شعر عن الموت

شعر عن الموت
شعر-عن-الموت/

قصيدة: النفس تبكي على الدنيا وقد علمت

يقول علي من أبي طالب:[١]

النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت

أنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها

إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها

وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها

أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً

حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقيها

أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها

وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها

كَم مِن مَدائِنَ في الآفاقِ قَد بُنِيَت

أًمسَت خَرابًا وَدانَ المَوتُ دانيها

لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن كانَت عَلى وَجَلٍ

مِنَ المَنيَّةِ آمالٌ تُقَوّيها

فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالدَهرُ يَقبُضُها

وَالنَفسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويها

قصيدة: يا عجبًا للناس لو فكروا

يقول أبو العتاهية:[٢]

يا عَجَبًا لَلناسِ لَو فَكَروا

أَو حاسَبوا أَنفُسَهُم أَبصَروا

وَعَبَروا الدُنيا إِلى غَيرِها

فَإِنَّما الدُنيا لَهُم مَعبَرُ

وَالخَيرُ ما لَيسَ بِخافٍ هُوَ ال

مَعروفُ وَالشَرُّ هُوَ المُنكَرُ

وَالمَورِدُ المَوتُ وَما بَعدَهُ ال

حَشرُ فَذاكَ المَورِدُ الأَكبَرُ

وَالمَصدَرُ النارُ أَوِ المَصدَرُ ال

جَنَّةُ ما دونَهُما مَصدَرُ

لا فَخرَ إِلّا فَخرُ أَهلِ التُقى

غَدًا إِذا ضَمَّهُمُ المَحشَرُ

لَيَعلَمَنَّ الناسُ أَنَّ التُقى

وَالبِرِّ كانا خَيرَ ما يُذخَرُ

ما أَحمَقَ الإِنسانَ في فَخرِهِ

وَهوَ غَدًا في حُفرَةٍ يُقبَرُ

ما بالُ مَن أَوَّلُهُ نُطفَةٌ

وَجيفَةٌ آخِرُهُ يَفخَرُ

أَصبَحَ لا يَملِكُ تَقديمَ ما

يَرجو وَلا تَأخيرَ ما يَحذَرُ

وَأَصبَحَ الأَمرُ إِلى غَيرِهِ

في كُلِّ ما يُقضى وَمايُقدَرُ

قصيدة: الموت ربع فناء لم يضع قدما

يقول أبو العلاء المعري:[٣]

المَوتُ رَبعُ فَناءٍ لَم يَضَع قَدَمًا

فيهِ اِمرُؤٌ فَثَناها نَحوَ ما تَرَكا

وَالمُلكُ لِلَّهِ مَن يَظفَر بِنَيلِ غِنىً

يَردُدهُ قَسرًا وَتَضمَن نَفسُهُ الدَرَكا

لَو كانَ لي أَو لِغَيري قَدرُ أُنمُلَةٍ

فَوقَ التُرابِ لَكانَ الأَمرُ مُشتَرَكا

وَلَو صَفا العَقلُ أَلقى الثِقلَ حامِلُه

عَنهُ وَلَم تَرَ في الهَيجاءِ مُعتَرِكا

إِنَّ الأَديمَ الَّذي أَلقاهُ صاحِبُهُ

يُرضي القَبيلَةَ في تَقسيمِهِ شُرُكا

دَعِ القَطاةَ فَإِن تُقدَر لِفيكَ تَبِت

إِلَيهِ تَسري ولَم تَنصِب لَها شَرَكا

وَلِلمَنايا سَعى الساعونَ مُذ خُلِقوا

فَلا تُبالي أَنَصَّ الرَكبُ أَم أَركا

وَالحَتفُ أَيسَرُ وَالأَرواحُ ناظِرَةٌ

طَلاقَها مِن حَليلٍ طالَما فُرِكا

وَالشَخصُ مِثلُ نَجيبٍ رامَ عَنبَرَةً

مِنَ المَنونِ فَلَمّا سافَها بَرَكا

قصيدة: لقد لعبت وجد الموت في طلبي

يقول أبو العتاهية:[٤]

لَقَد لَعِبتُ وَجَدَّ المَوتُ في طَلَبي

وَإِنَّ في المَوتِ لي شُغلًا عَنِ اللَعِبِ

لَو شَمَّرَت فِكرَتي فيما شُلِقتُ لَهُ

ما اِشتَدَّ حِرصي عَلى الدنيا وَلا طَلَبي

سُبحانَ مَن لَيسَ مِن شَيءٍ يُعادِلُهُ

إِنَّ الحَريصَ عَلى الدُنيا لَفي تَعَبِ

قصيدة: ما لذا الموت لا يزال مخيفًا

تقول الخنساء:[٥]

