موضوع تعبير عن فصل الشتاء

موضوع تعبير عن فصل الشتاء
موضوع-تعبير-عن-فصل-الشتاء/

الغيمات تودع قرص الشمس

إنَّ الجو الخريفيّ يبعث في النَّفس سكونًا وراحةً قلَّ نظيره، وها هو فصل الخريف يُعلن آخر جلساته والشمس حزينة؛ لأنَّ ظهورها سيقلّ في الفترات القادمة، هي ستظهر نعم ولكن ليس ككلّ ظهور، ستظهر ضعيفةً لا تقوى على تدفئة أحد كرجل ناهز السّبعين من عمره وهو يأمل حُسن الختام، استلقى رائد على العشب في حديقة منزلهم وبدأ يتأمّل الغيمات التي تعتلي السّماء، وكان يُشكّل الغيمات كما يشاء ويهوى، فمرّة تكون على شكل حصان وأخرى على شكل غزال.


كان رائد يتخيّل غيوم نهاية الخريف وبداية الشتاء كما تهوى نفسه، وما لفت نظره أنّ جميع غيوم السماء بدأت تتجمّع حول الشمس بطريقة مُذهلة فكانت كقطع القطن الصغيرة أو كالخراف التي وجدت طعامًا لها، أتراها تُودّع قرص الشمس؟ ولم لا فالغيوم والشمس حبيبتان حميمتان جدًا تراهم كم قضوا أوقاتًا في السماء معًا وفي فصل الربيع حين يُلاعبوا بعضهم بعضًا فتارة تقدم الغيمة على إخفاء الشمس بحيلة منها، وتارة تقوى الشمس على الظهور رغم وجود الغيمة الحلوة.


لكن الآن حان وقت الفراق إذ في هذا الفصل ستغلب إحدى الصديقتين على الأخرى، وستظهر الشمس ضعيفة ويكون الغيم هو سيد الموقف، أمّا في فصل الصيف فالأمر مختلف تمامًا فحينها تغلب الشمس الساطعة الغيوم الباردة، هكذا هي الحياة دائمًا فيها غالب مغلوب، والفراق يعتلي سدة الحياة إذ لا وجود للقاء الدائم بل الحياة كلّها مُقسّمة ما بين وداع ولقاء.


أمسك رائد دفتر الرسم وبدأ برسم عدّة خطوط مُحاولًا تشكيل الغيوم على ورقته مُتجمّعة حول الشمس كما يراها، وبدأ بإمساك اللّون الأصفر وتلوين الشمس ولكنَّه اختار أن يُلبسها لونًا خفيفًا فهي ليست ساطعة على عادتها، ولمَّا أراد تلوين الغيوم كيفَ سيُلوّنها والورقة في أصلها تمل لونًا أبيضًا، فكّرَ قليلًا وأمسك بيده القلم الأزرق وبدأ بتلوينها فالغيمة هي رمز العطاء والماء، وما زالت الغيوب ترسل قُبلها مُودّعة الشمس محتفيةً بها تتأمل لقاءها في فصل الربيع والخريف.


قطرات الماء تنام على النوافذ

تجمّعت الغيوم أكثر وغطّت الشمس بأكملها وتلبَّدت حتى مال لونها إلى السواد وبدأت قطرات المطر تتناثر على عشب الحديقة مُعلنةً قدوم فصل الشتاء، اليوم الشتويّ هو من أروع الأيام دون أيّ مُنازع، فهو يحمل مشاعر عديدة ويُعطي كلًّا ما يريد منها، الحزين لا يُخيّل إليه سوى أنّ السماء تبكي ويبدأ شريط الذكريات بالمرور أمامه وكأنّه يُشاهده للمرّة الأولى، ثم تُشارك عيناه الغيوم في هطولها وتتسابق الدموع والأمطار أيّها سيكون أغزر وأكثر، أمَّا الطفل فلن يكون له الشتاء سوى لعية أخرى من ألعابة فهو يقفز ويقول: "اليوم يوم الشتاء.. اليوم يوم الماء.." ويُكمل أغنيته وهو محمرّ الأنف يتأمّل في بديع ما صنعه الله للعالمين.


