محتويات
نشأة النظام الرأسمالي
من هو أول من صاغ تعريفًا للرأسمالية؟
تعود نشأة النظام الرأسمالي إلى تاريخ نشأة وتأسيس الأسواق الحرة؛ وذلك لأن النظام الرأسمالي يقوم على أساس اقتصاد السوق الحر، ووضع علماء الاقتصاد في العصور الحديثة تعريفًا للسوق الحر؛ وهو السوق القائم على نظم التبادل الحر للموارد المختلفة، وإن كانت ضئيلة، ويكون ذلك بين ذوي الحقوق المحددة، ويتم الاتفاق على طبيعة هذه الحقوق بشكل مسبق، وفق عقد محدد، وتكون مضمونة بشكل كامل ويمكن للأطراف التنازل عنها في حال أرادت ذلك، ويجب التأكيد على أن ضرورة ضمان الحقوق تعد شرطًا أساسيًا لتحقيق الثروة؛ وذلك طبقًا لما ورد في علم الاقتصاد الحديث.[١]
صاغ المؤرخ وعالم الاقتصاد دير دري ماكلوسكي شروط التعامل في السوق الحر بشكل دقيق، واستطاع أن يقنع فيه باقي رواد علم الاقتصاد، وأكد على ضرورة الحاجة إلى صياغة منظومة أخلاقية لتنظيم العلاقات في السوق الحر، أما مفهوم الرأسمالية، فقد تتبع المؤرخ والمتخصص في علم الاجتماع فرناند براودل مصطلح رأس المال في الفترة الممتدة بين القرن الثاني عشر الميلادي والقرن الثالث عشر الميلادي، ويعد فرناند براودل أول من قام بهذه المهمة.[١]
وكان يتم استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى مخزون السلع، والودائع، وكذلك المبالغ المالية التي يتم إضافة فائدة لها في ذلك الوقت، ولكن تم استخدامه في فترة لاحقة للدلالة على مدى الجشع المتفشي بين الطبقات التجارية في المجتمع الحديث، وأصبحت دلالتها سلبية إلى حد بعيد.[١]
وعرف لوي بلان عالم الاجتماع الفرنسي الرأسمالية على أنها "استيلاء البعض على رأس المال واستئثارهم به، وحرمان الآخرين منه"، واستخدم العالم والفيلسوف كارل ماركس مصطلح "طريقة الإنتاج الرأسمالية"، وتلاه العالم فرينر سومبارت، الذي يعود له الفضل في إشاعة مصطلح الرأسمالية بين أوساط العلماء والفلاسفة، وذلك من خلال كتابه الذي صدر عام 1912م والذي يحمل عنوان الرأسمالية الحديثة، واعتبر الفيلسوف الإنجليزي فريدريك إنجلز وهو الذي كتب كتاب رأس المال بالتعاون مع كارل ماركس أن سومبارت هو المفكر الوحيد الذي فهم فلسفة كارل ماركس بشكلها الصحيح، وأصبح فيما بعد من كبار المعادين للرأسمالية ووقف إلى جانب الاشتراكية والنزعة القومية المرتبطة بالنازية فيما بعد.[١]
الأسباب المباشرة لظهور النظام الرأسمالي
لماذا ظهرت الرأسمالية في أوروبا أولًا؟
يعود نشأة النظام الرأسمالي إلى تاريخ أوروبا الحديث، وذلك لبداية ظهور الآلة البخارية، وبداية الانتقال إلى حقبة الصناعة بدلًا من الزراعة والإقطاع، وهناك أسباب مباشرة أدت إلى ظهور النظام الرأسمالي في أوروبا، أهمها:
بداية الانتقال إلى الحقبة الصناعية
فقد ظهرت مصانع السكر في أوروبا وتحديدًا في إنجلترا، في أطراف المدن، وكان السكر من المواد التموينية الأساسية التي تحظى بالطلب في معظم دول العالم، ونتيجة لحركة العرض والطلب، زادت الحاجة إلى وجود نظام اقتصادي، يقوم بتنظيم العلاقة بين صاحب رأس المال وباقي أفراد السوق الحر.[٢]
ارتفاع أجور العبيد
في نهاية عصر العبودية، حاول أصحاب رؤوس الأموال استيراد العبيد للعمل في مصانع السكر وتطويرها، ولكن كانت أجور العبيد قد ارتفعت، مما أدى إلى العمل على تطوير الآلات لتسد محل العمال، والعمل على إيجاد مصادر دخل بديلة، وذلك لارتفاع الإنفاق على مهمة تطوير الآلات، فكانت زيادة الثروة عن طريق الاقتصاد الرأسمالي هي الحل البديل.[٢]
