تعبير عن العلم والأخلاق

تعبير عن العلم والأخلاق
تعبير-عن-العلم-والأخلاق/

صلة العلم بالأخلاق

الأسس التي تُبنى عليها الحياة المثالية الصحيحة كثيرة ومتعددة، إلّا أنّ هذه الأسس منها ما هو مُهم، ومنها ما هو أهمّ، ويُمكن القول إنّ العلم أساس مهم من هذه الأسس، ولكن الأساس الأهم والرّكن الأعلى رتبة هو الأخلاق، فهي التي تتربّع على عرش كلّ الأسس؛ إذ تُطل كملكة بين كل المبادئ الأخرى، وكلما كانت الأخلاق سويّة صحيحة، كلما ارتقت باقي الأسس إلى الأعالي، والعكس بالعكس، فمن المهمّ أن يكون الإنسان متعلمًا، إلا أنّ هذا العلم سيكون بلا قيمة إذا تجرّد صاحبه من الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة الفاضلة.


إن العلم بلا أخلاق مثل الشجرة بلا أوراق، لا أحد ينظر إليها ولا يُؤبه بها ولو طاولت فروعها عنان السماء، وعندما يريد أحدهم أن يحدّد أهمّ صفات طالب العلم فمن البدهيّ أن يضع الأخلاق في قمة هذه الصفات، وهذه الأخلاق هي التي تستطيع أن توجه العلم في مساره الصحيح، وتبعده من أن يكون سببًا لأذية المجتمعات والإضرار بها.

كم من مُتعلّم استطاع من خلال ما تعلمه إلحاق الضرر بالناس، وما ذلك إلا لغياب الأخلاق والقيم النبيلة التي تضبط الإنسان وتُبعده عن القيام بأفعال مسيئة للمجتمع من حوله، مثل: توظيف العلم في تصنيع مواد تلحق الضرر بالبيئة أو الحيوانات، أو حتى تصنيع بعض المواد الكيميائية التي تبيد الآلاف من البشر في لحظة واحدة.


من هنا تأتي الصلة الوثيقة بين العلم والأخلاق، والتي ينبغي الانتباه دائمًا إلى ترابطها ومتانتها، وكلما ازدادت الأواصر بين العلم والأخلاق في نفس الإنسان، كلما كان إنسانًا متوازنًا حكيمًا، ويمكن اعتباره قدوة لمن حوله، وبالمقابل كلما ازداد علم الإنسان دون التحلّي بالأخلاق الفاضلة سيكون وبالًا على البشرية، وداء مستشريًا في المجتمع يجب القضاء عليه.


لا يمكن أن يكون طالب العلم مغرورًا بعلمه، ويظن أنه الوحيد الذي يتعلم ويجتهد، فهذا فيه خروج عن منظومة الأخلاق، ولا يمكن أن يكون طالب العلم أنانيًا يحتفظ بالعلم لنفسه، ولا يريد مشاركته مع الآخرين، لأنّ كتم العلم عن الآخرين أمر نهى عنه الرسول الكريم -صلّى الله عليه وسلم- والأمثلة على الصلة بين العلم والأخلاق كثيرة، ولذلك لا بد أن تكون الأخلاق حاضرة في كل خطوة من خطوات طالب العلم.


إذا تمكّن من استحضار الأخلاق الفاضلة في كل تفاصيل حياته، عندها يحقق الرابطة المتينة بين العلم والأخلاق، والتي لا يُمكن أن تُفك عراها بسهولة، لا سيما إذا كان يعتنق هذه الأخلاق وهو مقتنع بأهميتها في صقل علمه وتهذيبه وتقويمه وتوظيفه في كل ما يخدم المجتمع المحيط به، ولما يتحقق ذلك سيشعر هو بلذة العطاء، وسعادة الرضا عن النفس.


