محتويات
العصر الجاهلي
يتمَحْوَر هذا الموضوع حول مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي بأبعادها ومحاورها المختلفة، والعصر الجاهلي هو مفهوم إسلامي يشير إلى زمن الجهل والكفر، في إشارة إلى الحالة التي وُجد فيها العرب في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد اشتق هذا المصطلح من الجهالة أي التصرف بغباءٍ، وقد حمل هذا العصر العديد من الملامح البارزة والمعتقدات التي جعلته يسطر مكانًا في الكتب التاريخية والمدونات الفلسفية والأدبية، فعلى الرغم من سوء بعض العادات المنتشرة بين العرب حينها، إلا أنه لا يمكن نكران السموّ الأدبي الذي حقّقوه في تلك المرحلة، إذ تشهد جميع الكتب التاريخية على الفضل الكبير لعرب الجاهلية في إثراء الأدب والحضارة، كما أغنت فروسيتهم ومعاركهم جميع الملاحم البطولية وشهدت لهم حروبهم بشجاعةٍ نادرة.[١]
مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي
يقول الأستاذ أحمد أمين: "لا يمكن فَهم مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي إلا بفهم بيئتها التي نشأت فيها، والعوامل التي سادت وطبيعة الناس الذين أنتجوها"[٢]، وقد ذهب بعض الباحثين أن إلى العرب ومن حولهم كانوا من أصل واحد، ثم تحضر من حولهم وتخلفوا هم، فقد تحضر سكان الفرات وتحضر وادي النيل، وظل العرب قبل الإسلام تغلب عليهم البداوة محصورين بين جبالهم وبحارهم، وبهذا فقد تأخر العرب عمن حولهم في الحضارة، وغلبت عليهم البداوة وعاش أكثرهم عيشة القبائل الرحّل، فالعيشة البدوية التي هي كانت في سائدة جزيرة العرب، وإن كانت هناك أصقاع متمدنة كاليمن.[٢]
وطَوْرُ البَداوة هو طور اجتماعي طبيعي به تمر الأمم أثناء سيرها إلى الحضارة، ففي مثل هذا الطور يظهر ضعف التعليل، أي عدم القدرة على فهم الارتباط بين العلة والمعلول والسبب والمسبب. يمرض أحدهم فيصفون له علاجًا من نوع ما دون فهم الارتباط بين الدواء والداء، عادة يفهم أن القبيلة تتناول هذا الدواء هذا عند الداء، عقله يرى أن سبب المرض روحٌ شريرة حلت فيه فيداويه بطرد هذه الأرواح، أو أنه إذا على خيف الرجل من الجنون نجسوه بتعليق الأقذار وعظام الموتى به، ولا يستنكر شيء من ذلك ما دامت القبيلة تفعله؛ لأن منشأ الاستنكار دقة النظر والقدرة على بحث المرض وأسبابه وعوارضه، وهذه درجة لا يصل إليها العقل في طوره الأول، فالضعف في التعليل هو الذي يشرح لنا سبب ما امتلأت به كتب الأدب من خرافات وأساطير كانت العرب تعتقدها في جاهليتها، وهي ظاهرة من أبرز مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي.[٢]
الأدب الجاهلي
الأدب العربي في العصر الجاهلي هو فنّ الشعر والنثر قبل ظهور الإسلام؛ حُفظ عن طريق الذين حفظوا الشعر من الشعراء ثم نشروه بين الناس إلى أن جاء عصر التدوين، فظهرت جماعة سُمّوا الرواة، ومن أشهر الكتب التي جُمِع فيها الشعر الجاهلي الأصمعيّات للأصمعي. يُعتبر الشعر في العصر الجاهلي أسبق وأكثر إنتشارًا من النثر لأن الشعر يقوم على الخيال والعاطفة، أما النثر فيقوم علي التفكير والمنطق، والخيال أسبق وجودًا من التفكير والمنطق، وبسبب انتشار الأمية بين العرب وقدرتهم العالية على الحفظ.كان للشعر منزلة عظيمة، وكان دور الشعر بارزًا في نشر أمجاد قبائل الجزيرة العربية والإشادة بأحسابها، ويسجل للأجيال مفاخرها، ويعتبر الشعر العربي هو أشهر مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي.[٣]
ولا يمكن معرفة بداية الشعر العربي القديم بدقة، لعدم وجود تدوين منظم في الجاهلية؛ فلا يعرف شعر عربي إلا قبل الإسلام بقرن ونصف، ولكن الشعر الذي وصل حتى الآن كان جيدًا، مما يدل على وجود محاولات سابقة، غير أنّ أول إشارة تاريخية عن فن شعري أبدعه العرب ربما كانت تلك التي وردت لدى المؤرخ اليوناني سوزومينوس، حيث ذكر أنه في عام 372 للميلاد هزمت «مانيا» ملكة العرب الجيش الروماني في فلسطين وفينيقيا، وأن العرب حفظوا ذكرى ذلك الانتصار في أغانيهم الشعبية. فإلى أي مدى ترتبط اللغة التي يسميها المؤرخ اليوناني عربية باللغة العربية المعروفة في الشعر الجاهلي؟ وهل كانت صيغة باكرة من صيغ هذه اللغة؟ فاللغة من أهم مؤشرات مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي.[٤]
