محتويات
تجهّز الروم لقتال المسلمين
استاء الرّوم من انتصارات المسلمين المتلاحقة في شبه الجزيرة العربية وتوحّدهم بقيادة قائد واحد على عقيدة واحدة، وكانت الدولة الوليدة تشكّل خطرًا كبيرًا مُحتملًا على بقاء دولة الرّوم، مما أشعل حنقهم على المسلمين، فجهّزوا جيشًا عظيمًا[١] ويروى أنّ هرقل جعل في الجيش مؤونة عام، ثمّ تحالف مع لخم، وجذام، وغسان، وعاملة، فساروا جميعًا حتّى وصلوا البلقاء وعسكروا فيها، وكان أخوفَ عدوّ على المسلمين الرّوم، ذاك أنّ المسلمين كانوا يرون حلّة تجّار الرّوم وأسلحتهم التي تفوق العربيّة.[٢]
قرار النبي بمواجهة الروم
لمّا وصل النّبيَّ نبأ تجمُّعُ الرّوم وحلفائهم لقتاله استنفر أصحابه للجهاد، واستنهض عزائمهم لملاقاة الأعداء،[٣] فأرسل رسلًا من الصّحابة يُعلمون المسلمين بأمر حرب الرّوم، ويطلبون منهم النّصرة،[٢] وكان ذلك في زمنٍ صعب على المسلمين إذ كان حرّ الصّيف شديدًا، وكان المسلمون يعانون من قحط وجدب أصاب الأرض، وكان الوقت وقت حصاد ثمار المدينة وكانت النّفوس تتوق لقطف الثّمار والتنعّم بظلال الأشجار.[٣]
ولكن كان لا بدّ من الغزو؛ فأخبر النّبيّ المسمين بأنّ وقت الغزو قد آن، ثمّ ذكر لهم أنّه يريد غزو الرّوم وكان قلّما يذكر اسم المكان الذي يريد الذهاب إليه عند الغزو، لكنّه آثر أن يصرّح باسم المكان الذي سيذهب إليه في هذا الغزوة لأجل أن يأخذوا حذرهم وأن يجهّزوا أنفسهم وعدّتهم بما يناسب هذه الطريق الطويلة، وبما يوائم عُدّة الروم وعتادهم.[٣]
استثارة المسلمين للجهاد
حضّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين على الجهاد في سبيل الله، وأمرهم بالخروج إلى ملاقاة عدوّهم، وذكّرهم بأهميّة الجهاد وأجره، ونادى أهل المال لكي يتصدّقوا، فجاء الصّحابة كلّ بما يستطيع؛ فكان الصّدّيق أبو بكرٍ -رضي الله عنه- أسبقهم، فجاء بأربعة آلاف درهم لا يملك غيرها فوضعها بين يدي النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وجاء عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- فوضع نصف ماله، وكذلك فقد تصدّق محمّد بن مسلمة وسعد بن عبادة.[٤]
وجاء عبد الرحمن بن عوف مالًا إلى النّبيّ يتصدّق به، وتصدّق عاصم بن عديّ بتمرعنده، أمّا عثمان بن عفّان -رضي الله عن عثمان- فلقد تكفّل بتجهيز ثُلُث الجيش وحده، حيث دفع إلى النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بألف دينار، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "ما ضَرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ"[٥] وكان هذا المشهد كافيًا لتحفيز النّاس على الصّدقة وبذل كل غال ونفيس في سبيل تجهيز الجيش، حتّى أنّ النّساء كُنّ يبذلن قصارى جهدهنّ فيما يملكن من مال.[٤]
خروج المسلمين للقتال
أبقى النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- محمّد بن مسلمة على المدينة حال خروج الجيش، واستخلف عبدالله بن أمّ مكتوم ليصلّي في النّاس، وأمر علي بن أبي طالب بأن يخلف النّبيّ في الصّبيان والنّساء ويكون في حاجاتهم، ثمّ عقل الألوية، فأعطى اللواء الأعظم لأبي بكر الصّدّيق، وأعطى كلّ قوم رايتهم ثمّ انطلق إلى طريقه فبينما هم سائرون إذ يتلوه رجلٌ من بعيد، فيقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم-: "كن أبا خيثمة" فيكون أبو خيثمة، ثمّ يمضون في طريقهم فيلوح لهم آخر سائرًا على قدميه، فيقول النّبيّ -صلّى اله عليه وسلّم-: "كن أبا ذرّ" فلمّا يقترب يكون هو أبو ذرّ.[٦]
تخلّف المنافقين
