
- ذات صلة
- نص وصفي عن الأب
- تعبير عن الأب
وصف الأب
خلق الله الأب وخلق معه الرحمة والقوة، حيث إنّه سند لأبنائه عند الحاجة والحبيب الأول، والقدوة الأكبر لهم، فهو يعيش كوردة تنمو وتكبر مع الأيام، وابتعاده عن أبنائه ابتعاد عن الحياة، وقد تحدّث القرآن عن مكانته وأوصانا ببره، وقد أكثر الشعراء في الحديث عن مكانته في قلوبهم، بالإضافة إلى أنهم رثوه بأجمل المراثي التي تفيض حبًّا وحزنًا على فقدانه، يقول الشاعر أبو القاسم الشابّي يرثي أباه:[١]
مَا كنتُ أَحْسبُ بعدَ موتكَ يا أَبي
- ومشاعري عمياءُ بالأَحزانِ
أَنِّي سأَظمأُ للحياةِ وأَحتسي
- مِنْ نهْرِها المتوهِّجِ النَّشوانِ
وأَعودُ للدُّنيا بقلبٍ خافقٍ
- للحبِّ والأَفراحِ والأَلحانِ
إذا أردنا وصف الأب، فإنّ اللغة بعظمتها لا يمكنها أن تفيه حقه، وستنفد حروفها وكلماتها قبل الحديث عن صفة واحدة فيه، فإذا تكلمنا عن حنانه، سنجده مليئًا بالحب والقوة التي يزرعها في قلوب أبنائه، وهو دائم لا يفنى ولا ينقطع، يغمرنا به حتى نشعر أن دنيانا لا تمتلئ إلّا بهذا الحنان، فلا أحد يعوض عنه أبدًا، ونخص بذلك حنانه على ابنته، حيث إنّه يميل دومًا إلى العطف على البنات منطلقًا من وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فيملأ روحها وقلبها به حتى تصبح رقيقة جميلة مليئة بالحياة، ولذلك فإن فقدان حنانه وهو حيّ بابتعاده لسفر أو قضاء حاجة، يجعل القلب خاويًا مليئًا بالألم والشوق.
ثم إنه ضلع لأبنائه، وهوالكتف الذي يحُطّون عليه رحالهم وبؤس أيامهم، فإذا احتاج أبناؤه شيئًا بثّ كل طاقة العالم فيهم، وإذا تألم ابن كان هو العون الأول له، وإذا بكت ابنة كان هو الملجأ الآمن لها، وهو الشخص الوحيد الذي لا يتذوق معنى السعادة إلّا إذا رأى السعادة تشع من قلوبهم، وهو الذي يبذل كل طاقته حتى يُحافظ على تماسك أسرته ويبنيها على أساس من المحبة والود، ويسعى جاهدًا ليحقق أحلام أبنائه ويجعلهم خيرة الناس.
حبه هو الحب الوحيد الذي يكون دون مقابل وبلا حد، وعندما يموت أو يبتعد عن أبنائه، يشعرون أنهم فقدوا جزءًا كبيرًا منهم، فإن غيابه كغياب الضلوع. وهو الأمان والطمأنينة لأولاده، فيكفي وجوده حتى يشعروا بأنهم آمنين مطمئنين، فهو سكينة تحل على أيامهم إن أتاهم الخوف، وهو كالثوب الدافئ إن أصاب قلوبهم برد الشتاء، فلا يمسهم بعد ذلك خوف ولا برد، وكلامه كنسمة عليلة تريح القلب إن جاءته الرياح العاصفة، أو جاءته موج الآلام من كل مكان.
أخيرًا، إنّ الأب هو البطل الخارق في حياة أبنائه، وهو المثال الحسن الذي يسعون أن يصيروا مثله في حياتهم، فحفظ الله الآباء من كل مكروه وشرّ.
