محتويات
أسباب الفتوحات الإسلامية
تتمثّل أسباب الفتوحات الإسلامية في: ارتداد بعض المسلمين عن الإسلام، نشر الدعوة الإسلامية، والدفاع عن الدولة الإسلامية. وتفصيل ذلك تاليُا.
ارتداد بعض المسلمين عن الإسلام
لماذا ارتد بعض العرب عن الإسلام بعد وفاة الرسول؟
اشتعلَ الخلاف بين أصحاب الرسول بعد وفاته مباشرة بشأن موضوع خلافة الرسول والسيطرة على السلطة، فالأنصار طالبوا بالخلافة، وكذلك طالبَ المهاجرون بها في مكة المكرمة، ومن أجل ذلك اجتمع أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة عامر بن الجراح، واستطاعوا إقناعَ الجميع بأنّ أبا بكر الصّديق هو الأنسب لخلافة الرسول محمّد، كان خبر وفاة الرسول بمثابةِ الصّدمة للجميع، وفي الوقت نفسِه كان ذريعة لبعض القبائل العربية بالتنصّل من سيطرة مكة عليهم من جهة، بسبب النزعات القبلية في الجزيرة العربية، إضافة إلى فرصة التهرّب من الزكاة التي فرضها عليهم الإسلام.[١]
كانت الردة -وهي خروج القبائل العربية من الإسلام- حَدَثًا كبيرًا في تاريخ الإسلام وتهديدًا للإسلام في مراحلِه الأولى، ومن هنا كان القرار بمواجهة هذه الظاهرة بطريقة حازمة وشديدة من قبل خليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق، وهذا ما أدى إلى وقوع حروب الردة التي كانت الشرارة التي أشعلت فكرة الفتوحات الإسلامية، خصوصًا أن العرب المسلمين في مرحلتهم الأولى كانوا محاصرين من قبل الفرس والروم، وكان لا بُدّ لهم من السيطرة على مجالهم الجغرافي الحيويّ بالنظر إلى ضرورة ذلك في ظلّ العداء القديم بين العرب والروم والفرس ووقوع أراضيهم تحت سيطرة هذه الإمبراطوريات الكبيرة.[١]
سلسلة الحروب التي شنّتها القوات العربية الإسلامية على القبائل العربية بسبب الردة عن الإسلام أو ما سُمّي بحروب الردة، أوقعت خسائر فادحة في صفوف المسلمين وقتل نتيجتها مئات الصحابة وعشرات من كبار قادة المسلمين، وتركت هذه الحروب شَرْخًا كبيرًا في صفوف القبائل العربية داخل الجزيرة العربية واليمن امتدّت إلى فروع القبائل العربية في العراق والشّام، هذا ما أدّى إلى فكرة وجوب إلهاء الناس في أمور أكبر من ذلك خارج الجزيرة العربية، تحديدًا يعمل على إعادة وحدة صفّ هذه القبائل التي تعد نواة الإسلام البشرية.[١]
قرار إعادة الوحدة لصفوف العرب من خلال وحدة القرار السياسي وتركيز الجهود خارج الجزيرة العربية كانت الأساس الذي انطلقت منه الجهود لتجهيز الجيوش العربية لحملة الفتوح الإسلامية خارج الجزيرة العربية، وأسهم في ذلك عداوة بعض القادة العرب للفرس، مما جعلهم يقاتلون كل من واجههم من الفرس في المناطق المحاذية للجزيرة العربية من الأراضي العراقية التي تقع تحت الاحتلال الفارسي.[٢]
لقراءة المزيد، انظر هنا: حروب الردة.