أهمية العلم والأخلاق

عندما قال الشاعر أحمد شوقي:[١]


العِلمُ يَبني بُيوتًا لا عِمادَ لَها

والجَهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِزِّ والكَرمِ


كان يهدف إلى تبيان أهمية العلم في حياة الأمم، ودوره في بناء الحضارات وتطورها، ورقي المجتمعات وتطاول بنيانها وهو محقّ في ذلك، إلّا أنّ هذا التطور وتلك الرفعة والمكانة التي ستحوزها المجتمعات بالعلم، لا بدّ لها من أمر آخر يضمن لها البقاء والاستمرارية، ألا وهو الأخلاق، لذلك قال أحمد شوقي في موضع آخر:[٢]

وإنّما الأمَمُ الأخلاقُ مَا بَقِيت

فإن هُم ذَهبت أخلاقهُم ذَهَبوا


بذلك تتضح الصلة الوثيقة بين العلم والأخلاق من جهة، وتتبيّن أهمية الأخلاق في بقاء الأمم والمجتمعات واستمرارها، فإنْ كان العلم يساعد في البناء والارتقاء، فإنّ الأخلاق تضمن الاستمرار والثبات.


ممّا يجدر ذكره عن أهميّة كلّ من العلم والأخلاق أنّهما من الأمور التي حثّ عليها الدين الإسلامي، فقد أُرسل الرسول الكريم ليُتمّم مكارم الأخلاق ويحثّ على طلب العلم، وبذل كل الجهد في سبيل الحصول عليه، فهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أهمية العلم والأخلاق في حياة الإنسان، فلا يُمكن المُقارنة بين المُتعلّم وغير المُتعلّم.


إضافة إلى أنه لا يُمكن المقارنة بين متعلم ذي خلق رفيع ونبيل، ومتعلم لا يتحلى بأبسط القيم الأخلاقية، فشتان بين الثرى والثريا، فالعلم كسبيكة الذهب اللامعة، والأخلاق هي ذلك الصائغ المحترف الذي يقوم بتزيين السبيكة وتلميعها، وتهذيبها لتظهر بشكل لافت للنظر يخلب الألباب لجماله وإتقان صنعته، فهما توأم لا يُمكن الفصل بينهما.


في ظل العصر الحاضر وما فيه من تطورات على صعيد التكنولوجيا، لا يمكن أبدًا إنكار قيمة العلم وأهميّته في حياة كل إنسان، وذلك حتى يتمكن من مواكبة التطورات التي تحصل في عصر السرعة، والأهم من ذلك هو التمسك بالأخلاق والحفاظ عليها لصقل هذا العلم الذي أصبح يتهافت على الأجيال من كل حدب وصوب، ومن مصادر موثوقة قليلة وأخرى غير موثوثقة كثيرة.


ممّا يُشير إلى أهميّة العلم والأخلاق وارتباطهما أنّ غالبية الوزارات المعنية بالتعليم في مختلف الدول العربية تُسمّى بوزارة التربية والتعليم، فيقدمون التربية على التعليم، وهذا يدل على أنّ الأخلاق والتربية الحسنة مُرتبطة بالعلم، وكلاهما مهم لحياة الإنسان، ومن الأهمية المرتبطة بالعلم والأخلاق أيضًا أنهما مصدر للتفكر في هذا الكون وغرائبه وعجائبه التي لا تنتهي.


كثير من الاختراعات التي ظهرت في العصر الحديث تثبت أهمية العلم وضرورته في الحياة، والمهم أيضًا أن تكون الأخلاق موجودة حتى يتمكن الإنسان من استثمار هذه الاختراعات التي أدى إليها العلم فيما يخدم المجتمعات، ويسهم في بنائها وبناء الأجيال، وأن يحارب بأخلاقه كل ما هدفه هدم الأجيال وتثبيط هممها، وإضعاف إرادتها وتجميد عقولها.


عندما يُدرك المرء كل هذه الأهمية التي تنضوي تحت العلم والأخلاق سيفكر جيدًا في كل خطوة يقوم بها في حياته، فالإنسان يبنغي ألّا يتوقف عن التعلم، وألّا يظن نفسه أنّه أنهى التعلم، وأنه لا يوجد شيء جديد ليتعلّمه، فإنّه إذا فكّر بهذه الطريقة سيكون قد بدأ يخطو أولى خطواته على طريق الجهل، فالتعلّم عملية مستمرة طيلة الحياة، ويجب أن ترتبط بالأخلاق الحسنة.


