من البركات، فلا أبعد الله حبور هذا الشهر وسروره عن قلب مؤمن، ولا حرم لذة التّعبد فيه فؤادًا متيقّنًا بعظمة الله وكبير مغفرته وعفوه.


أعدّوا العدة لاستقبال شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران، فيه تُصفّد الشياطين وتُفتح أبواب الجنان، اغتنموا فتح باب الجنة وسارعوا للفوز بها وبرضا الله جل جلاله، فلا تتوانَوا عن عمل صالح، ولا عن خير تقدمونه، ولا عن كلمة طيبة تقولونها، فرُبَّ بذرة طيبة تُوضع في أرض يباب فتجعلها جنة غناء ومتعة للناظرين، فلا تستهينوا بأصغر الأعمال الصالحة لأنها عظيمة عند رب العباد، وأجرها كبير في شهر رمضان الضيف الكريم، والزائر الشريف.


ننتظر هلال رمضان ليلوح لأبصارنا في السماء، وما إن تُطل أنواره وهو يتباهي في علياء السماء مبشرًا بحلول أفضل الشهور على البشر، حتى تفرح القلوب وتشرئب النفوس، ويهلل الأولاد والشبان مستبشرين الخير والسعادة ورضا الله بحلول هذا الضيف، ولسان حال الهلال في السماء يقول: كونوا أهلًا لاستقبال هذا الضيف الكريم، فأنتم من السعداء أن زاركم شهر رمضان، اغتنموا كل ثانية فيه ولا تقصّروا في إكرامه.


بركات شهر رمضان تعم الأرجاء، تنتشر في كل مكان، فيه السكينة والطمأنينة، وفيه العطاء والسخاء، فيه ينسى الناس خصوماتهم، ويبتعدون عن مشاكلهم، وتحل مكانها العلاقات الطيبة، والكلمة الصادقة الحسنة، فيكون سبيلًا لإزالة الخصومات، وفض النزاعات، ويهذّب بصيامه وعباداته وبركاته نفوس البشر، ويفتح بصيرتهم ليروا الصواب والحق المبين، فهنيئًا للمسلمين بهذا الزائر الكريم.


فلنتهيأ ولنتجهز لنستقبل شهر الخير والغفران، فكما ننظف منازلنا وثيابنا لا بد من تنقية قلوبنا، وتصفية عقولنا، والاستغفار لما فات، لنستقبل ضيفنا بأبهى حلة، وأنقى قلب، وأطيب عطر، هذا ما يليق بشهر رمضان، فلنتجهز له، ولنحسن استقباله، فلنعم الضيف هو! ويا حبذا لو كان زائرًا تطول زيارته أكثر فننال من بركاته وخيراته.

مائدة رمضان واجتماع العائلة

يحلو صيام رمضان باجتماع العائلة على مائدة الإفطار، فتُتوج الأعمال الصالحة خلال النهار بصلة الرحم، والتقارب الاجتماعي، وإطعام الطعام، وهذا كله له أجر عند رب العالمين، وفيه من الود والرحمة والبركة ما يجعل شهر رمضان أبهى، والعبادة فيه أرقى، والتقرب إلى رب العباد خير وأبقى.


أكرم بأخلاق المسلمين في شهر رمضان وهم يرسلون وجبات من موائد الإفطار لجيرانهم وأقاربهم، ويتبادلون الأطباق، ويعبرون عن فرحهم بشهر رمضان، فتتناثر منهم الخيرات والعطاءات كتناثر قطرات الندى على ورود الصباح، وبهذا تشرئب الحياة، وتتباهى بهذا الخير العميم، والصلاح المقيم بين الناس.


تتطاول فروع العمل الصالح في شهر رمضان مطاولة عنان السماء، ومن الأعمال الصالحة إطعام الطعام، فما أكثر العائلات التي تجتمع على مائدة رمضان تهنئ بعضها البعض بصيام الشهر، ولا يهنأ لها بال إذا لم ترسل من طعام مائدتها للفقراء والمساكين الذين حالت ظروف الحياة القاسية دون حصولهم على قوت يومهم، فيشاركونهم فرحة صيام شهر رمضان بهذا العمل الصالح، ولهم الأجر الجزيل عند رب العالمين.


كثيرة هي اجتماعات العائلات على مائدة واحدة، لكن يبقى الاجتماع في شهر رمضان له وقعه الخاص، وأثره الكبير في النفوس، فيه شعور بالوحدة والتآلف، فيه التساوي بين الجميع، الكل جائع والكل يريد الطعام، الكل صائم، والكل يريد الثواب، وهنا تحصل المساواة بين البشر، ويشعرون بوحدة حالهم، ومدى تقاربهم من بعضهم البعض.


احرصوا أن تكون موائد رمضان متواضعة، فشهر رمضان شهر العطاء وشهر الخير لا شهر الأكل والشرب، شهر الجود والإحسان لا شهر الترف والتبذير، فطوبى لمن كان معتدلًا في طعامه وشرابه، وطوبى لمن كانت مائدته بسيطة متواضعة تراعي مشاعر المساكين وتحس بإحساسهم.


جميل اجتماع العائلة في رمضان، إلا أن الخوف أن يتحول هذا الاجتماع إلى ما يبطل الصيام، فرب عائلة اجتمعت وكل واحد فيها يقوّي صيام الآخر ويحثّه على الذكر والعبادة والصلاة والاستغفار ليكون له من صيامه كل الأجر، وتعسَتْ عائلة لمن يكن لها من صيامها إلا الجوع والعطش، وكان اجتماعها مملوءًا بالغيبة والنميمية والتأفف من الآخرين بحجة التعب من الصيام.