واجبات الأب اتجاه أبنائه
إنّ الله عندما خلقنا جعل لكلّ شخص منّا حقوقه وواجباته، والتي ينبغي عليه أن يؤديها على أكمل وجه حتى يتحقّق التوازن، ومن هنا فقد جعل للأبناء حقًّا على آبائهم، حيث إنّه إذا قام الآباء بواجباتهم تجاه أبنائهم فإنّ ذلك سيُسهم في بناء الأسرة المتماسكة، وبالتالي بناء المجتمع كما يجب.
إن واجبات الأب اتجاه ابنه تكون قبل ولادته حتى، فمن اللحظة الأولى التي يعيش فيها الطفل في بطن أمه يكون حقه على والده ألا يغذّى بالحرام، فيحرص على أن يغذيه من الحلال ومن عرق جبينه، ثم عندما يولد الطفل يكون له حق في حسن اختيار اسمه، فلا يختار له اسمًا قبيحًا، وذلك لأنّ الاسم يرافق الإنسان في حياته كلها، فلا يعرّض ابنه للاستهزاء أو السخرية دون وعي منه.
من حقّ الابن على أبيه أيضًا أن يُحسِن اختيار أمه، وذلك لدور الأم الكبير في تربية الأبناء، فإن لم تكن صالحة سينشأ الأولاد على الفساد منذ الصغر، ويجب عليه أيضًا أن يعدل بين أبنائه فلا يميز بينهم، كأن يُحسن لأحد ويسيء للآخر، وعليه أن يوفّر لهم جوًّا أخويًّا مليئًا بالحب والحنان، فيجعلهم كالجسد الواحد والروح الواحدة.
ثم إنّ من أهم واجباته تجاه ابنه أن يعلّمه ويؤدبه ويُحسن تربيته، فيزرع فيه منذ الصغر الأخلاق الحميدة وينهاه عن قبيحها ويكون له قدوة في ذلك، فلا يكون كلامه نظريًّا دون فعل، كأن يُربّي ابنه على خلق الصدق ثم يكبر الابن وإذ إنّ أباه كاذب، ويجب عليه أن يعلمه ما ينفعه في دينه ودنياه ويبذل جهده في سبيل ذلك، فيعلمه القرآن ويرسله للمدرسة حتى يطلب العلم.
من حقّ الابن عليه أن يُحسن معاملته، فلا يؤذيه أو يضربه، وإنما يحرص على أن ينهاه عن الخطأ باللّين والرفق، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لو لم يكن رفيقًا لابتعد الناس عنه ولما قبلوا دعوته، فما يأتي باللين والرفق في دقيقة واحدة لا يأتي بـالعنف ولو استمر ألف سنة، وحتى إن اضطر لأن يضرب ابنه فلا يكون ضربًا مبرحًا، وإنّما يحرص على الرفق فيه قدر المستطاع.
يجب عليه أيضًا أن يُنفق على أبنائه ويوفر لهم المأكل والمشرب والملبس، ويُؤمّن لهم سكنًا آمنًا دافئًا، فلا يجعل أيديهم تُمَدّ إلى غيره، وإنّما يكفيهم عن سؤال الناس، وعليه أن يتذكر أن القرش الواحد الذي يأتي بالحلال خير من الألف الذي يأتي بالحرام، فلا يطعمهم إلا بما يرضي الله تعالى، وذلك حتى يقوى عودهم ويشتد، ويستطيعون الاعتماد على أنفسهم.
أخيرًا، إنّ الأب الذي يُحبّ أبناءه سيحرص على أداء واجباته على أكمل وجه دون تقصير، ودون أن يقول له أحد افعل كذا أو كذا، لأنّ الحب الصادق يصنع المعجزات.