الحنفاء في العصر الجاهلي
تُعدّ ظاهرة الحنفاء الذين رفضوا عبادة الأصنام علامة فارقة من مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي، وأبرزهم كان ورقة بن نوفل الذي ظل طيلة حياته يبحث عن الدين الحق والحقيقة، وباعتبار أنه وصل مرحلة متقدمة فيمكن القول بأنه أصبح "عالم أديان مقارن"، فقد استطاع التعرف على شخص النبي صلى الله عليه وسلم والتأكيد له على صحة نبوته، وأنه الذي جاءه هو جبريل بالوحي، ويمكن اعتبار هذه الحادثة هي ذورة المظاهر العقلية في العصر الجاهلي في الناحية العلمية والفكرية، ورد ذكر ورقة بن نوفل في أكثر من مؤلف سواء عند مؤرخين مسلمين ومسيحيين، اتفق معظمها أنه كان يقرأ التوراة والإنجيل وكان حنيفًا موحدًا في عصر الجاهلية، بعد نزول الوحي على محمد بن عبد الله استدعي ورقة بن نوفل لبيت خديجة، فأقر له بالنبوة وقال له: "هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى".[٥]
والحنفاء هم أناس رفضوا عبادات الوثنيين وتركوا ما عليه قومهم من عبادة الأصنام، وراحوا يبحثون عن الدين الحق، لذا وجد بعضهم يعتنق النصرانية، وبعضهم يتمسك ببقايا دين إبراهيم -عليه السلام-، وهي ظاهرة بارزة من مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي، وأما عددهم وتاريخ ظهور كل واحد، فتحديد ذلك من الصعوبة بمكان، وقد أورد الدكتور جواد علي قائمة بأسماء عشرات الحنفاء من أبرزهم: "قس ابن ساعدة الأيادي - زيد بن عمرو بن نفيل - أمية بن أبي الصلت - أسعد أبو كرب الحميري - وكيع بن سلمة الأيادي - سيف بن ذي يزن - ورقة بن نوفل - وزهير بن أبي سلمى - كعب بن لؤي بن غالب." (370:5).[٦]
العقلية التجارية العربية في العصر الجاهلي
من المعروف بأن التجارة والنجاح فيها أمرٌ يحتاج إلى عقل تجاري، وهي بذلك تُعدّ من مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي، وقد كانت التجارة العربية رائجة قبل الإسلام، حيث تقع مكة على طريق البخور، فقد ذكر القرآن الكريم رحلة الشتاء والصيف في سورة قريش، وكان هاشم بن عبد مناف تاجرًا مشهورًا له تجارة عظيمة بغزة التي توفي ودفن فيها، وهو الذي أسس "الإيلاف" وهي العقود التجارية بينهم وبين الجهات التي يُتاجرون معها، وتذكر المصادر الإسلامية تجارة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في الشام، وذلك بدءًا من رحلته هناك مع عمه أبو طالب إلى تجارته بمال خديجة بنت خويلد التي تزوجها فيما بعد، وتذكر مصادر مسيحية ترجع لأزمنة قريبة، أحدها كتب حوالي سنة 660 م: "... وكان محمد يذهب في تجارة إلى أراضي فلسطين والعربية وسورية الفينيقية". وباختتام الموضوع بالتجارة العربية، تتكون صورة غنية عن مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي.[٧]
المراجع[+]
- ↑ "ما هو العصر الجاهلي"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 02-01-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد جمال إمام، ملامح الحياة العقلية في عصور الإسلام الأولى، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ "أدب جاهلي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 02-01-2019. بتصرّف.
- ↑ "اللغة العربية ما قبل الإسلام وفضل الشعر في تشكّلها وحفظها"، arabiclanguageic.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-01-2019. بتصرّف.
- ↑ "ورقة بن نوفل"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-01-2019. بتصرّف.
- ↑ "الحنفاء قبل البعثة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 04-01-209. بتصرّف.
- ↑ "تجارة عربية"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-01-2019. بتصرّف.