ها هي مياه الأمطار تتجمّع على الأرض تأخذ طريقها إلى المجاري، وازدادات الأرض لمعانًا بذلك الماء الصافي الذي هطل عليها، الآن لا مَهرب من الأمطار سوى تحت سقف البيوت، إنَّ وصْف يوم ماطر أشْبَه بوصف لوحة لا يعرف أوّلها من آخرها فللشّتاء قداسته التي لا تُوصف، وهو وحده الحب كلّه والسكون كلّه والأمان كلّه، الشتاء أشْبه بالأمّ الحنون التي تكتنف بين يديها ولدها الذي حملته في رحمها تسعة أشهر.


الشتاء هو أمٌ الجميع إلّا الرجل الفقير لا يصلح أن يكون الشتاء أمًّا له، فالشتاء للفقير هو الجلّاد القاسي الذي لا يتمنّى قدومه حتى، فلو كان مُتسوّلًا فسيقف على قارعة الطريق يرتجف من حبّات المطر التي لن ترحم ضعفه وكأنَّها ما نزلت إلا لتُؤدّبه، وهو لن يقوى على مصاريف الشتاء التي ستُنهكه وتُنهك عائلته، فالتدفئة في هذا الفصل ليست مجانية أبدًا، بل تجتاج إلى الوقود الذي سيكون دمه لو لم يستطع تأمينه.


انتهى المطر الجميل ونامت حبَّاته على النوافذ لتستمع إلى قصّة كلّ بيت وكلّ عائلة وكيف كان وقْع ذلك اليوم عليهم، ستمرّ تلك الحبات على الفقير والغنيّ والرئيس والملك والخادم والعبد والحيوان والنبات والأرض والأشجار والأثمار، ولكن لكلٍّ وجهته في تخيُّل تلك الحبّات والنّظر إليها، فشاء المرء أم أبى ستحمل تلك الحبات قطعة من تفكيره وستعود إليه يومًا ما، ولكن رُبّما يكون قد تغيّرت حاله أو تغيّرت أفكاره في ذلك الوقت.


طقوس العائلة في فصل الشتاء

تختلف كلّ عائلة عن غيرها في طقوس ذلك اليوم التاريخيّ فموسم الشتاء يختلف عن غيره من المواسم، ولو خطر في بال أحدهم ماذا نفعل في فصل الشتاء؟ لكانت الإجابات كثيرة جدًّا وذلك تبعًا لكلّ عائلة، أمَّا عائلة رائد فلها طقوس مُختلفة عن باقي العوائل بعض الشيء، فعندما تبدأ الأمطار بالهطول تبدأ المدينة بإغلاق جميع أبوابها، والمحال التجاريّة تغلق من فورها، ويعود النَّاس إلى بيوتهم مُبلّلين بالماء يرتجفون.


تتجمّع العائلة بأكملها حولَ الموقد الشتويّ يتدفؤون ويتسامرون ويتبادلون أجمل الكلام، فالحياة الشتويّة تحتاج إلى ألفة كبيرة تُدفئ القلوب قبل الأجساد، ويحكي الموقد كثيرًا من الحكايا عبرَ النّيران التي تتطاير منه واللّهب الذي يتصاعد، الحياة الشتوية لا تزدان إلّا بالعائلة، ثم تذهب الأخت الكبرى إلى صُنع الشاي ووضعه في الأكواب الكبيرة علَّ حرارته تُساعد في إطفاء البرد الذي تشعر به الأجساد.


الصّقيع في تلك البلدة لا يُشبه صقيعًا آخر ولو أتت العاصفة فسيكون الأمر أكثر صعوبة، ولو طُلب وصْف العاصفة القويّة في الشتاء فلا تعبير أدقّ من كوْنها أسدًا يزأر في مكان خالٍ لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فتتكسّر الأرض وربّما قد تقع الجدران غير المدعّمة بشكلٍ جيّد وتنهار الأسقف على رؤوس أصحابها ذلك لو لم تكن قويّة وصلبة، العاصفة تمنع الجميع من الخروج من بيته وهي مأساة أكثر من كونها نعمة على الجميع، الشتاء هو فصل الخيرات على كثيرين ولكن قد يكون نقمة على فئة قليلة من الناس بسبب ظروفهم السيّئة.


