محتويات
فرسان العرب الثلاثة في الجاهلية
من هي الشخصيات التي ارتبط اسمها بالفروسية في العصر الجاهلي؟
تُعد الفروسية عند العرب واحدة من القيم النبيلة التي تفتخر بها القبائل وتتفاضل بها عن غيرها، ومن المعروف أن لكل عصر فرسانه المشهورين، وفي العصر الجاهلي كان الفرسان: بسطام بن قيس، وعامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث، هم أصحاب الصيت الذائع فقد اشتهروا بفروسيتهم ورباطة جأشهم وشجاعتهم.[١]
بسطام بن قيس
من قتل بسطام بن قيس؟
(000 -10 ق.هـ) هو بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد الشيباني، فارس بكر، وهو من الفرسان المشهورين في الجاهلية بفروسيتهم وشجاعتهم، وقد كانت الأخبار عن غزوه للقبائل الأخرى وتغلّبه عليهم كثيرة ومتعددة، وكلها تدل على فروسيته وشجاعته التي كان يُشار إليها بالبنان في ذلك الزمن، ومما ورد أنه أغار على بني يربوع من قبيلة تميم، وأخذ ما عندهم من نَعَم، وعندما كرّ عائدًا لحقه عدد من الفرسان وتمكّن من قتلهم.[٢]
تمكّن بسطام من أسر بجير بن أبي مليل وغيره من الأسرى، فكان من الأسرى أن أقنعوا بسطام بإطلاق سراحهم مقابل أن يخبروه عن مكان أبي مليل، فوافق، ولما تمكن بسطام القيسي من أسر أبي مليل، ما كان من أبي مليل إلا أن أضرب عن الطعام بعد أن علم بمقتل ابنه بجير على يد بسطام، فخاف بسطام أن يموت أبو مليل من الجوع ففكّ وثاقه وأطلق سراحه، شرط ألّا يطلب أبو مليل فدية دم ابنه بجير الذي قتله بسطام.[٢]
ممّا يُروى عن بسطام بن قيس أنّه الفارس الذي قتله غروره، ولعلّ ما وصل إليه من شهرة وصيت في الفروسية جعله يغتر بنفسه وبمكانته العالية بين القبائل، حتى جاء يوم الشقيقة، وهو اليوم الذي قُتل فيه بسطام، وسبب مقتله أنه غزا بني الضبة مع اثنين من أصدقائه، ورأى في أحد مواقعها من النعم ما هو كثير ووفير، وأراد أن يتمكن منها، إلا أن واحدًا من الفرسان الذين كانوا معه في الغزو تطير له، وقال إنّ بسطام بن قيس سيكون أول من يُقتل في هذا الغزو، ونصحه بأن يعود عنه، إلا أن الفارس المغوار لم يستجب للكلام.[٢]
وقد تمكّن من أخذ الإبل، إلا أن بني ضبة لم يرضوا بهذا المكر، فاجتمعوا وحاولوا اللحاق بإبلهم، وكان فحل الإبل أعور العين، فما كان من مالك بن المنتفق الضبي صاحب الإبل إلا أن أمر فحل الإبل أن يشذ عن المسير، ففعل، وبدأت النوق بالللحاق به، فصار بسطام يعقر كل ناقة تشذ عن المسير.[٣]
أغضب هذا الأمر بني الضبة، وانتهى الأمر بأن جاء فارس اسمه عاصم بن خليفة الصباحي من بني ثعلبة، وكان يُعرف بضعف عقله، ويرونه القوم دائمًا يعقب قناة له، وكلما سألوه: ماذا ستفعل بها؟ يجيبهم: إنّه سيقتل بها بسطام بن قيس، فركب عاصم فرسه، وطعن بسطامَ في أذنه وأنفذ الطعنة من الجهة الأخرى، فخر بسطام ميتًا، وهرب من تبقى من بني شيبان وتركوا النعم حرة طليقة.[٣]
عامر بن الطفيل
ما هي قصة عامر بن الطفيل مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
