استراتيجيات الإرشاد النفسي

استراتيجيات الإرشاد النفسي


استراتيجيات الإرشاد النفسي

نبذة عن الإرشاد النفسي

علم الإرشاد النفسيّ هو أحد فروع علم النفس، ويمكن القول إنّه الجانب التطبيقيّ لعلم النفس، ويمكن تعريفه بشكلٍ مختصر بأنّه محاولة شخص لمساعدة شخص آخر في فَهم نفسه والعالم، ومساعدته على حلّ مشكلاته وزيادة التكيف لديه، ويُطلق عليه أيضًا اسم "العلاج النفسي".


أمّا بالتّعريف المفصّل فإن الإرشاد النفسي هو عمليّة منظّمة تعتمد على علاقة إنسانية مبنيّة على التفاعل والثّقة بين طرفَين، وهما المرشد النفسي أو الأخصائي النفسي المؤهّل علميًا للقيام بالإرشاد، والمُسترشِد الذي يعاني من صعوبة نفسية ويحتاج إلى المساعدة، وتحدث هذه العملية في ظروف مناسبة ومهيئة للوصول إلى أفضل حل مع المسترشد ليساعده على فهم نفسه والعالم.


استراتيجيات الإرشاد النفسي

إنّ الاستراتيجيات التي يستخدمها المرشد النفسي في عملية الإرشاد متعدّدة، ويمكن أن يستخدم المرشد النفسي العديد من الاستراتيجيات في الجلسة نفسها أو في رحلة العلاج كاملةً، لذا من المهمّ معرفة استراتيجيات أكثر حتّى يستفيد المسترشد بشكل أكبر، ومن أهم الاستراتيجيات المستخدمة الآتي:


استراتيجية التداعي الحر

هي نوع من أنواع التنفيس الانفعالي، وقد اكتشفه العالم فرويد، فوجد فرويد أن التفريغ الانفعالي مفيد للمسترشدين، فلجأ فرويد إلى أن يشجّع المرضى أن يطلقوا العنان لأفكارهم وجعلها تسترسل من تلقاء نفسها، فيُطلب من المسترشد الجلوس على مقعد مريح وفي حالة استرخاء كاملة، والتكلّم في أي شيء يخطر في باله من دون اللجوء إلى إخفاء أيّة تفاصيل حتى لو كانت صغيرة أو مؤلمة أو مخزية ومعيبة من دون أيّ قيد أو شرط.


وقد اكتشف فرويد مفهوم الكبت من خلال هذه الاستراتيجية، فإن الإنسان يميل إلى تجنّب الذكريات المؤلمة، وتذكرها يبدو أمرًا شاقًا على الفرد ويميل إلى كبتها، ولكن من المهم في العلاج إخراج تلك الذكريات؛ لأنّها تؤثر على الفرد حتى لو لم يتذكرها، فإنها تؤثر عليه في اللاوعي، ولكن من عيوبها أنها تأخذ وقتًا طويلًا بسبب التفاصيل الكثيرة التي يقولها المسترشد.[١]


استراتيجية الكرسي الخالي

استراتيجية الكرسي الخالي هي إحدى استراتيجيات العلاج الجستالتي، وقد أثبتت هذه الاستراتيجية قدرتها على العلاج، وتقوم هذه الاستراتيجية على وضع كرسيين متقابلين، أحدهما يمثل المسترشد والآخر يمثّل الجزء السلبي من شخصيته أو شخص آخر هو سبب المشكلة التي يعاني منها.


ويطلب المرشد من المسترشد الحوار مع هذا الكرسي، وقد يقترح بعض العبارات التي يمكن أن يوجهها المسترشد له، فيقولها ويكررها حتى تظهر الانفعالات والصراعات لديه، ثم ينتقل المسترشد إلى الكرسي الآخر الذي يمثل الجزء السلبي ويحاور المسترشد نفسه، ثم يعود لمكانه ويرد على ذلك الجزء السلبي.


