صور الإخلاص
الأخلاق الحميدة والقيم والمبادئ هي عماد الحياة القويمة الصحيحة لكل إنسان، وبها يُعرف ويُقيّم، فلا فرق بين إنسان وآخر إلا بالأخلاق والتعامل، وما أكثر الأخلاق الحميدة والصفات الفاضلة التي يمكن للإنسان أن يتحلى بها، وتجعله شخصًا قويمًا معتدلًا، ويصبح قدوة لمن حوله، ومن الصفات التي تزين كل الأعمال وكل الأخلاق الإخلاص، فمعنى الإخلاص هوالصدق في القول والعمل والتصرف، والابتعاد عن الرياء والمواربة والمجاملة، هو أن يكون العمل الذي يقوم به الإنسان خالصًا لله تعالى لا مصلحة فيه ولا غاية إلا رضا الله تعالى.
إنّ صور الإخلاص تتعدد وتتنوع حتى تتيح للإنسان أن يتحلى بالإخلاص في كل ناحية من نواحي حياته، وأولها الإخلاص في القول، فمن المهم أن يكون الإنسان في قوله مخلصًا صادقًا، لا أن يُفصح لسانه بكلام غير الذي يفكر به بعقله أو يدور في قلبه بهدف المجاملة والرياء، بل لا بد من الصدق والإخلاص في القول ولكن بلباقة ودون إيذاء مشاعر الآخرين.
يُمكن أن يتحقّق هذا الأمر عندما يشعر الإنسان دائمًا بمراقبة الله جل جلاله له، وأنّ الله يطلع على كل ما يخفيه الإنسان في صدره، عندها ستتساوى أقواله ظاهرها ومضمرها، ويكون سعيدًا راضيًا عما يقوله ولا يشعر بالذنب أو الندم لأنه لم يكن مخلصًا في قوله وما نطق به، فالإخلاص في القول أمر مهم لا بد أن ينتبه له كل إنسان حتى تستمر الحياة استمرارًا صحيحًا مستقيمًا بعيدًا عن النفاق والرياء.
من صور الإخلاص أيضًا الإخلاص في الأعمال، أن يكون الإنسان في أدائه لعمله واحدًا في حضور الناس أو غيابهم، وذلك أيضًا يرتبط بمدى مراقبة الإنسان لنفسه، وإحساسه ويقينه بمراقبة الله جل جلاله لعباده، واطلاعه عليهم في كل لحظة وسكنة، عندها سيتحقق الإخلاص والصدق في العمل، وإن هذا سيؤدي إلى إتقان الأعمال وتقديمها على أحسن حال، لا سيما إذا ما زرع الإنسان في باله فكرة أن هذا العمل سيُعرض على الله تعالى قبل أي أحد.
عندما تكون الأعمال مُتقنة ويقدّمها أصحابها بإخلاص وصدق، فإن هذا سينعكس إيجابًا على الأفراد والمجتمعات، سيرضى كل إنسان عن عمله ويشعر بالسعادة تملأ قلبه، وستتطور المجتمعات وترتقي بأعمالها وإنتاجاتها واقتصادها وأخلاقها، وسيصير كل فرد في المجتمع قدوة ومثلًا أعلى يُحتذى به، ويشار إليه بالبنان، إضافة إلى أن الإخلاص في العمل سيجلب معه الكثير من الخصال الحميدة كالصدق والأمانة والورع والتقوى.
ممّا يمكن الحديث عنه في الإخلاص، أن يكون الإنسان مخلصًا في تعامله مع المجتمع المحيط به، وأن يكون تعامله صادقًا مع من حوله، فلا يبني علاقاته الاجتماعية على مصالح فردية، ومع انتهاء هذه المصالح يغير تعامله وسلوكه مع الآخرين، بل لا بد من الصدق والتعامل الصحيح الذي أمر به الدين الإسلامي، وأن يكون الحب والود في الظاهر هو نفسه في الباطن، فلا رياء ولا مواربة في ذلك.
درجات الإخلاص
إنّ كل عمل يخلو من الإخلاص فهو بلا فائدة، وكل قول لا إخلاص فيه هو ثرثرة لا طائل منها، فكل تفاصيل الحياة ترتبط بالإخلاص، وكل حركات الإنسان وأقواله وأفعاله لا بدّ أن تكون مرتبطة بالإخلاص والصدق والبُعد عن الرياء، ولما كان الإخلاص من الأخلاق والصفات التي دعا إليها الدين الإسلامي، فإن هذا يدل على عظيم فضل الإخلاص ومكانته عند الله تعالى، وأهميته في قبول الأعمال.
للإخلاص عند علماء الدين مراتب ودرجات قُسّمت بناء على النية التي ينويها الإنسان في عمله، فأول درجة من درجات الإخلاص هي أن يرى الإنسان أن كل عمل يقوم به وينجح فيه ليس بسبب قدرته وذكائه إنما بتوفيق الله تعالى له ورضاه عنه وتفضّله عليه، وأن يترفّع عن طلب المكافأة الدنيوية على عمله وذلك لأنه قام بالعمل مخلصًا لله تعالى، ومن ثم ينظر في عيوبه وأخطائه في العمل الذي قام به، فلا ينظر إلى أنه قام بعمل على أتم وجه بل لا بد له من إتقان أكثر.
الدرجة الثانية للإخلاص أن يقوم الإنسان بعمله على أتم وجه، ويخلص فيه لله تعالى، ويُحسِن للآخرين ويفعل الخير الذي أمر به الله تعالى، إلا أنه يبقى في داخله شعور بالنقص مع أنه بذل قصارى جهده في العمل، لكنه بسبب إحساسه الدائم بمراقبة الله تعالى واطلاعه على ما في صدره، يخشى أن يكون في صدره مثقال ذرة من رياء فيُحاسب عليها في الآخرة، ولذلك يعمل على المثابرة وتدريب النفس على الإخلاص باستمرار.