يحلو اجتماع العائلة على المائدة الرمضانية بالتعاون، فالكل يتعاون ويقدم المساعدة حتى تتم الأعمال بسرعة، ولا يضيع وقت البعض في إعداد الطعام والتنظيف فيخسر ساعات العبادة بعد الإفطار، وتضيع عليه بركة الصلاة، فالتعاون والمساعدة أيضًا من الأعمال التي لها أجر عظيم عند الله تعالى، فاغتنموا كل عمل خير في رمضان لتنالوا الأجر والثواب.


ما أبهى اجتماعات المائدة الرمضانية والتي يليها اجتماع لذكر الله، وتحضير لصلاة التراويح، تلك الاجتماعات المثمرة، فيها ذكر وطاعة وتقرّب لله جل جلاله، فمثلها كمثل نجم ساطع في ليلة كالحة ينير من بعيد ويُشار إليه بالبنان.

ها نحن نفوز بليالي العشر الأواخر

قال عبد الملك الخديدي عن شهر رمضان:[٢]

فَأَوَّلُ الشَّهْرِ قَـدْ أفْضَى بِمَغْفِـرَةٍ

بِئسَ الخَلاَئقِ إنْ لَمْ تَلْقَ غُفْرَانَا

وَنِصْفهُ رَحْمَةٌ للْخَلْقِ يَنْشُرُهَا

رَبُّ رَحِيْمٌ عَلَى مَنْ صَامَ حُسْبَانَا

وَآخِرُ الشَّهْرِ عِتْقٌ مِنْ لَهَائِبهَا

سَوْدَاءُ مَا وَفَّرَتْ إنْسًا وَشَيْطَانَا

نَعُوذُ باللهِ مِـنْ أعْتَابِ مَدْخَلِهَا

سُكْنَى لِمَنْ حَاقَ بالإسْلاَمِ عُدْوَانَا


شهر رمضان شهر الرحمة والغفران، هو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وعتق من النيران في آخره، هذه هي أيام شهر رمضان تتوالى، وتركض سراعًا، تمر مرّ السحاب في حياتنا، فلا حبذا أن تضيع سدى، وأن تبقى نفوسنا كما كانت قبل مجيئ هذا الشهر الفضيل.


انثروا الطيب في كل مكان ازرعوا الخير في قلوبكم وقلوب من حولكم، اغتنموا العشر الأخيرة من رمضان، فها هو يلوح بيده قائلًا: اغتنموا ما تبقى قبل أن يفوت الأوان، هي عشر تُعتقون فيها من النيران، وتنالون من الله العفو والرضوان، فسارعوا ولا تتراجعوا، رحمة الله وسعت كل شيء، أبوابه مفتحة تنتظر قدومكم ودعاءكم فلا تضعفوا ولا تستكينوا، بل اشحذوا هممكم لتكونوا من أهل الفلاح.


استعينوا على ما تبقى من رمضان بقوة يقينكم وإيمانكم بعظيم فضل هذه الأيام، اسعوا إلى المساجد، هلموا إلى بيوت الله، تعاونوا على البر والتقوى، فأنتم الفقراء إلى الله وهو الغني عنكم، هي عشر أيام فيها خير يعم قلوبكم طوال العام، تودعون فيها الزائر الكريم، والضيف العزيز، وترجون عودته قريبًا، تَغْرورق عيونكم بالدموع حزنًا لفراقه، كما تدمع عين الوليد لفراق أمه، وذلك لما استشعرتموه من خير وبركة في هذه الأيام الفضيلة.


رمضان! يا شهر الخير والرحمة، ها قد مضى منك الكثير وبقي القليل، فأعطنا نقتبس من نور خيرك وبركتك، لا تتركنا قبل أن تغيّر نفوسنا، وتنقّي قلوبنا وتشرح صدورنا، ازرع فينا بذو رخيرك، واسقنا بماء برَكَتك، لنثمر محبة وإيمانًا وطاعة على مر العام، فلا سُقيا كسقياك، ولا راحة إلا عند لُقياك.


لا بد من الرحيل، لكن الرجاء ألا يرحل رمضان بأيامه العشر الأخيرة وإلا وقد أُعتقت رقاب المسلمين من النيران، ونالوا من الخيرات والبركات ما يمكنهم من متابعة حياتهم ومواجهة الصعوبات والعثرات للعلم المقبل، فهي أيام معدودات يعيد فيها الإنسان هيكلة حياته وأفكاره ومعاملاته وعلاقاته وسلوكه وتصرفاته، فطوبى لمن كان رمضان في قلبه وعقله وترك أثرًا طيبًا فيه.


كلما رحل رمضان سيأتي يوم ويرحل كل إنسان، فحبذا لو يكون في الرحيل عبرة، وأن يرتقي الإنسان بقلبه وعقله ليبتعد عن الخصومات والمشاجرات، وأن يتحلى بأخلاق فضيلة يسبغها عليه شهر رمضان، فالبطولة أن تبقى هذه الأخلاق بعد شهر رمضان، وتصبح خصالًا ثابتة في كل إنسان، عندها ستكون بذور رمضان والعناية بها قد آتت أُكلها حقًا.



لقراءة المزيد من الخواطر، اخترنا لك هذا المقال: كلمات عن رمضان المبارك.

المراجع[+]

  1. "رمضان أقبَل (بطاقة أدبية)"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 15/02/2021م.
  2. "قصيدة عن رمضان المبارك"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 15/02/2021م. بتصرّف.