تطور النظام الرأسمالي
كيف تطور النظام الرأسمالي؟
تطور النظام الرأسمالي بشكل كبير في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وذلك بالتزامن مع تأسيس دولة الولايات المتحدة في أمريكا، وازدهار التصنيع ليصل إلى القمة في دولة إنجلترا، فقد استمر العمل على تطوير قطاع الزراعة وقطاعات أخرى مثل التجارة وغيرها مدة طويلة تصل إلى قرنين تقريبًا، فكانت النتيجة أن تصل الدولة إلى اقتصاد قوي ومتين قائم على السوق الحر، وكان الاقتصاد البريطاني واقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية من أهم النماذج التي تمثل النظام الرأسمالي في القرن العشرين، وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين.[٣]
بالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت مستَعمَرة من قبل القوات البريطانية وخسرت بريطانيا فيما بعد مستعمراتها في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن الاقتصاد البريطاني لم يتراجع كثيرًا وذلك لاستمراره في المحافظة على باقي المستعمرات دول أخرى، ويربط الباحثون بين الاقتصاد الرأسمالي والحركات الاستعمارية التي قادتها الدول العظمى مثل بريطانيا وفرنسا.[٣]
خصائص النظام الرأسمالي
ما هي أهم مميزات النظام الرأسمالي؟
يتميز النظام الرأسمالي عن باقي الأنظمة الاقتصادية بمجموعة من الخصائص، أهمها:
الملكية الخاصة
تعد الملكية الخاصة من أهم الخصائص التي تميز النظام الرأسمالي، وتتسع دائرة الملكية الخاصة لتشمل إمكانية الفرد أن يتملك وسائل الإنتاج مثل المصانع الضخمة، ويجب على الدولة أن تصون هذا الحق في كل زمان ومكان ومن خلال الإمكانيات المتاحة، ولا يحق لأي شخص أو أي جهة مصادرة هذه الأملاك إلا بشكل قانوني.[٤]
إعلان النظام الرأسمالي نهاية حقبة الإقطاع
كان النظام الإقطاعي هو النظام السائد قبل أن يتشكل النظام الرأسمالي، ويتشكل المجتمع فيه من طبقتين هما طبقة مُلاك الأراضي، وهي طبقة ثرية جدّا أما الطبقة الأخرى فهي طبقة الفلاحون وهم الفقراء ويعملون لكسب قوت يومهم، ويرى علماء الأنثروبولوجيا أن الحقبة الرأسمالية هي الحقبة التي تلت حقبة الإقطاع، وذلك بحسب نظرية التطور الاجتماعي، وتقوم على أساس إتاحة الفرصة للجميع للمنافسة في السوق الحر دون تفاوت.[٤]
قد يهمك معرفة خصائص أكثر للرأسمالية، اقرأ مقال: خصائص النظام الرأسمالي.
أسس النظام الرأسمالي
ما هي مبادئ النظام الرأسمالي؟
قام النظام الرأسمالي على مجموعة من المبادئ التي تشكل الأساس للاقتصاد الرأسمالي، أهمها:
الليبرالية
تعرّف الليبرالية على أنها من أهم الحركات الفلسفية التي تنادي بحرية الفرد، واعتبار الفرد هو الأساس في النظرية السياسية الحديثة، ومن أهم الحقوق التي تؤكد الليبرالية عليها، حق التملك، الذي يعد أساس النظام الرأسمالي، وأكد الفيلسوف جون لوك والذي يعد من يعد من أشهر فلاسفة الفلسفة الحديثة، بأن التملك حق أساسي للفرد، ولُقب جون لوك بأبو الليبرالية في العصور الحديثة؛ وذلك نظرًا لمدى إصراره على ضرورة الحرية الفردية، وعلى رأسها الحرية الاقتصادية.[٥]
ويعد المتخصصون في تاريخ الفلسفة جون لوك من كبار الفلاسفة الرأسماليين، فقد ربط بين نظرية العقد الاجتماعي ونظرته للعمل الفردي، فالملكية الخاصة ليست سوى ثمرة للعمل الفردي وللجهد الذي بذله الإنسان في عمله.[٦]
استخلاص فائض القيمة