(70ق.هـ - 9هـ) هو عامر بن الطفيل بن جعفر بن مالك بن كلاب العامري، فارس وشاعر جاهلي من قبيلة هوزان، وهو فارس بني قيس، وممّا يُروى عنه أنه كان أعورا عقيما لا ولد له، وهو ابن عم الشاعر لبيد بن ربيعة، وكان عامر بن الطفيل يُكنى بأبي علي، وكان له فرس اسمه المزنوق، ومن أخباره أيضًا أن والده كان فارس القرزل، وذلك مما ورد في شعر بعض الشعراء عن عامر بن الطفيل.[٤]
كان موقع قبيلة هوزان في وسط نجد، وكانت تحيط بها القبائل من كل الجهات، ولعل هذا الموقع الجغرافي هوالسبب في زيادة الاحتكاك بينها وبين القبائل الأخرى، مما أدّى إلى كثرة الحروب والغزوات، وكان عامر بن الطفيل في كل هذه الحروب هو الفارس الشجاع المغوار الذي يظهر بسالة وقوة لا نظير لهما، وكثيرة هي أخباره في الحروب والغزوات.[٤]
أدرك عامر بن الطفيل الإسلام، وكان في قصة موته عبرة وعظة كبيرة تدل على أن الشجاعة لا تنفع صاحبها أمام قدرة الله، وكان الطفيل قد نوى أن يقاتل الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ولما وفد إلى النبي مع صحبه وكانت نيته الغدر، لم يتمكن من الأمر، وابتلاه الله تعالي في طريق عودته إلى قبيلته بوباء الطاعون، وصار يثب وينزو في السماء حتى صعدت روحه ومات، وما كان من قبيلته إلا أن نصبوا عليه أنصابًا وجعلوها حمى حول قبره خشية أن ينتقل ما أصابه من طاعون إلى من يمر بالقرب من قبره من بشر أو مواشي[٤]، ممّا قاله عامر بن الطفيل منددًا بمرة بن عوف الذبياني:[٥]
إنّي إذا انْتَتَرَت أصِرّة أُمّكُمْ
- مِمّنْ يُقالُ لَهُ تَسَرْبَلْ فاركَبِ
لا ضَيرَ قّدْ حكّتْ بِمُرّة بَرْكَها
- وتَرَكنَ أشجَعَ مثلَ خُشبِ الأثأبِ
لا يَخْطُبُونَ إلى الكِرامِ بَنَاتِهِمْ
- وتَشيبُ أيّمُهُمْ ولَمّا تُخْطَبِ
أفَرِحْتَ أنْ غدَرَ الزّمانُ بفارِسٍ
- قُلْحَ الكِلابِ وكنتُ غَيرَ مُغَلَّبِ
يا مُرَّ قّدْ كَلِبَ الزّمانُ عَلَيْكُمُ
- ونَكَأتُ قَرْحَتَكُمْ ولمّا أُنكَبِ
وتَرَكْتُ جَمعَهُمُ بِلابَة ضَرْغَدٍ
- جَزَرَ السّباعِ وكلِّ نَسرِ أهْدَبِ
ولَقَد أبَلْتُ الخَيلَ في عَرَصاتِكُمْ
- وَسْطَ الدّيارِ بكُلّ خِرْقٍ مِحرَبِ
وَشَفَيْتُ نَفسي مِنْ فَزارَة إنّهُمْ
- أهْلُ الفَعالِ وأهْلُ عِزٍ أغْلَبِ
ولَقَدْ فَخَرْتَ بباطِلٍ عَدّدْتَهُ
- فإذا أتَيْتَ بَيُوتَ قَوْمِكَ فاحسُبِ
فَلَتُخْبِرَنّكَ فَاقِدٌ عَنْ شَجْوِهَا
- حَذِلٌ مَدامِعُها بدَمْعٍ سَيكَبِ
ولَقَدْ لَحِقْتَ بخَيْلِنا فَكَرِهْتَها
- وصَددتَ عن خيَشومِها المُستكلِبِ
وفي هذه القصيدة يهجو عامر بن الطفيل قبيلة الذبياني ويتحدث عن بطولاته وما يفعله بالأعداء، وكيف يخافه كل صغير وكبير في القبائل الأخرى، ويختتم بالتهديد والوعيد، وقال في قصيدته التي تحمل عنوان "مطية الحلم التأني":[٦]
ألا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي زِيادًا
- غَداةَ القَاعِ إذ أزِفَ الضِّرابُ
غَداة تَثُوبُ خَيلُ بَني كِلابٍ
::على لَبّاتِها عَلَقٌ يُشابُ
فإن لنا حكومة كل يوم
- يُبَيَّنُ في مَفاصِلِهِ الصّوابُ
وإني سوف أحكم غير عاد
- ولا قذع إذا التمس الجواب
حُكومَة حَازِمٍ لا عَيْبَ فيها
- إذا ما القوم كظهم الخطاب
فإنّ مَطِيّة الحِلْمِ التّأنّي
- على مَهَلٍ وللجَهْلِ الشّبابُ
لعامر بن الطفيل الكثير من القصائد التي تدور في معظمها حول فروسيته في مواجهة الأعداء، ولعل هذا ما يندرج تحت غرض الفخر في الشعر العربي.