لمّا أحسّ المنافقون بطول الطّريق إلى الغزو، وبقوّة الرّوم مقابل المسلمين، آثروا البقاء في المدينة وإيجاد أعذار لذلك خوفًا من ملاقات الأعداء، فجاؤو للنّبيّ-صلّى الله عليه وسلّم- وطلبوا منه التّخلّف عن الغزو؛ فأذن لهم النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكانوا بضعةً وثمانون رجلًا، ولكن سرعان ما ظهر نفاقهم عيانًا لمّا أنزل الله فيهم آياتٍ من كتابه.[٧]
ومن المنافقين من عسكر مع عبد الله بن أبي بن سلول في منطقة اسمها ثنية الوداع، ثمّ تخلّف مع من معه عن الغزو.[٧] ولكنّ بعض المتخلّفين لم يكن من المنافقين، إنّما تخلّف عن الغزو لكسل كان فيه ومنهم: كعب بن مالك، وهلال بن ربيع، ومرارة بن الربيع.[٧]
النزول إلى أرض ثمود
ظلّ النّبيّ يسري في جيشه حتّى وصلوا ديار ثمود فنزل النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قريبًا منها مع عجلة كانت ظاهرة عليه، فشرب القوم من بئر كان في منازل ثمود، فلمّا علم النّبيّ بذلك أمرهم بأن يسكبوا الماء وأن يطرحوا العجين وقال: "لا تَدْخُلُوا مَساكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ، إلَّا أنْ تَكُونُوا باكِينَ، أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصابَهُمْ"[٨][٩]
دعاء النبي في مأكل ومشرب الجيش
ولقد زاد العطش في الصّحابة حتّى إنّهم كانوا ليعصرون فرث البعير ليشربوا ما فيه لشدّة العطش، فحدّث أبو بكر النّبيّ أن يدعو الله ليسقيهم الماء، فدعا النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الله لهم بسقيا، فأرسل الله -سبحانه- سحابةً أمطرت ماءً عليهم فشربوا منها وملأوا ما كان معهم.[١٠]
وقد حصل فيهم جوع عظيم حتّى كادوا لينحروا ما يركبون عليه، ومن ذلك أنّهم ذهبوا إلى النّبي فاستأذنوه بأن ينحروها فأذن لهم؛ فجاءه عمر ابن الخطّاب -رضي الله عنه- فقال: "يا رسول الله! إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك" فقال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نعم، ثمّ أمر النّبيّ بقطعة من جلد فأُتي بها، ثمّ أمر المسلمين أن يأتوا بما لديهم مما بقي من طعام، فأتوا إليه ووضع كلّ ما كان يملك، ثمّ دعا الله أن يبارك لهم في طعامهم ثم حدّثهم أن خذوا، فأتوا وأخذوا حتّى لم يبق وعاء في الجيش لم يمتلئ طعامًا![١١]
محاولة المنافقين قتل النبي
وفي طريق النّبيّ وهو عائد مع الجيش إلى المدينة مكر رجال من المنافقين بلغوا قرابة خمسة عشر رجلًا بالنّبيّ وأرادوا غدره -صلّى الله عليه وسلّم- ولكن الله سلّم رسوله -صلى الله عليه وسلم- منهم، فبينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير ومعه حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، إذ جاءهم جماعة من المنافقين متلثمون على الرواحل، غشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عمار يضرب الإبل التي يركب عليها مع رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة: "قد، قد" ثمّ هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.[١٢]
فلما هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل ورجع عمار، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا عمار، هل عرفت القوم؟ ".[١٢] فقال: قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون، قال -صلى الله عليه وسلم-: "هل تدري ما أرادوا؟ "، قال عمار: الله ورسول أعلم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أرادوا أن ينفروا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطرحوه".[١٢]
خطبة النبي في تبوك
