محتويات
مكانة المرأة في العصر الجاهلي
كيف شاركت المرأة بالحروب في العصر الجاهلي؟
شكّلت المرأة في الوسط الجاهلي الصحراوي الدور المهم في القيام بالكثير من المهام، حيث إنّها كانت خير أنيس للرجل الذي لم تمنعه بداوته من بذل العشق لها، والتغزل بها وبجمالها، فظهرت في الشعر العربي، إذ كان لها المكانة البارزة في معلقات الشعراء، كما لها دور مهم في الحياة السياسيّة، إذ نقلت المصادر أن مكانة المرأة لم تكن قليلة في كل الجهات، بل هي ارتفعت وتسلمت الحكم، فكان لها القيادة الفعلية، فهي عنصر أساسي بين القبائل، فشاركت في الأحلاف، إضافة إلى أن بعض الرجال كانوا يستجيرون إليها من أجل حمايتهم والدفاع عنهم[١]، وبذلك فقد كانت المرأة الجاهلية بوجه عام قادرة على القرار وعلى المشاركة في الحياة، دون أن تُمنع من حقوقها وحرياتها.[٢]
من الأدلة الواردة على عظمة المرأة وشجاعتها هي دورها البارز في الحياة العسكرية، ومشاركتها في التحريض على القتال وإثارة الهمم، إذ شاركت في الحروب فكانت تداوي الجرحى، وتسقي المقاتلين وتعتني بهم، كما أنّها في بعض الأحيان كانت تقود الجيش للحرب مثل القائدة رقاش، والتي يعود أصلها إلى قبيلة طيء، أما عن الحياة الدينية الجاهلية فقد تجّلى دورها بأن كانت ترمز للعبادة، [١] إذ كان الرجل الجاهلي يُقدس النخلة؛ وذلك لاعتبارِها رمزًا يدل على الأنوثة والخصوبة، إضافة إلى كون المرأة عابدة فقد كانت تطوف مع الرجال حول الكعبة، أما عن كونها معبودة فقد شغلت حيزًا في الفكر الديني الجاهلي، ومن الأمثلة على الآلهات اللإناث في الجاهلية هي اللات.[٣]
شكّلت آلهة اللات مكانة المرأة الدينية في العصر الجاهلي، إذ قدّسوها وعبدوها فكانت من كبيرات آلهتهم، إضافة إلى آلهات أخرى كانت على هيئة المرأة، أما عن الحياة الاقتصادية في العصر الجاهلي، فقد عملت المرأة بكافة الميادين؛ كالزراعة والرعي والمشاركة في الحراثة، كما شاركت في الحياة الصناعية فغزلت الصوف، ودبغت الجلود، وأسهمت في صناعة الأسلحة كالرماح، ومن المهن الجاهلية التي اتخذتها المرأة هي النياحة على الأموات، ومن ثم فقد كانت المرأة الجاهلية على معرفة تامة بطرق التعامل التجاري، إذ إنّها شاركت بالتجارة، كما شاركت بالغناء والشعر، فالبعض منهن شكلوا الشهرة التي تجاوزت الشعراء في عصرهم أمثال الخنساء، والتي اشتهرت بغرض الرثاء والفخر بقبيلتها.[٤]
زواج المرأة في العصر الجاهلي
كيف مُنعت المرأة من الزّواج في العصر الجاهلي؟
تُعد الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي من الجوانب التي تنال أهمية كبيرة، إذ كانت الأسرة تُشكّل أساس القبيلة وتعاليمها، وكل فرد كان يُنسب إلى أسرته، وكل أسرة تعتز بأصلها، وتحاول بعدم خلط الأنساب بعشائر أقل منها، وكان ذلك المعيار للزواج في العصر الجاهلي، أما عن آلية الزواج فإن ما كان سائدًا آنذاك هو ما يشيع فيما بعده من عصور، أي هو الزواج الشرعي، كما كانت مكانة المرأة وزواجها يعتمد على عشيرتها وأصل قبيلتها، إذ كان سائدًا ما يسمى بالزواج من داخل الجماعة، وهو الزواج من بناء الأسرة والعائلة، إذ يرون عدة أسباب بذلك، وهي شدّ روابط الأسرة، والمحافظة على إرثها وتقاليدها وأصلها.[٥]