عتيبة بن الحارث التميمي
ماذا قال العلماء والشعراء عن الفارس عتيبة بن الحارث؟
لم ترد في المصادر معلومات عن سنة ميلاد عتيبة بن الحارث أو سنة وفاته، وهو عتيبة بن الحارث بن شهاب التميمي، شاعر وفارس من فرسان العصر الجاهلي، ويُعرف عنه أنه فارس بني تميم، ومما كان يُلقّب به عتيبة بن الحارث أنه سُم الفرسان، وصياد الفوارس.[٧]
إنّ الألقاب التي أطلقت على عتيبة بن الحارث تدل أعظم دلالة على فروسيته وشجاعته، فهو الذي يمكنه التغلب على الفرسان والنيل منهم، وهذا أمر فيه مفخرة كبيرة للعرب في ذلك الزمان، وقد تحدث الكثير من العلماء والمؤرخين عن فروسية عتيبة بن الحارث، ومنه ما قاله أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال عن عتيبة: كانوا يقولون إنّه لو سقط القمر من السماء لما التقطه غير عتيبة بن الحارث[٨]، إضافة إلى أبيات من شعر المدح نظمها الشعراء يمدحون فيها فروسية عتيبة بن الحارث التميمي، ويمجدون بطولاته وشجاعته، من ذلك ما قاله الشاعر:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم
- بعتيبة بن الحارث بن شهاب
فأشدهم بأسًا على أعدائه
- وأعزُّهم فقدًا على الأصحاب
يتيبن أن عتيبة كان يجمع بين القوة والبأس مع الأعداء، والمحبة والمكانة الرفيعة عند الأصحاب والأهل.[٧]
ممّا ورد عن موت عتيبة بن الحارث أنه قُتل على يد رجل اسمه ذؤاب بن ربيعة بن عبيد[٨]، ومع أنه كان فارسًا شجاعًا ومغوارًا، إلا أنه لم يُسمع عنه من الشعر إلا القليل، أظهر فيه اهتمامه بأمور القتال والنزاع والشجاعة وما يتصل بالفروسية، ومن ذلك ما روي عنه من شعر في الغدر:[٩]
غدرْتُم غدرةً وغدرْتُ أخرى
- فليسَ إلى توافينا سبيل
كما لاقى ذوو الهرماسِ منِّي
- غدَاةَ الشَّعبِ مدّرِعًا شليلي
إذا التفَّتْ نواصي الخيلِ ظنُّوا
- بأنّ بصعدَتي يُِشفى الغليل
كأنّ الشاعر في هذه الأبيات يريد أن يبين أن الغدر ليس من خصاله، إلا أنه ردّ على غدر الأعداء ومكرهم بالغدر أيضًا، وفي كلام عتيبة كناية عن ثقته بفروسيته، وقدرته على إثارة الرعب في قلوب الأعداء بالحديث عن شجاعته ورباطة جأشه وجرأته أمامهم.[٩]
المراجع[+]
- ↑ أبو منصور الثعالبي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ويليه التذييل المرغوب في ثمار القلوب، صفحة 102. بتصرّف.
- ^ أ ب ت لويس شيخو، شعراء النصرانية المجلد، صفحة 256. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم شمس الدين، مراجعات كتابة مراجعة مجموع أيام العرب في الجاهلية والإسلام، صفحة 86-87. بتصرّف.
- ^ أ ب ت أحمد بن بسبح، عامر بن الطفيل فارس بني عامر، صفحة 27-28. بتصرّف.
- ↑ عامر بن الطفيل، ديوان عامر بن الطفيل، صفحة 15-16. بتصرّف.
- ↑ عامر بن الطفيل، ديوان عامر بن الطفيل، صفحة 18. بتصرّف.
- ^ أ ب خير الدين الزركلي، ترتيب الأعلام على الأعوام، صفحة 76. بتصرّف.
- ^ أ ب عبدالسلام بن الحسين، الأأعلام، صفحة 201. بتصرّف.
- ^ أ ب الأخفش، الاختيارين، صفحة 169. بتصرّف.