مظاهر الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

مظاهر الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي
مظاهر-الحياة-الاجتماعية-في-العصر-الجاهلي/

مظاهر الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي

سُمّي هذا العصر بالجاهلي لما شاع فيه من الجهل، أي: السفه والغضب، وفي مقابل كلمة الإسلام التي تدل على الخضوع لله وحده، وتنطوي على الخلق الكريم، وقد عرف العرب العلوم كالطب والفلك، وكان لهم أدب راقٍ ما يزال يحتل مكانة مرموقة بين الآداب العالمية، ولحياتهم أنماط وأشكال، وعادات مليحة وقبيحة.[١]


نمط المعيشة في العصر الجاهلي

كيف كانت أنماط وأشكال الحياة الجاهلية؟

العرب كانوا قد احتقروا الصناعة والزراعة، ولم يقم بهما إلا الفقراء من الحضر والعبيد واليهود، ويقول ابن خلدون إنّ مهنة الزراعة كانت معاش المستضعفين لأنها تُورث صاحبها المذلة والمهانة[٢]، لقد قامت حياة العرب بعامّة على الرعي، واعتمدت حياتهم على الكلأ والماء، وقد صور القرآن الكريم أهمبة الماء في حياتهم في قوله تعالى:{وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ}[٣]، وقد امتهن العرب التجارة وعاشوا بها، فكانت قوافلهم التجارية تتجه صوب الشام واليمن حاملة مختلف السلع سواء منتجات بلادهم أم منتجات أفريقيا والهند، فكانت النفائس كالعاج والعطور والحجارة الكريمة والتبر والعبيد.[٤]


خضعت حواضر وبوادي الحجاز لنظام شبه سياسي، ومنها مكة وقد حكمها العمالقة ثم خلفهم بنو جرهم القحطانية، وتمكّن قصي بن كلاب من السيادة عليها، ولما شاخ جعل لابنه عبد الدار دار الندوة والرفادة والسقاية واللواء، ولكن بني عبد مناف لم يرضوا بذلك فكادت تنشب الحرب بين الفريقين، ثم تداعوا إلى الصلح على أن يُعطى بنو عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، وظلوا على هذا النحو حتى ظهور الإسلام.[٥]


أخلاق العرب في العصر الجاهلي 

ما أشهر الصفات التي اتسم بها العرب؟

كان لعرب الجاهلية صفات حميدة، تنبع من فطرتهم السليمة التي فطر الله عليها الخلق كالكرم، ومن سُننهم فيه أنهم كانوا يوقدون النار على الكثبان والجبال، ومن أجوادهم حاتم الطائي فقد ضربت الأمثال بكرمه والوفاء بالوعد وحماية الجار والنجدة وإغاثة الملهوف، والشجاعة والحلم والعفة، وفي المقابل كانت لهم عادات ذميمة، كان من أفظعها الغزو والنهب والسلب، وقد سموا الحروب التي كانت تدور بينهم أيامًا، ومن أشهرها: البسوس بين بكر وتغلب، وحليمة بين الغساسنة والمناذرة، وداحس والغبراء بين عبسٍ وذبيان.[١]


كانت القوة هي مثلهم الأعلى، ذلك لأنّ الصحراء لم تكن سخية ولا رحيمة بهم، ومن لا يبادر بالعدوان يعتدى عليه، والمكانة الأولى للظالم الغاشم، فكان القوي يغير على الضعيف فيسلبه ماله وإبله ويخلفه على نسائه، ويجليه عن مواطن الكلأ والماء[٦]، كما يقول عمرو بن كلثوم:[٧]

ونشرب إن أردنا الماءَ صفوًا

ويشربُ غيرُنا كدرًا وطينًا


كما يقول معاوية بن مالك:[٨]

إذا نزل السحابُ بأرض قومٍ

رعيناه وإن كانوا غِضابا


ومن عادات العرب البغيضة العصبية القبلية، فالجاهلي على دين قبيلته، سواء كانت ضالة أم راشدة، يقول دريد بن الصمة:[٩]

وهل أنا إلا من غَزِيَّة إن غَوَت

غَوَيتُ وإن تَرشُد غَزيَّةُ أرشُدِ


ومن هنا كان الشعر الجاهلي نتاج هذه القبلية، وكانت حياة الإنسان القبلي ضمن الإطار، يتحرك عبرها إلى الصدام مع سائر القبائل تارة بالغارات وتارة بطلب الثأر، وجعلهم هذا التركيب القبلي يعنون بالأنساب ليعرفوا الأصيل والدخيل وأنّهم من نسل جد واحد، واحتلّ الشاعر فيهم مكانة مرموقة.[١٠]


كان من عاداتهم المنكرة أيضًا وأد البنات، فقد كانوا يدفنون البنت وهي حيّة مَخافة الفقر والعار، وقد محا الإسلام هذه العادة الذميمة، ومن أجل ذلك يعث الله فيهم نبي الرحمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ليتمم فيهم مكارم الأخلاق، وبنزع ما في نفوسهم من صفات ذميمة.[١١]