ما أحلى الشتاء لو كانت الجدّة في بيت ابنها تُضفي على البيت ما لم يستطع الأب أو الأم فعله، فيأوي الأحفاد إلى غُرفتها وتحكي لهم الحكايات الشّائقة التي تبعث في قلوبهم أملًا وهم يتخيلون أحداث سندريلا مع الأمير، وقد تتطرّق الجدّة إلى حكايات أخرى عن المارد مع علاء الدين والأميرة ياسمين، فيغفو الأطفال وخيالهم ينسج تلك الصور الجميلة وتكاد أناملهم تلمس ما عجزوا عن رؤيته عيانًا.


الشتاء فصل الراحة لِمَن ينشدها فيه، فصل العزلة لِمَن أراد ذلك، وفصل البكاء لِمَن زاد المطر دموعه، هو فصل الجميع فصل الذاكرة والماضي والمستقبل والحاضر، فصل الأحزان والآلام والانتظار، فصل التوقُّعات، فصل كلّ تناقُض وفصل الأيام القادمة، إنّه فصل كلّ شيء ولا شيء في آن واحد.


لماذا نحب فصل الشتاء؟

تُرى ما هي الأسباب التي تجعلنا نحبّ فصل التناقضات، وبماذا يتميّز فصل الشتاء؟، الإجابة ببساطة إنّ على الإنسان أن يعيش جميع الأيّام التي كتبها الله عليه، حيثّ يتعمّد كثير من العائلات إلى الخروج إلى الجبال في فصل الشتاء، ووصْف الجبل في فصل الشتاء يبعث في الروح نشوة لا تُضاهيها أيّ نشوة أخرى، فيتمتّع النَّاس بالتزلُّج والرّكض واللّعب بكرات الثلج وتقاذفها بين أفراد العائلة.


ثم يذهبون إلى اصطياد السمك ويَشوونه على الثّلج ويا لها من رائحةٍ رائعة تغيب النفس فيها، وأمَّا عند تناول أول لقمة من السمك المشويّ فهي الجمال كلّه والحلاوة كلّها، ولكنَّ الجبال لا تخلو من مخاطر الوحوش مثل الدب الضخم؛ لذلك فعندَ الذّهاب إلى مِثل تلك الأماكن يُفضّل النّاس أن يبقوا مع بعضهم في تجمُّعات، ويتسلّحون في بعض الأوقات بعصى يحملونها دائمًا أو ببارود صيد، كذلك فإنَّ الذئاب تُشكّل خطرًا لا بأس به في تلك المنطقة، ومع ذلك كلّه تبقى الرحلة إلى الجبال في الشتاء مَلاذًا لكلّ الناس.


إنّنا نُحبّ فصل الشتاء لأنّه فصل الخيرات، فالأرض تتغذّى بالأمطار ليكون الموسم القادم خيرًا عليها، وكذلك فإنَّ الشجرة تحتاج إلى أن تتعرّى من أوراقها حتّى تنبت أوراقًا جديدة تُساعد الثّمار على النُّضوج بشكلٍ جيّد، وتُكثر الأمّهات في هذا الفصل مِن طهي الحساء الذي يُحبّه الجميع، وهو حساء الأرز مع العدس الذي يُساعد بشكل كبيرٍ على تدفئة الأجسام، إنَّ فصل الشتاء لا يُعدّ فصلًا من فصول السنة فقط، بل هو فصل المشاعر والأحاسيس التي تتفجّر في هذه الأيَّام دونًا عن غيرها، إنَّه فصل كلِّ شيء جميل، وكم أتّمنى أن يمدّ الله في عمري إلى الشتاء القادم لأعيش كلّ تلك التفاصيل التي تسرّ القلوب والنُّفوس والألباب.