إن فائض القيمة من أهم المصطلحات المستخدمة في علم الاقتصاد، ويعرف فائض القيمة على أنه القيمة المضافة إلى عمل العمال، والتي يحق لصاحب رأس المال التصرف بها،[٧]ويعد استخلاص فائض القيمة من المبادئ التي تقوم عليها الرأسمالية، فمن حق صاحب رأس المال أو صاحب المصنع أن يستأثر بالفائض لوحده، وقد عد بعض علماء الاجتماع وعلما الاقتصاد أن هذا قمة الاستغلال؛ وذلك لأن أجور العمال قليلة جدًا مقارنةً بما يأخذه صاحب رأس المال وهو لم يبذل أي مجهود، وتعود له الأرباح لأنه فقط صاحب رأس المال [٤]
أشكال النظام الرأسمالي
ما هي أبرز النظم الرأسمالية في الفلسفة السياسية؟
إن النظام الرأسمالي على عدة أشكال ونظم، تم تحديدها وفق ما ورد في كتب الفلسفة السياسية والاجتماعية، إضافة إلى كتب علم الاقتصاد، أهمها:
الرأسمالية الدولة
وتسمى أيضًا برأسمالية الدولة الاحتكارية لدى بعض النقاد، وتعد أبرز أشكال الاقتصاد الرأسمالي، فتتحول في ظلها المشروعات الرأسمالية الخاصة إلى مشروعات الدولة، وتوضع الأمور الاقتصادية تحت سيطرة الدولة، ويرى بعض علماء الاقتصاد أن هذا ليس بالاحتكار وإنما هو أمر طبيعي ولا يجوز تسميته بالاحتكار.[٤]
رأسمالية الدولة الإمبريالية
يتميز هذا الشكل من الرأسمالية أنه ذروة التطور في المجتمع الرأسمالي، وذلك لأن هذا الشكل يمثل اندماج المشاريع الرأسمالية الضخمة في أركان الدولة، وينتج عنها تشكل الطبقة البرجوازية العُظمى في المجتمع الرأسمالي، والتي تمتلك ثروات ضخمة، وتصبح كل أركان الدولة تابعة للنظم الاقتصادية الرأسمالية، والهدف من ذلك هو تحقيق أعلى مستوى من الأرباح أو فائض القيمة.[٤]
دعاة النظام الرأسمالي
من هو آدم سميث؟
عاش آدم سميث عاش في الفترة (1723–1790م) ويعد من أهم الفلاسفة وعلماء الاقتصاد في العصور الحديثة، ويعد كتابه الذي يحمل عنون "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم" من أهم الكتب في تاريخ العلوم الاقتصادية، ومن خلاله قام آدم سميث بتغير النمط التقليدي في الفكر الاقتصادي، وأكد آدم سميث في كتابه أن معيار قياس ثروة الأمة ليس مقدار ما تمتلك من مواد خام وثروات وذهب في خزائنها، وإنما قدرتها على الإنتاج والتنمية الإنتاجية والتبادل التجاري في الأسواق، وأحدثت هذه الفكرة قطيعة مع الإرث الذي خلفه علماء الاقتصاد السابقين لآدم سميث.[٨]
عيوب النظام الرأسمالي
ما هي أهم الانتقادات التي وُجهت إلى الاقتصاد الرأسمالي؟
صاغ الفيلسوف كارل ماركس وفريدريك إنجلز النظرية الاشتراكية، التي كانت بمثابة رد على النظرية الاقتصادية الرأسمالية، ووجها لها العديد من الانتقادات أهمها:
استئثار الطبقة البرجوازية بملكية وسائل الإنتاج
يعدّ النظام الرأسمالي نظامًا طبقيًّا مقارنةً بالنظام الاشتراكي والشيوعي، وهذا أمر جعل من الرأسمالية تتعرض لانتقادات كبيرة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وأكد ماركس وإنجلز على أن قمة التأزم في النظام الرأسمالي ستؤدي بشكل حتمي إلى صراع طبقي،[٩] وسينتج عنه اتحاد العمال في تنظيم سياسي أُطلق عليه الحزب الشيوعي، ونظم ماركس وإنجلز مجموعة من المبادئ الاقتصادية والتي ستحل بشكل حتمي مكان المبادئ الرأسمالية، وهذه المبادئ جاءت على شكل برنامج يسمى برنامج النقاط العشر، وهي:[١٠]
- تأميم الأرض والملكيّة العقارية، وأي استئجار هدفه المصلحة العامة.
- إلغاء حق التوريث.
- فرض ضريبة دخل تصاعدية.
- مصادرة أملاك كلّ مَن هاجر أو ثار على الدولة العمالية.
- تأميم البنوك، من خلال مصرف وطني رأسماله الدولة،.