مُنِعَت المرأة في العصر الجاهلي من الزواج برجل أعجميّ، إذ أجبرت على الزواج بمَن هو قريب عشريتها وداخل قبيلتها، كما كان يُمنع زواج المرأة بمن هو أدنى مكانة من عائلتها، وهنا فقد كان يُراعى التكافؤ بالزواج، وفي إتمام النكاح فقد كانت المرأة تقبل بحق زوجها بأكثر من واحدة، كما تمتعت المرأة بحقها في اختيار زوجها من داخل القبيلة، فلم تكن تُجبر على زوج غير مرغوب به، إذ كان يؤخذ رأيها في زواجها، وفي بعض الأحيان كانت تُزوج نفسها بنفسها، دون الحاجة إلى تدخل ولي أمرها، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت بعض العائلات بالجاهلية تُجبر فتياتها على الزواج، إذ كانت المرأة تُزوج دون رغبتها وهي في عمر صغير، وكان ذلك لا يقلل من مكانتها، لأن الغالبية تتبع هذه التقاليد وتجدها بأنها عادة موروثة.[٦]
طلاق المرأة في العصر الجاهلي
ما هو طلاق المرأة اليثربية؟
كان الطلاق جائزًا في العصر الجاهلي، إذ كان الرجل يُطلق زوجته ثلاثًا على التفرقة، بيد أن باحثي الأدب أشاروا إلى أن حقّ الطلاق كان مخصّصًًا للرجل فقط دون المرأة، إذ سُلب رأي المرأة في طلاقها، ولكن بعض الأدباء أشاروا إلى امتلاك المرأة حق الطلاق من زوجها ولكن بوجود سبب تراه مناسبًا لذلك، كما تشير بعض الدراسات إلى أن حق المرأة في الطلاق كان يعود بناء على المكان الاجتماعية الطبقية للمرأة، ولذلك كان هناك تمايز في طلاق المرأة دون غيرها، كما كان هناك طلاق من نوع خاص وهو ما يسمى بالمرأة اليثربية، والذي يُقصد به حصول المرأة على حق الطلاق متى شاءت من خلال اشتراط ذلك على زوجها قبل الزواج، فلا يحق للرجل رفض هذا الحق فيما بعد.[٧]
انقسم الطلاق في الجاهلية إلى ثلاث على التفرقة، إذ كان من حقّ الرجل مراجعة زوجته في الطلاقين الأول والثاني، أما في الطلاق الثالث فهو يعد بائنًا، ولكي يعود الرجل لزوجته يُشترط أن يعود لخطبتها من جديد دون شروط زواجها من آخر، ولكن بمهر جديد وشروط جديدة، أما آلية طلاق المرأة فقد كان يقع باللفظ فقط، دون التوثيق بعقود، وذلك بسبب انتشار الأمية، كما كانت هناك ألفاظ كثيرة تُشير إلى طلاق الرجل لزوجته، ومنها أن يقول: فارقتك، أو الحقي بأهلك، أو حبلك على غاربك، وغيرها من الكلمات التي كانت كناية عن طلاق المرأة وفراق زوجها لها.[٨]
أما عن عدة المرأة المطلقة بعد طلاقها، فلم تكن واضحة في الجاهلية، ولكن أغلبهم كانوا يعتمدون على أن تحيض المرأة مرة واحدة، وبعد ذلك يُثبت عدم حملها، فيحق لها الزواج من رجل آخر، ومع أن الطلاق في الجاهلية كان يعد من حقوق الرجل دون المرأة ، إلا أن بعض الشعوب والقبائل رفضت ذلك، ومنهم أشراف قريش والعرب، فقد كانوا يشترطون على الرجل أن يكون الطلاق بيد المرأة، إذ تستطيع المرأة أن تطلق زوجها متى شعرت أنه يهينها، أو يكرهها، كما كانوا يضعون عادات معينة تدل على طلاق المرأة لزوجها، كأن تُحوّل الخباء في بيت الشعر، فإن كان بابه يتجه قبل المشرق، عكسته وجعلته قبل المغرب، فإذا رأى الرجل ذلك علِم أن زوجته قد طلقته وفارقته.[٨]
إرث المرأة في العصر الجاهلي
ما هي ظاهرة توريث النساء؟
