خصائص الشعر الوطني

خصائص الشعر الوطني
خصائص-الشعر-الوطني/

خصائص الشعر الوطني

كيف انفردَ الشّعر الوطني عن غيره من الأنواع؟

الشعر الوطنيّ هو كل ما كٌتب عن وللوطن من شوقٍ إليه أو حزن أورثاء على حاله، ظهوره لم يكن من العدم وإنّما هيّأت له الأسباب الاستعمارية مع بداية العصر الحديث في مطلع القرن التاسع عشر، له خصائص ومعايير يجب يتمّيز بها عن غيره، وهي كالآتي:[١]

التعبير عن الحنين إلى الوطن

من الممكن أنّنا لم نختر بلادنا وأرضنا ولكّنا اخترنا حبّها، حيث حبونا فيها أولى خطواتنا ونطقنا أولى كلماتنا، ولا يعرف هذه العلاقة بين الأرض والروح إلّا من ذاق مرارة البعد عنها فمن الطبيعي لذلك المشتاق المُعذّب أن يكتب بمداد قلبه لا قلمه، ومن البدهي أن يكون صادقًا في عواطفه فنرى دموعه بين حروفه عساها تطفئ لهيب الحنين المتأجّج في صدره فتلك المناجاة هي العزاء الوحيد لمن فقد هويته باغترابه، كما أنّ ذلك الحنين هو نوع من الاعتراف بالفضل و ذكران للجميل كأنّه يقول يا بلادي لم يلهني عن ذكرك أي شيء[٢]، ومن هنا كتبالسيّاب في غربته قصيدة غريب على الخليج:[٣]

جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج
ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج
أعلي من العبّاب يهدر رغوه و من الضجيج
صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق
كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي عراق
والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق ‍‍
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما يكون
والبحر دونك يا عراق


لقراءة المزيد من قصائد السيّاب، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أجمل ما كتب بدر شاكر السياب.


قوة العاطفة وصدقها

عندما يتغنّى الشّاعر بوطنه فإنّ ذلك ليس نفاقّا وإنّما عواطف صادقة قوية لا يزلزلها بعدٌ ولا غيره، لدرجة أنّه أحيانا ينقل إليك تلك الأحاسيس فتشتاق وأنت في أرضك لم تبرحها وتعشق العراق أو فلسطين ودمك دمشقي أو أردني، لا لشيء إنّما تأثّرًا بتلك الكلمات الغزليّة من فم الشّاعر، ومثال على ذلك القصيدة الدّمشقيّة المشهورة لِـ نزار قباني حيث يقول: [٤]


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ

إنّي أحبُّ وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ

أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي

لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ

لو فتحتُم شراييني بمديتكم

سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا

زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا

وما لقلبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ

تمجيد البطولات

بعض الشّعراء يولدون وطنيين بالفطرة فيهبون دواتهم لتمجيد ما قامت به بلادهم وما قدّمه أبناء أمّتهم من بطولات وتضحيات عبر الزمن، فدورات الأيّام القاسية لا تغيّر من طبائع نفوسهم الأصيلة، وبالطّبع كلّه بهدف التذكير أنّ يا أبناء شعبي بوسعكم القيام ما قام به أجدادكم فاحقنوا دماءهم بمسيرتكم على خطاهم وردّدوا حكاياتهم فلا تموت أسماؤهم في كتب التاريخ[٥]، وخير مثال على ذلك الشّاعر إسماعيل صبري حيث يستعيد بطولات أجداده المصريين فيقول:[٦]