واجبات الأبناء اتجاه الأب
إنّ الله قد جعل للوالدين على أبنائهم حقوقًا عظيمة، فقد قرن رضاه برضا الوالدين، والأب هو أحد هذين الوالدين الذي يجب علينا أن نطيعه حتى يرضى الله عنا، فقد قدّم تضحيات لأجلنا، وهو الذي اقتطع من سعادته ووضع في قلوبنا، وهو الذي لو استطاع لجلب لنا الدنيا وما فيها، فكيف يعق المرء أبيه بعد كل ما فعل؟ يقول الشاعر عمر اليافي عن برّ الوالدين:[٢]
كَمْ جَرّ بِرّ الوَالِدَي
- نِ فَوائِدًا للمَرْءِ جَمّةْ
مِنْهَا رِضَا الله الّذي
- يَكْفِي الفَتَى مَا قَدْ أهَمّهْ
وَأخُـو العُقُوقِ كَمَـيّت
- قَدْ صَارَ في الأحْيَاءِ رِمّةْ
إنّ من أهم واجبات الابن تجاه والده أن يبرّه ويطيعه، فلا يرفع الابن صوته فوق صوت أبيه، ولا يكون حديثه سيئًا غير لائق بمكانته وهيبته، فيحترمه ويحترم كلامه فلا يستهزء به، ويحرص على أن يكون لبقًا في أفعاله، وعليه أن يستجيب لمطالبه، فلا يرفض له طلبًا إن لم يكن في معصية الله، فإن كان في معصية الله وجب عليه حينئذٍ أن يصاحبه بالمعروف، قال تعالى: "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا"[٣]، ويجب على الابن أيضًا أن يعطف ويحن عليه خاصة عندما يصبح كبيرًا، وذلك لأنّ الإنسان عندما يكبر يعود طفلًا يتأذى من أصغر الكلمات.
من واجبات الابن أيضًا، أن يُنفق على والده إن كان غير قادر على أن يعيل نفسه، وأن يؤمن له كل احتياجاته، وأن يكفيه عن سؤال الناس، وألا يشعره بأنه محتاج إليه، وإنما يحافظ على كرامته ويعطيه بطيب نفس منه، فقد بذل هذا الوالد الكثير من أجل ابنه، فمن أبسط حقوقه أن يرد له جزءًا من تعبه وقت حاجته، وعلى الابن أن يعلم أن هذا ليس تفضّلًا منه، وإنّما واجب عليه أن يؤديه على أكمل وجه.
من حقّ الأب على ابنه أن يجد نتيجة جهده وتعبه فيه، فلا يجلب له السمعة السيئة بسوء فعله، فيحرص الابن على التحلّي بـالأخلاق الحميدة التي ربّاه عليها منذ طفولته، ويحرص على أن يجعله يفخر به، ويجد الثمر للشجرة التي تعب في زراعتها.
يجب على الابن أن يحترم أصدقاء ومعارف والده، فإنّ احترامهم يُعَد من البرّ، وأن يقضي حاجاتهم ويساعدهم في أمورهم، وألّا يُؤذيهم فيتأذّى والده، وذلك لأنّ الشخص يغضب ويتأذّى إن مسّ أحبابه أي سوء أو ضرر. ولا تكون حقوق الوالد على ابنه في حياته فقط، وإنّما له حقوق عليه حتى بعد وفاته، فعلى الابن أن يحرص على الدّعاء له باستمرار، وأن يذكره بالخير بين الناس ويحرص على نشر فضائله، وأن يتصدق عنه قدر الإمكان، علّه يُوفيه جزءًا يسيرًا من حقّه.
أخيرًا، إنّنا لا نعرف قيمة الأشياء إلّا عندما نفقدها، فلنحرص على تقدير آبائنا وبرّهم، قبل أن تأخذهم الدنيا منهم ونقتل أنفسنا حسرة على ذلك، فيكون قد فات الأوان، فلا تزال الفرصة موجودة أمامنا الآن.
لقراءة المزيد عمّا قيل في الأب، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أجمل ما قيل عن الأب.
المراجع[+]
- ↑ "ما كنت أحسب بعد موتك يا أبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
- ↑ "من برّ والده وأمه"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 19/12/2020. بتصرّف.
- ↑ سورة لقمان، آية:15