نشر الدعوة الإسلامية
لماذا ارتبط نشر الدعوة الإسلامية بالعرب؟
يعتَبِر الكثير من دارسي التاريخ بأن الفتوحات الإسلامية جاءت لأسباب فرض السيطرة وغزو الدول والمدن، وهذه الحجة تفتقر إلى عدم ذكر الحقيقة التاريخية التي تفيد بأن قادة وجيوش الإسلام خلال حملات الفتوح الإسلامي كانوا من الغالبية العربية، وخرجوا في البداية لتحريرِ مناطقهم التاريخيّة في العراق والشام ومِصر وشمال أفريقيا، وقد ارتبط الإسلام منذ البداية بالعرب كقاعدة بشريّة رافِعة ومُدافِعة عن هذا الدين الجديد.[٣]
استطاع خلفاء المسلمين الأوائل بأن يحشدوا القبائل العربيّة في الجزيرة العربية وخارجها للتوحّد تحت راية الإسلام، وقد نَجَحوا في ذلك في جبهات العراق والشام بالكامل، حيث إنهم سيطروا على هذه المناطق وأخرجوا جيوش الفرس والبيزنطيين منها بعد عدة معارك كبرى، ومن هنا جاء ارتباط الدعوة الإسلامية كحافز للوحدة القومية بين العرب لقتال الجيوش الأجنبية التي سيطرت على أراضيهم لمئات السنين، ومن هنا يتم الربط بين الدعوة الإسلامية العالمية وبين حاميلها العرب الذين أدركوا أن نشر دعوتهم الإسلامية لا بد لها من قوة بشرية لكي تنشرها وتدفع الظلم أيضَا عن أهلها.[٤]
كانت الظروف الحياتية في مناطق العراق والشام صعبة تحت الاحتلالَيْن الفارسيّ والبيزنطي، مما أسهم في دفع سكان هذه المناطق بالوقوف مع الجيوش الإسلامية ورفدها بالعنصر البشري، وقد كانت الدعوة الإسلامية وفكرة نشرها في هذه المناطق للدفاع عن الإسلام من جهة، والقضاء على الظلم الواقع على أهل هذه المناطق من جهة أخرى عاملًا أساسيًا في انطلاق هذه الفتوحات والسير بها، فقد شاهدت الجيوش الإسلامية هذا الظلم بصورة مباشرة بعد مخالطتهم سكان هذه المناطق خلال حروب الردة، وبسبب قربهم من سكان هذه المناطق العرب.[٤]
ترتكز الدعوة الإسلامية على نشر الدين الإسلامي بين غير المسلمين والدّفاع عن المسلمين بشكل خاص وعن المظلومين من غير المسلمين عمومًا، وفي ظل انتشار الفقر والظلم في مناطق العراق والشام، تعددت الدوافع لنشر هذه الدعوة التي يرى أصحابها بأنها الدعوة الحق وأنها الحل الأسلم لرفع الجور والظلم وتقوية الإسلام أيضًا، والمنطق يعكس عدم جدوى نشر الدعوة بلا أرضية قوية سياسيًا لحاملي هذه الدعوة الفكرية، إضافة إلى أن الفرس جاهروا بعدائهم لهذه الدعوة ووقفوا في وجهها في مناطق العراق لحماية مناطق نفوذهم التاريخية، كذلك فعل البيزنطيون في الشام ووقفوا في وجه المد الإسلامي في القبائل العربية الغسانية.[٤]
هذه العداوة التي عكستها تصرفات الفرس والروم كانت بمثابة تهديد للدعوة الإسلامية الوليدة، التي لم تكن لتنجح من غير سيطرتهم على العراق والشام لأسباب جيوسياسية وسكانية، بالإضافة إلى نظرة القبائل العربية إلى سكان هذه المناطق نظرة الأقارب ونظرة الحامي والمساند لهم بالنظر إلى صلة العروبة التي تجمع بينهم من القدم، وهذا ما أدى إلى اصطفاف أغلبيّة القبائل العربية في صف الدعوة الإسلامية وجيوشها التي انطلقت إلى العراق والشام.[٥]
كانت الدعوة الإسلامية بمثابة المقاومة وحملات التحرير لكلّ المناطق المحيطة بالجزيرة العربية، والتي امتدت لاحقًا إلى خارج المناطق التاريخي للعرب بسبب النجاحات التي حققتها هذه الفتوحات وقبول بل وطلب بعض المدن وصول هذه الجيوش لتحريرهم كما في شمال أفريقيا والأندلس، وهنا أصبحت الدعوة الإسلامية سببًا رئيسًا في استكمال هذه الفتوحات وليس فقط في انطلاقها، فقد كانت أغلب تصرفات جيوش الفتح مبشرًا بحلول زمن الخير والعدل لكلّ من رزح تحت حكم الإمبراطوريات الأخرى وعايش الظلم والفقر.[٥]
لقراءة المزيد، انظر هنا: مراحل الدعوة الإسلامية.