الحضر والبدو في العصر الجاهلي 

بِمَ يتميز أهل الحضر وأهل البدو؟

كان العرب الجاهليين فريقين: أهل الحضر وكانوا قلة، وأهل البادية وهم الكثرة، فكان الحضر يعيشون في المدن والقرى، سواء في الحجاز أم في اليمن أم في الشام أم في العراق، ويعيشون على الزراعة حينًا وعلى التجارة أحيانًا أخرى، ومن أشهر حضر الجاهلية سكان مكة، وهم قريش وأحلافها وعبيدها، وقد ازدهرت تجارتها وكانت لها رحلتان: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وكانت قوافلها آمنة؛ لأنَّ القبائل كانت تقدر مكانة قريش الدينية خصوصًا في أثناء الحج.[١١]


أمّا أهل البادية أو أهل الوبر، فكانت حياتهم حياة ترحال وراء الكلأ والماء، وكانوا يعتمدون في معيشتهم على الغزو، فيهاجم بعضهم بعضًا للاستيلاء على مواشيهم غصبًا، وإذا تم الاستيلاء عليها وأهلها غائبون فتلك هي السرقة عندهم، وكانوا يحتقرون الصناعة ويتعصبون للقبيلة.[١١]


الثقافة في العصر الجاهلي 

ما الثقافات التي اشتهر بها العرب الجاهليون؟

كان للجاهليين ثقافات محدودة تتناسب مع بيئة الصحراء وعقلية الأميّين؛ فقد كان اتصالهم مع الأمم المجاورة محدودًا، فكان تجار مكة يفدون إلى الشام واليمن ومصر وبلاد فارس، فضلًا عن شيوع النصرانية في قبائل الشام والعراق، ونزول بعض القبائل اليهودية في الحجاز واليمن، ومن أهم ثقافاتهم وعلومهم: علم الأنساب والأدب، أما علم الانساب فكان بمنزلة علم التاريخ، فقد كانت لكل قبيلة تعرف نسبها وأنساب غيرها، وتعرف الأيام والحروب التي دارت بين العرب، واشتهر عندهم كثيرون في هذا الباب يرجع الناس إليهم، منهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وابنته عائشة أم المؤمنين.[١٢]


أمّا الأدب؛ فقد شاعت عند الجاهليين الحكمة والمثل ومن أمثالهم: في بيته يُؤتى الحكم وهو من يحكم بين الناس في منافراتهم ومفاخراتهم، وفي الشعر الجاهلي كثير من الحكم التي تُذكر في ثنايا القصائد، وممّن اشتهر بها: زهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد والأفوه الأودي وغيرهم، وقد عُرفوا بالخطابة، وبخاصة الخطابة الوعظية التي تدور حول فكرة الحياة والموت، وممّن اشتهر بها قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي.[١٢]


كان للعرب أسواق كثيرة في نجد والحجاز واليمن وحضرموت، وأشهر تلك الأسواق: عكاظ، وكانت بين نخلة والطائف يجتمع فيه العرب للمفاخرة ومناشدة الشعر، وسوق مَجنَّة وكان على مقربة من عكاظ، والثالث هو سوق ذي المجاز على مقربة ينبع، وكان لتلك الأسواق آثار عظيمة في اللغة العربية والأدب العربي، إذ عملت على تقريب لهجات العرب، في لهجة واحدة هي لهجة قريش.[١٣]



لقراءة المزيد عن العصر الجاهلي، انظر هنا: معلومات عن العصر الجاهلي.

المراجع[+]

  1. ^ أ ب سامي يوسف أبو زيد ، الأدب الجاهلي، صفحة 9. بتصرّف.
  2. ابن خلدون، المقدمة، صفحة 914، جزء 3. بتصرّف.
  3. سورة الأنبياء ، آية:30
  4. لوبون ، حضارة العرب، صفحة 59. بتصرّف.
  5. ابن هشام ، السيرة النبوية، صفحة 140. بتصرّف.
  6. سامي يوسف أبو زيد، الأدب الجاهلي، صفحة 25. بتصرّف.
  7. "معلقة عمر بن كلثوم "، ديوان العرب، اطّلع عليه بتاريخ 16/03/2021م. بتصرّف.
  8. الرافي ، كتاب نفائس الأصول في شرح المحصول، صفحة 881. بتصرّف.
  9. "وهل أنا إلا من غزية إن غوت"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 16/03/2021م.
  10. ابن رشيق ، العمدة، صفحة 49. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت سامي يوسف أبو زيد ، الأدب الجاهلي، صفحة 24. بتصرّف.
  12. ^ أ ب سامي يوسف أبو زيد ، الأدب الجاهلي، صفحة 37. بتصرّف.
  13. سامي يوسف أبو زيد ، الأدب الجاهلي، صفحة 38-39. بتصرّف.