اتفق مجموعة من المفكرين والأدباء من خلال البحث في العصر الجاهلي بأنّ المرأة كانت محرومة من حقها في الإرث، إذ بقيت المرأة في ذلك تحت ظلم كبير، ولكن البعض منهم أشار إلى أنّ إرث المرأة يعتمد على قبيلتها ومكانتها، وباختلاف البيئات والعادات، فمثلًا عندما تزوج رسول الله من السيدة خديجة بنت خويلد، كانت المرأة تاجرة ووارثة لأموال أزواجها السابقين، وقد ورد بأنها كانت غنية قبل ميلادها، أي أن نسبها في قبيلتها أورثها ذلك، وذلك ينفي التعميم بأن المرأة لم ترث في العصر الجاهلي، إذ كان يختلف إرث المرأة تبعًا للمجتمع التي تعيش فيه وللمكانة الاجتماعية والطبقية لها.[٩]
برز في العصر الجاهلي نوع جديد من الإرث، وذلك من ظواهر إرث المرأة آنذاك، وهي ظاهرة توريث النساء، والمقصود به أن يتزوج الابن زوجة أبيه بعد وفاته فيرثها منه، ويتزوجها دون مهر أو عقد، وإذا كان الابن غير راغب بزوجة أبيه، فهي تعد من أملاكه، أي يحق له أن يزوجها زوجًا غيره، فيقبض مهرها باعتبارها من ممتلكاته الموروثة، وأنها إرث له، والمرأة في ذلك لا يحق لها أن تعترض عن هذا التملك من قبل وارثها الجديد، كما أنه إذا كان ابن المتوفي هو طفل صغير، فإن المرأة مشروط عليها أن تنتظره حتى يكبر، فيأخذ القرار بشأنها، وهذا القرار يعود إلى الزواج منها أو تزويجها، أو تركها والانفصال عنها، ويُعد هذا النوع من الإرث منتشرًا في مدينة يثرب أكثر من غيرها.[٩]
وأد البنات في العصر الجاهلي
كيف تعددت أشكال ومجريات وأد البنات في العصر الجاهلي؟
ظُلمت المرأة في تاريخ العصر الجاهلي، وذلك حين استُقبلت الأنثى بتجهُّم، وحُرمت من حقوقها دون أدنى اكتراث، إذ لجأ بعض الأفراد إلى وأد الطفلة حين تولد، وهو تصرف وحشي وفاحش انتشر في العصر الجاهلي بكثرة[١٠]، وكان وأد البنات لأحد الأمرين الأول بسبب العار، والآخر بسبب الفقر، وبقي الوأد جاريًا عند العرب مدة طويلة حتى قام زيد بن عمرو الأنصاري وصعصعة بن ناجية جد الفرزدق فنهوا ذلك، إذ بدأوا يطوفون في القبائل لشراء الموؤدة بناقتين وجمل، فيشتري حياتها وكرامتها، لا رقِّها وإهانتها.[١١]
في النّظر إلى هذا الفِعل، كان الوالد إذا أدركَتْه الشّفقة قبل أن يدفنَ ابنته يخفيها عن الناس، لئلا يفطن لوجودها أحد، وفي ذلك الفعل فلم يكن العرب بأكلمهم يحبون ذلك، إذ كان البعض من العرب يحبون بناتهم، ويسعون إلى إكرامهن دون الخوف من الفضيحة بين القبائل، أو ثقل في العناية والتربية، ومن الأسباب الدينية التي ظهرت لوأد البنات أن البعض في الجاهلية اعتقدوا أن الملائكة هي بنات الله، فكانوا يقولون ألحقوا الفتيات به، كما تعددت مجريات وأد البنات، فإن كانت صغيرة دُفنت حيّة، وإن كانت كبيرة، أُلقيت في بئر لتموت غرقًا، أو تلقى من أعلى جبل شاهق فيتمزق جسدها ثم تموت، واستمر الأمر كذلك إلى أن جاء الإسلام، فرفع من مكانة المرأة، وحرّم وأدها.[١٢]
المرأة عند شعراء العصر الجاهلي
كيف استمد الشاعر الجاهلي غزله بالمرأة من الصحراء؟