الدفاع عن الدولة الإسلامية
لماذا استمرت الفتوحات الإسلامية؟
كان القرار بتحويل حروب الردة إلى حرب شاملة ضد الإمبراطوريتين -الساسانية والبيزنطية- خلال فترة خلافة أبي بكر الصديق، وقد كان القرار بإجماع كبار الصحابة رغم بعض التردد الذي أبداه بعضهم بسبب قوة هذه الدول التي يريدون قتالها، وبسبب الخلافات بين القبائل العربية نتيجة حروب الردة، إلا أن الحرب بالمعنى السياسي لها، هي تصدير لأزمة داخلية تمر فيها دولة معينة، وهكذا كانت الفتوحات الإسلامية في جزء منها تصدير لأزمة حروب الردة التي استنزفت العرب المسلمين في الجزيرة العربية.[٦]
بدأ القتال على جبهة العراق والشام بالتزامن تقريبًا، وحقيقة الأمر أن هجوم المسلمين على جبهتَيْ العراق والشام كان دفاعًا عن الجبهات الشرقية والغربية للجزيرة العربية وتوسيع المجال الحيوي للمسلمين في الجزيرة العربية وضمّ ملايين البشر لدولتهم والسيطرة على الأسواق المحيطة وطرق التجارة، وإنهاء حالة الفوضى والقتال في المناطق المجاورة بسبب الصراع الفارسي البيزنطي.[٦]
كانت الفتوحات التي أطلقها الخليفة أبو بكر الصديق تمثل الخيار الأمثل، ويمكن أن يكون الحلّ الوحيد للدفاع عن الدعوة والدولة الإسلامية في ذلك الوقت، إذ إنّ هجوم المسلمين على العراق والشام حد ومنع من قدرة الفرس والروم على إعادة ترتيب أمورهم بعد الحرب التي كانت قد انتهت بينهم، وفي الوقت نفسه كانت سببًا كافيًا للكثير من عرب العراق والشام بالانضمام للمسلمين في ظل سوء مُعاملتهم من قبل الفرس والروم.[٧]
استطاعت الفتوحات الإسلاميّة إسقاط دولة الفرس بشكل نهائي، وحدت من قوّة البيزنطيين وأرجعتهم إلى مناطق بيزنطة، وبذلك أصبحت الدولة العربية الإسلامية خلال الفترة الأموية محميّة من جميع الجهات، خصوصًا بعد سيطرتها على الأندلس وجزر البحر الأبيض المتوسط خلال القرن الهجري الثاني، وبالنظر إلى أن الفتوحات استمرّت لمدة قرن كامل تقريبًا، فإنّ المنجزات التي أنجزتها هذه الفتوحات كانت بمثابة تثبيت الدعوة الإسلامية، والتأكد من بقاء الإسلام واستمرارية وجود الحواضن الأممية له في مختلف مناطق العالم القديم.[٨]
نجحت الدولة الأموية في تثبيط سلطة المسلمين في كلّ المناطق التي سيطر عليها المسلمون في فترة الخلافة الراشدة واستمرت فيما بعد لكي تصل إلى وسط آسيا وجنوب أوروبا، في سبيل تأمين حدود الدولة العربية الإسلامية بشكلٍ كامل، خصوصًا في ظل علم خلفاء المسلمين بأن الأراضي التي سيطروا عليها لطالما كانت تحت سيطرة أجنبية، سيّما في مناطق الشام ومصر وشمال أفريقيا.[٨]
وبذلك كانت الأهداف السياسية التي تقتضي حماية الدولة عبر توسيع المساحة الجغرافية بينها وبين الأعداء التقليديين في روما بشكل أكبر هي المحرك الرئيس لاستكمال هذه الفتوحات، بالإضافة إلى استكمال نشر الدعوة الإسلامية في شتى أنحاء الأرض عبر الفتوحات والتجارة وغيرها من الأساليب والطرق التي مكّنت للمسلمين من نشر دعوتهم في جميع القارات القديمة.[٨]
لقراءة المزيد، انظر هنا: تاريخ الفتوحات الإسلامية.
المراجع[+]
- ^ أ ب ت الياس شوفاني، حروب الردة: دراسة نقدية فى المصادر، صفحة 50-52. بتصرّف.
- ↑ أكرم العمري، عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق مناهج المحدثين، صفحة 66-68. بتصرّف.
- ↑ محود شاكر، موسوعة الفتوحات الإسلامية، صفحة 68-70. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عبد الحميد حمودة، تاريخ الدولة العربية الإسلامية منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر الأموي (الطبعة 1)، صفحة 110 - 112، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب محمود خطاب (1965)، قادة فتح بلاد فارس إيران (الطبعة 1)، بيروت:دار الفتح، صفحة 39-41، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب علي الصلابي، الخليفة الأول أبو بكر الصديق، صفحة 69-70. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي، فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، صفحة 435-437. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد طقوش، تاريخ الدولة الأموية، صفحة 12-13. بتصرّف.