أَيـنَ الأُلى سَـجَّلـوا فـي الصَخرِ سيرَتَهُم

وَصَغَّروا كلَّ ذي مُـلكٍ وَسُـلطان

بادوا وَبادَت عـلى آثارِهِـم دُوَلٌ

وَادرِجـوا طَيَّ أخبارٍ وَأكفانِ

وَخَلفوا بعدَهُـم حربًا مُخَلَّدَةً

في الكونَ ما بـينَ أحجارٍ وأزمانِ

استنهاض الهمم

الشّاعر سلاحه كلمته، ولأنّ الشّاعر الوطني يغار على بلاده ومصلحتها يسعى دائمًا لتقوية أبناء بلده بكلماته المؤثرة فينظم لهم من القصائد ما يشحذ هممهم ويذكر منهم من نسي أو شغلته همومه الخاصة عن الهموم العامّة، فتارةّ يذكرهم بآلامهم ومشاكلهم فيسعون لحلّها وتارةً أخرى يذكرهم بما منّت به تلك البلاد عليهم من خيراتها فيسعون للحفاظ عليها، ومَن للأرض سوى أولادها من راعٍ وحامٍ وقت الخطوب ومن لهم سواها من ملجأ في جميع الأوقات[٧]. مثال على ذلك ما يقوله الشّاعر عبد الله نديم:[٨]

إليكم يرد الأمر وهو عظيم

فإنّي بكم طول الزّمان رحيم

إذا لم تكونوا للخطوب وللردى

فمن أين يأتي للديار نعيم

وإن الفتى إن لم ينازل زمانه

تأخر عنه صاحب وحميم

فردوا عنان الخيل نحو مخيمٍ

تقلّبه بين البيوت نسيم

وشدّوا له الأطراف من كلّ وجهةٍ

فمشدود أطراف الجهات قويم

إذا لم تكن سيفّا فكن أرض وطأة

فليس لمغلول اليدين حريم

ترسيخ قيم الحرية

إنّ هذا أهم عنصر بين العناصر الوطنيّة، فمَن أحب واشتاق وتمجّدَ واستنهضَ لا يرضى الهوان لا لنفسه ولا لبلاده، فمن كان مقيّد الفكر قيّد بلاده معه وأبقاها في ركود مادي ومعنوي، والدول العظمى ما نهضت ولا ازدهرت إلا عندما أطلقت العنان لأبنائها فأعملوا عقولهم في خدمتها، أكدّ الشعراء على أهمية تلك القيم وعملوا على ترسيخها فكرروها بكل مناسبة لتبقى عالقة بالأذهان، وإذا ما كانت القصيدة منظومة خصيصًا للوطن ستلحظ ذلك جليًّا ملموسًا بين الكلمات والسّطور[٩]، يقول الشّاعر شوقي في تعريف له عن الحريّة ما يأتي:[١٠]


يا أيها السائل ما الحرية

سالتَ عن جوهرة سنية

تضئ أرواحًا لنا زكية

يا نعمت الحياة بالحرية

لذاذة طاهرة نقية

تبعث في قلوبنا الحمية

تبعث فيها الهمة الأبية

فتأنف المواقف الدنيّة

وتألف المنازل العلية

العـز كل العز في الحرية

المراجع[+]

  1. فاطمة الزهرة بوخاري، البعد الوطني في شعر أبي القاسم _دراسة فنية نقدية_، صفحة 9. بتصرّف.
  2. فاطمة الزهرة بوخاري، البعد الوطني في شعر أبي القاسم الشابي دراسة فنية نقدية، صفحة 12. بتصرّف.
  3. "غريب على الخليج بدر شاكر السياب "، كنوز، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-03.
  4. "القصيدة الدمشقية"، نزار قباني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-03.
  5. " خصائص الشعر الوطني"، مقالة، اطّلع عليه بتاريخ 4/12/2020. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الرافعي، شعراء الوطنية، صفحة 49.
  7. " خصائص الشعر الوطني"، مقالة، اطّلع عليه بتاريخ 4/12/2020. بتصرّف.
  8. عبد الرحمن الرافعي، شعراء الوطنية، صفحة 20.
  9. "خصائص الشعر الوطني"، موسوعة كله لك، اطّلع عليه بتاريخ 4/12/2020. بتصرّف.
  10. " يا أيها السائل ما الحرية"، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-03.