كرّس الشاعر الجاهلي المرأة في شعره، فقد كانت تُشكّل الدور الأكبر في قصائده، إذ تعرّض لوصفها والحديث عنها والغزل العذري بها وبجمالها وقوامها، كما رسم العواطف والمشاعر التي يحس بها نحوها، فكان الشاعر يقف عند المرأة الحبيبة أكثر ما يقف عند سواها، فكانت القصائد الجاهليّة تتجه نحو الغزل والنسيب أكثر مما تتجه إلى الأغراض الشعريّة الأخرى، وفي بعض الأحيان يلجأ الشاعر إلى وصف الحبيبة بشكل غير مباشر، أي من خلال الرمز والوقوف على الأطلال، والتغني بديار الحبيبة، والتصريح بأن حب الديار هو لحبّ مَن سكن هذه الديار، وأن كرهها بسبب مفارقة الحبيب لها[١٣]، ومن أشهر الأبيات الشعرية التي عبرت عن ذلك قول الشاعر قيس بن الملوح:[١٤]
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى
- أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدار
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي
- وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
كان الشّاعر الجاهلي يصف المرأة من خلال البيئة الطبيعية التي يراها، فيستمد صورالتشبيه منها، وهي تشبيهات مستمدة من الصحراء، كأن يصور شعرها الطويل بعناقيد النخل، وأناملها الناعمة كالرمال، وخصرها الرشيق كأنه حزام من جلد، وتشبيه ساقيها بأنانبيب الري، ومن أبرز شعراء العصر الجاهلي الذين توقفوا عند المرأة واستمدوا من الطبيعة صور الغزل بها، هو امرؤ القيس[١٥]، ومن أشعاره:[١٦]
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
- بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه
- لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِه
- وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلو
- لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ
- فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
المراجع[+]
- ^ أ ب زهور علي عثمان دويكات، صورة المرأة في النثر الجاهلي، صفحة 47-49. بتصرّف.
- ↑ مجموعة مؤلفين، المرأة في المجتمع الجاهلي، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ زهور علي عثمان دويكات، صورة المرأة في النثر الجاهلي، صفحة 50. بتصرّف.
- ↑ زهور علي عثمان دويكات، صورة المراة في النثر الجاهلي، صفحة 51-53. بتصرّف.
- ↑ زهور علي عثمان دويكات، صورة المرأة في النثر الجاهلي، صفحة 31-33. بتصرّف.
- ↑ زهور علي عثمان دويكات، صورة المرأة في النثر الجاهلي، صفحة 34-36. بتصرّف.
- ↑ مي البزور، مكانة المرأة في الإسلام والمواقف الثقافية لدى النساء ورجال الدين في فلسطين، صفحة 71-72. بتصرّف.
- ^ أ ب زهور علي عثمان دويكات، صورة المرأة في النثر الجاهلي، صفحة 38-39. بتصرّف.
- ^ أ ب مي البزور، مكانة المرأة في الإسلام والمواقف الثقافية لدى النساء ورجال الدين، صفحة 66-68. بتصرّف.
- ↑ محمد الغزالي ومحمد سيد طنطاوي وأحمد عمر هاشم، المرأة في الإسلام، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ حبيب الزيات، المرأة في الجاهلية، صفحة 10-12. بتصرّف.
- ↑ هاني أبو الرب، الوأد عند العرب قبل الإسلام وموقف الإسلام منه، صفحة 89-90. بتصرّف.
- ↑ علي الهاشمي، المرأة في الشعر الجاهلي، صفحة 88-89. بتصرّف.
- ↑ "أمر على الديار ديار ليلى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 23/2/2021.
- ↑ علي اللافي جولق، مكانة المرأة في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام، صفحة 1-2. بتصرّف.
- ↑ امرؤ القيس، ديوان امرئ القيس، صفحة 8-9. بتصرّف.