مناظرة بين العلم والأخلاق

قال العلم ذات يوم مُباهيًا بنفسه: أنا الأول في العالم، لا شيء قبلي ولا شيء بعدي، كلّ الصراعات وكل الخلافات وكل الاتفاقيات وكل المصالحات لا يمكن أن تكون إلّا من أجلي، وفي سبيلي وبسببي، ولا يمكن أن تقوم دولة دون عِلم، ولا مجتمع دون طلاب علم، يا لسعادتي وهنائي فأنا كالهواء لا يمكن العيش بدوني، ولا وجود لي إلّا في العقول المستنيرة.


أجابته الأخلاق بهدوء واتّزان: على رشدك أيّها العلم، إنّنا لا نُنكر فضلك ولا نجحد مكانتك العليا التي تتمتّع بها، إلّا أن العلم وحده لا يمكن أن يعمر المجتمعات، فالعلم بلا أخلاق كالشجرة بلا أوراق، أنا الأخلاق التي ينبغي أن تسكن قلب كلّ إنسان وعقله وتفكيره، وأن تكون معه في كل خطوة من خطوات تعلمه، كي يكون علمه نافعًا.


أجابها العلم مستغربًا: وهل يحتاج من يتعلم علومًا واسعة ومتطورةً إلى الأخلاق، ألا تعلمين أنّني أعالج كل الأمور في عقول الناس بالحكمة والمنطق ووفق قوانين مدروسة ومنظمة، فهذا يكفي حتى يبني الإنسان المتعلّم مجتمعه، ويرقى به بعلمه الواسع، وكلما ازداد المتعلم علمًا كلما ارتقت مكانته وصار قدوة لمن حوله.


تبسمت الأخلاق وقالت للعلم: ما رأيك بعالم وصل إلى ذروة العلوم، وأخذ من كل علم بطرف، لكنّه يرفض نشر العلم ولا يريد تعليم الآخرين، هل سيرقى بمجتمعه وحده، وما رأيك بمتعلم ذي معرفة موسوعية شاملة في المواد الكيميائية وتصنيع المتفجرات، ويُوظّف علمه لصنع مواد تبيد البشرية وتقضي على أعداد هائلة من البشر بضغطة زر، هل علمه مفيد؟


رد العلم بحياءٍ وخجل: لقد أقنعتني بكلامك أيّتها الأخلاق الفاضلة، وكما أن العين لا تعلو على الحاجب، فلا يُمكن للعلم أن يعلو على الأخلاق أو أن يتجاوزها، فكلانا مهم لحياة البشر، وكلانا له دور في الحفاظ على الإنسانية، لكنّنا نكمل بعضنا بعضًا، وبتكافلنا في كلّ نفس بشرية سترقى الأمم وترتقي الشعوب، ويعم الأمن والسلام في كل العالم.


قالت الأخلاق: بالعلم والأخلاق يبني الناسُ ملكَهُمُ، وبذلك يُمكن القول إنّ الاتحاد فيه قوة، والتفرق فيه ضعف، فكلما اتّحدنا كان الإنسان بنا أقوى وعقله بنا أغنى، وبتكاملنا تتحقق الحرية لكل الشعوب، ويتخلص البشر من التبعية للآخر، وتلغى فكرة الاستعباد من القوي للضعيف والتسلط من الغني على الفقير ومن المتعلم على الجاهل.


أجاب العلم: صحيح، وبالعلم ستكون الأخلاق أبهى وتصدح بصوتها بقوة وجرأة، وتزداد قوة في إقناع الآخرين، ولا سيّما في عصر السرعة الذي يحتاج فيه كل شيء إلى البرهان والدليل والمنطق، وإذا ما التحمت الأخلاق بالعلم ستكون أكثر إقناعًا وتأثيرًا.

المراجع[+]

  1. "العلم يبني"، مقولة، اطّلع عليه بتاريخ 17/12/2020.
  2. "وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 17/12/2020.