ويراقب الأخصائي النفسي هذا الحوار، ويكون دوره هو إدارة ذلك الحوار، وزيادة الوعي لدى المسترشد بنفسه وبالآخرين، ولابد من أن يكون المرشد الذي يطبق هذه الاستراتيجية متمرسًا، وأن يكون المسترشد يمتلك مُخيّلة خصبة وقادر على الحوار، فهي لا تنفع مع المسترشدين الذين لا يستطيعون التخيّل.[٢]


استراتيجية الضبط الذاتي

تهدف هذه الاستراتيجية إلى تغيير سلوك المسترشد بشكلٍ جذريّ باعتماده على نفسه وضبطه لذاته، ولذلك، من أجل تطبيق هذه الاستراتيجية، يجب اتباع خطوتين رئيسيتين، وهما:

  1. فهم وتحديد مفهومين أساسين، أولّهما السلوك المستهدف، أي ما هو السلوك الذي يحتاج إلى التغيير؟ وثانيهما هو العامل المحفّز، أي ما هو العامل الذي يحفّز استمرار هذا السلوك؟
  2. تحديد المسترشد السلوك المُراد تغييره، مع وضع أسباب حدوث هذا السلوك.
  3. العمل على التغيير من خلال ضبط المُثيرات والعوامل المحفّزة التي يحدث بها وبسببها السلوك غير المرغوب، وتغيير البيئة، وزيادة وعي الفرد بنفسه.


وعلى سبيل المثال، إذا كان المسترشد يعاني من سلوك التدخين السيء، وقد يكون العامل المحفّز له هو رؤية الدخان، أو العصبية والتوتر، فيمكن أن يغير المسترشد المثيرات أو العوامل، كالتخلص من التدخين بشكلٍ تامّ، أو التخلص من العصبيّة بالابتعاد عن الأمور التي تُثير غضبه، يتم بعد ذلك مكافأة الذات عند الالتزام بتغيير السلوك.


تضع هذه الاستراتيجية المسترشد في موقف صراع بين رغباته والسلوك الصحيح، فإن انصاع إلى رغباته فإنّه يحظى بتأنيب الضمير ولوم الذّات، ولكن إن استطاع التغيير فإنه يشعر بالسعادة والثقة بالنفس.[٣]


استراتيجية التشكيل

تعدّ استراتيجية التشكيل استراتيجية مهمّة في الإرشاد النفسي عندما يكون الهدف إكساب المسترشد سلوكيات جديدة، ويمكن تعريف عملية تشكيل السلوك بأنها تقسيم السلوك إلى أجزاء صغيرة يسهل تعلمها، وإلحاق كلّ جزء منها بتعزيز إيجابيّ منظم، فيقترب المسترشد شيئًا فشيئًا من السلوك النهائي.


إن مفتاح نجاح هذه الاستراتيجية هو التعزيز الإيجابي الذي يضمن حدوث السلوك الجيد مرة أخرى وزيادة تكراره، حيث يتم تعزيز المسترشد بالسلوك الصحيح، ولا يتم تعزيزه بالسلوك الخطأ، وتسمّى هذه العملية أيضًا بالتقارُب التدريجيّ؛ لأنّ المسترشد يصعد إلى السلوك النهائيّ بالتدريج عن طريق الأجزاء الصغيرة والقريبة للسلوك.


ومن الجدير بالذكر أن هذه الاستراتيجية تُستخدم بكثرة في المجال التعليمي، إذ يمكن استخدامها بفعالية كاملة مع كافة الأعمار لتعليم السلوكيات الاجتماعية والمهنية والحركية المختلفة، كمهارات التواصل، والسلوك التعاوني، وأداء الواجبات المدرسية، وتستخدم هذه الطريقة أيضًا مع طلاب التربية الخاصة وصعوبات التعلم، فهم بحاجة إلى تجزيء السلوك قبل القيام به.


ومن الأمثلة على استخدامها في المجال التعليمي، هو من خلال تعليم المرشد المعلّمين في المدارس طريقة تشكيل السلوك؛ ليقسّم المعلمون الدرس لأجزاء بدلًا من إعطائه دفعة واحدة؛ ليضمن إتقان كل جزء حتى الجزء النهائي، ويتشكّل عند الطلاب السلوك المطلوب منهم بشكل مثاليّ، كما يمكن للمُرشد تعليم أولياء أمور الطلبة لتعليم أطفالهم بهذه الوسيلة. [٤]

المراجع[+]

  1. مركز ديبونو لتعليم التفكر، لأساليب الحديثة في الإرشاد النفسي والتربوي، صفحة 83-84. بتصرّف.
  2. حمدي العظيم (2013)، برامج تعديل السلوك (الطبعة 1)، مصر: مكتبة أولاد الشيخ للتراث، صفحة 44. بتصرّف.
  3. كتاب أساليب الإرشاد النفسي، عبد الفتاح الخواجة، صفحة 60-61-62-63. بتصرّف.
  4. أطفال الخليج ذوي الاحتياجات الخاصة، استراتيجيات تعديل السلوك، صفحة 10. بتصرّف.