أما ثالث درجة للإخلاص فهي تتجلى في أن يحقق الإنسان إخلاص العمل بإنهائه وإتمامه على أحسن وجه، وعندها يتأكد أنه كان مخلصًا في عمله، ويُستثنى من هذا الكلام طلب العلم، فإن طلب العلم ينبغي أن يكون فيه الإخلاص مستمر بعدم الخلاص منه، لأن الإنسان إذا توقف عن طلب العلم وظنّ أنه انتهى من مرحلة طلب العلم سيبدأ بالجهل، ولذلك طلب العلم يكون الإخلاص فيه بالمواظبة عليه والنهل منه باستمرار.
مع أن درجات الإخلاص قُسّمت إلى ثلاثة إلا أنّ كل درجة منها لها أهميتها ودورها في حياة الإنسان، ولعل هذا التقسيم لا يعني أن الإنسان يكون في درجة دون الأخرى، بل ينبغي أن تُوزع أعمال كل إنسان على هذه الدرجات، فثمة أعمال ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله ولا يُطلب عليها جزاء ولا مكافأة ولا مال ولا جاه في الدنيا، إنما تُدّخر للآخرة، وأعمال أخرى يُطلب فيها وجه الله ويُبذل الجهد من أجلها ويقوّمها الإنسان باستمرار، وأعمال يُخلص فيها الإنسان بأن يكملها ويتمّها على أحسن وجه.
ثمرات الإخلاص
لما دعا الدين الإسلامي إلى الإخلاص في القول والعمل، فهذا يعني أن للإخلاص مكانة عظيمة، وللمخلصين أجر كبير عند الله تعالى، وذلك لما في الإخلاص من حفاظ على قيم الدين الإسلامي ومبادئه التي نزل بها القرآن الكريم، ونادى بها سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، فكل عمل فيه رياء لا يقبله الله تعالى، بل لا بد من الإخلاص والصدق في كل تصرفات المسلم وحياته، وإنّ ثمرات الإخلاص كثيرة على الإنسان في الدنيا والآخرة.
أول ما يجنيه الإنسان من الإخلاص رضا الله تعالى، وعندما يرضى الله تعالى على عبده المسلم فإن هذا الرضا سيعم كل حياته وأهله وأولاده وعائلته وعمله ورزقه وعبادته، وستكون البركات والخيرات والأنوار هي الملازمة للإنسان المخلص دائمًا، ولا خير ولا فضل أعظم من هذا يرجوه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ومن ثم يعقبه في الآخرة رضا ورضوان وجنات نعيم يعيش فيها منعمًا مكرمًا.
للإخلاص ثمرات بأنه سيجعل الأفراد يعملون ويعيشون بسلام وهدوء وراحة، لأن كل واحد منهم يعلم أن الله رقيب عليه، فسيكون دائمًا في همّة ونشاط لإتمام أعماله وتقديمها على أحسن حال، وهذا سيعود بالخير على الإنسان نفسه أولًا، بأنه سيشعر بالرضا عن ذاته، وسيكون قدوة لأولاده وأصدقائه، ويتعلمون منه الإخلاص في الأعمال، ولأنّهم سيرون انعكاس هذا الإخلاص على حياته، فيصيرون من المخلصين أيضًا.
بعد أثر الإخلاص على الأفراد يأتي دور المجتمعات، فأكرِم بمجتمع يتربع الإخلاص على عرش قلوب أفراده! وما أجمل الصدق والأمانة وهي تزين أخلاق المجتمع، عندها ستتغير مسارات المجتمع كلها، وستصير النجاحات فيه أبهى، وسيكون المجتمع متلألئًا بأفراده المخلصين الصادقين الذين يعملون ويتصرفون ويتعاملون بأخلاق الدين وما أمر به القرآن من الصدق في القول والفعل، والإخلاص في كل تفاصيل الحياة.
ممّا يجدر ذكره أن الإخلاص يحمي الإنسان من ضلال الشيطان، ويبعد وساوسه عن الإنسان، فالشيطان لا يمكن أن يكون له أدنى تأثير على الإنسان المسلم الذي يضع مراقبة الله تعالى نصب عينيه، وينوي بكل عمل يقوم به وبكل كلمة ينطقها، وبكل نظرة ينظرها أن يرضي الله تعالى، ويخلص له في كل حياته، فلا بد أن يكون لحياة الإنسان المخلص الخالية من وساوس الشياطين ونزغاتهم لذة وراحة وطمأنينة يفتقدها غيره من الذين لا يُخلِصون في أعمالهم.
كلما كان الإنسان مخلصًا كلما أبْعدَ عن قلبه المشاعر السلبية والأخلاق السيئة، فالمخلص لا يعرف الحقد أو الكره أو البغضاء، ويبتعد عن الغيبة والنميمة ورمي الفتن وإشعال نار الكره بين الناس، إنما على العكس سيكون صلة خير بين الناس، ويعمل على إصلاح ذات البين، قاصدًا بذلك رضا الله تعالى ومغفرته وعفوه، وبهذا تعم الأخلاق الفاضلة في كل مكان.
إنّ أنواع الإخلاص ودرجاته وثماره أمر لا يمكن التغافل عنه، أو إهماله لا في حياة الأفراد ولا في المجتمعات، فحبذا لو تُزرع بذوره في قلوب الناشئة من نعومة أظفارهم، حتى يشبّوا على خصلة الإخلاص، وينثروا طيبها في كل مكان يحلون فيه.
لقراءة المزيد، ننصحك اخترنا لك هذا المقال: موضوع تعبير عن الإخلاص في العمل.