لمّا أنعم الله على نبيّه في تبوك ووجد الروم قد فرّوا وتفرّقوا، خطب في أصحابه فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: "ما في الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه ليجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرورالناس، ومثل رجل باد في غنمه يقري ضيفه، ويؤدي حقه".[١٣]
وقيل: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب خطبة طويلة في تبوك، قال فيها: "أيها الناس، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عوازمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدي ما اتبع، وشر العمى عمى القلب. . . إلخ"[١٣]
هروب جيش الروم
ظلّ النّبيّ -صلّ الله عليه وسلّم- يسير بجيشٍ كان قوامه ثلاثين ألف مقاتل وعشرة آلاف فرس، فلمّا وصل تبوك لم يجد بها أحدًا، فظلّ معسكرًا بها عشرين ليلةً ولم يجد قتالًا،[٧] وكان يرسل السّرايا إلى القبائل على أطراف الشّام، وقد أرسل رسالة إلى هرقل عظيم الرّوم مع الصّحابيّ دحية الكلبي يدعوه بها إلى ثلاثة أمور، الأمر الأوّل هو أن يدخل في الإسلام، والأمر الثاني هو دفع الجزية، والأمر الثّالث هو أن يجمع جنده ويأتي لحرب المسلمين.[١٤]
فلمّا وصلت الرّسالة هرقل جمع قسيسي الروم وبطارقتها في مجلسه، ثم أغلق عليه وعليهم بابًا، فقال: "قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال: يدعوني إلى أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا، والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب". ثم قال هرقل: "والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي، فهلم نتبعه على دينه، أو نعطيه مالنا من أرضنا،[١٥] فاستغربوا كلامه، وقالوا: "تدعونا إلى أن ندع النصرانية، أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز؟!" فلما أدرك أنهم إن خرجوا من عنده، أفسدوا عليه شعبه قال: "إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم".[١٤]
كما يمكنك التعرّف على كل ما يتعلق بغزوة تبوك بالاطلاع على هذا المقال: بحث عن غزوة تبوك
وكما يمكنك معرفة السبب الحقيقي التي قامت الحرب من أجله بالاطلاع على هذا المقال: سبب غزوة تبوك
كما يمكنك قراءة المزيد حول النتائج التي أسفرت عنها غزوة تبوك بالاطلاع على هذا المقال: نتائح غزوة تبوك
المراجع[+]
- ↑ أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، صفحة 618. بتصرّف.
- ^ أ ب محمّد الواقدي، مغازي الواقدي، صفحة 990. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عبد الملك بن هشام، سيرة ابن هشام ت السقا، صفحة 516. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الواقدي، مغازي الواقدي، صفحة 991. بتصرّف.
- ↑ رواه محمد المناوي، في تخريج أحاديث المصابيح، عن عبدالرحمن بن سمرة، الصفحة أو الرقم:5/283، رجاله موثقون .
- ↑ موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 303. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ابن سعد، الطبقات الكبرى ط العلمية، صفحة 125. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3381، صحيح.
- ↑ ابن كثير، السيرة النبوية لابن كثير، صفحة 18. بتصرّف.
- ↑ حسن مشاط، إنارة الدجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 744. بتصرّف.
- ↑ موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 310. بتصرّف.
- ^ أ ب ت موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 343. بتصرّف.
- ^ أ ب موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 322. بتصرّف.
- ^ أ ب موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 336. بتصرّف.
- ↑ موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 335. بتصرّف.