- تأمين وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة، ومركزتها في يد الدولة.
- توسيع ملكية الدولة للمصانع وأدوات الإنتاج.
- مساواة كل العمال.
- توحيد الصناعة والزراعة لمحو الفوارق تدريجيًّا بين المدينة والقرية.
- مجانية التعليم للأطفال، وإلغاء عملهم، والتوفيق بين التربية والإنتاج المادي.
التفاوت الطبقي
يعد التفاوت الطبقي نتيجة حتمية لاستئثار الطبقة البرجوازية بامتلاك رؤوس الأموال، مما يؤدي إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين وهما: الطبقة العاملة، وطبقة البرجوازيين، وينبغي الإشارة إلى أن الفجوة بين كل من الطبقتين كبيرة جدًا، لأن ما يحصل عليه العمال من أجور قليلة جدًا مقارنةً بما يستخلصه صاحب رأس المال من فائض قيمة.[٩]
الإصلاحات التي دخلت على النظام الرأسمالي
كيف حاول مؤيدو النظام الرأسمالي التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة له؟
سعى علماء الاقتصاد المناصرين للنظام الرأسمالي إدخال إصلاحات كبيرة عليه، أهمها:
- تخفيف الضرائب على التجار: سعى آدم سميث في كتابه الذي يحمل عنوان ثروة الأمم إلى الإشارة إلى ضرورة دعم الحكومة للعمل التجاري، وفتح المجال أمام التجار لممارسة تجارتهم بحرية، وعدم إرهاقهم بالضرائب، وذلك لأنه سيؤدي إلى حتمية فشلها.[١١]
- تقديم الحوافز: إن تقديم الحوافز للتجار سيكون أفضل طريقة لدعمهم للقيام بالمهام الموكلة إليهم على أفضل وجه، ويؤكد آدم سميث أنه لا توجد طريقة أفضل من ذلك لها.[١١]
- العدل: يقول آدم سميث: " إذا زال العدل فإن النسيج الاجتماعي سيزول، وينهدم بشكل حتمي، ذلك لأن العدل هو الضمان الوحيد لاستمرارية التوازن الاجتماعي".[١١]
النظام الرأسمالي في الوطن العربي
كيف دخل النظام الرأسمالي إلى الوطن العربي؟
دخل النظام الرأسمالي العالم العربي عن طريق الحركات الاستعمارية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فقد كانت دول أوروبا تبحث عن أسواق لتصريف منتجاتها، وكي لا تبور، فأبرمت العديد من الاتفاقيات مع أكثر الدول العربية، لفتح أسواقها أمام المنتجات الأوروبية، دون ضرائب، مما أثر سلبًا على الصناعات المحلية في الدول العربية، وأصبحت معظم التجارة تتعرض للكساد، كذلك فإن النظام الاقتصادي الاستعماري السائد هو النظام الرأسمالي في معظم دول العالم العربي، مع تواجد بعض المحاولات لتشكيل أنظمة اشتراكية قومية عربية مثل النظام الذي كان سائدًا في مصر خلال فترة حكم جمال عبدالناصر.[١٢]
المراجع[+]
- ^ أ ب ت ث توم جي بالمر، أخلاقيات الرأسمالية، صفحة 10-11. بتصرّف.
- ^ أ ب جويس أبلبي، الرأسمالية، صفحة 137-138. بتصرّف.
- ^ أ ب جويس أبلبي، الرأسمالية، صفحة 183-184. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج مجموعة أكاديميين سوفياتيين، الموسوعة الفلسفية، صفحة 224-225. بتصرّف.
- ↑ علي رمضان فاضل، العلمانية، صفحة 44. بتصرّف.
- ↑ برتراند رسل، تاريخ افلسفة الغربية الجزء الثالث، صفحة 210-212. بتصرّف.
- ↑ موريس كورنفورث، المدخل إلى المادية الجدلية، صفحة 260. بتصرّف.
- ↑ إيمون باتلر، آدم سميث مقدمة قصيرة جدًا، صفحة 21-22. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة مؤلفين أكاديميين، المادية التاريخية، موسكو:دار التقدم، صفحة 140-141. بتصرّف.
- ↑ ماركس وإنجلز، بيان الحزب الشيوعي، صفحة 36-37. بتصرّف.
- ^ أ ب ت إيمون باتلر، آدم سميث مقدمة قصيرة جدًا، صفحة 97-100. بتصرّف.
- ↑ جويس أبلبي، الرأسمالية ثورة لا تهدأ، صفحة 153. بتصرّف.