ما لِذا المَوْتِ لا يَزالُ مُخيفًا

كُلَّ يَوْمٍ يَنالُ مِنّا شَريفًا

مولَعًا بالسَّراة ِمنّا فَما يأخذُ

خذُ الاَّ المهذَّبَ الغطريفا

فلَوَ أنّ المَنُونَ تَعْدِلُ فينَا

فتنالُ الشَّريفَ والمشروفا

كان في الحقّ أن يعودَ لَنا المَوْتُ

وأنْ لا نَسُومَهُ تَسْويفا

أيُّها الموتُ لو تجافيتَ عنْ صخ

رٍ لألفيتهُ نقيًا عفيفا

عاشَ خمسينَ حِجّة يُنكرُ المُنك

كرَ فينا ويبذلُ المعروفا

رحمة الله والسَّلامُ عليهِ

وسَقَى قَبرَهُ الرّبيعُ خَريفَا

قصيدة: هو الموت عضب لا تخون مضاربه

يقول ابن رازكة:[٦]

هُوَ المَوتُ عَضبٌ لا تَخونُ مَضارِبُه

وَحَوضٌ زُعاقٌ كُلُّ مَن عاشَ شارِبُه

وَما الناسُ إِلّا وارِدوهُ فَسابِقٌ

إِلَيهِ وَمَسبوقٌ تَخِبُّ نَجائِبُه

يُحِبُّ الفَتى إِدراكَ ما هُوَ راغِبٌ

وَيُدرِكُهُ لا بُدَّ ما هُوَ راهِبُه

فَكَم لابِسٍ ثَوبَ الحَياةِ فَجاءَهُ

عَلى فَجأَةٍ عادٍ مِنَ المَوتِ سالِبُه

وَلَم يَقِهِ فِرعَونَ عَونٌ أَعَدَّهُ

وَلا مُردُ نَمروذٍ حَمَت وَأَشايِبُه

وَهَل كانَ أَبقى بُختَنصَّرَ بَختُهُ

وَأَنصارُهُ لَمّا تَحَدّاهُ واجِبُه

فَما صانَ حِبرًا عِلمُهُ وَكِتابُهُ

وَلا مَلِكًا أَعلامُهُ وَكَتائِبُه

وَلَسنا نَسُبُّ الدَهرَ فيما يُصيبُنا

فَلا الدَهرُ جاليهِ وَلا هُوَ جالِبُه

مَضى مُشرِقَ الأَيّامِ حَتّى إِذا اِنقَضَت

لَيالي أَبي حَفصٍ تَوَلَّت غَياهِبُه

نَقيبٌ نَسينا كُلَّ شَيءٍ لِرُزئِهِ

تُذَكِّرُناهُ كُلَّ آنٍ مَناقِبُه

أَناعِيَهُ أَرسَلتَ عَزلاءَ مُهجَتي

فَها دَمُها حِملاقَ جَفني ساكِبُه

طَوى نَعيُهُ وَعيي فَها أَنا غائِبٌ

عَنِ الحِسِّ فيهِ ذاهِلُ العَقلِ ذاهِبُه

تَمَكَّنَ مِن نَفسي بِنَفسٍ سَماعه

جَوى فيهِ كُلّي ذابَ قَلبي وَقالِبُه

فَلاقَيتُهُ لُقيا شَجٍ مُتَعَلِّلٍ

بِصِدقِ الأَماني والأَماني كَواذِبُه

عَزاءَ حَيِيٍّ عَمَّهُ الشَجوُ لا يَني

تُساوِرُهُ حَيّاتُهُ وَعَقارِبُه

أُعاتِبُهُ فيما أَقامَ وَلَم يَقُم

عَلى حُجَّةِ المُعذورِ فيما أُعاتِبُه

أَهذي السَحابُ الغُرُّ وَهيَ مُلِثَّةٌ

بَواكيهِ أَم تِلكَ الرُعودُ نَوادِبُه

تَضَعضَعَتِ الدُّنيا فَسَلمى رَأَيتُهُ

لِفَقدِ اِبنِ هَد هُدَّ بِالهَمِّ جانِبُه

فَلا حَيَّ إِلّا وَهوَ أَصبَحَ مَأتَمًا

تُداوَلُهُ أَشياخُهُ وَكَواعِبُه

فَقَد صَحَّ مَوتُ المَكرماتِ بِمَوتِهِ

وَصَرَّحَ ناعيهِ وَلَوَّحَ ناعِبُه

إِلى أَينَ مَن أَيّامُهُ العيدُ كُلُّها

مَآكِلُهُ مَصفوفَةٌ وَمَواكِبُه

دَعاهُ السَميعُ المُستَجابُ وَطالَما

دَعا الأَجفَلى وَالعامُ أَشهَبُ آدِبُه

ألازِمُهُ المَكتوبُ أَن حَلَّ رابَنا

وَلَكِن نِظامُ العالَمِ اِنحَلَّ كاتِبُه

وَما مثلُ الدُنيا وَراءَ خِصالِهِ

بِشَيءٍ سِوى لَيلٍ تَهاوَت كَواكِبُه

فَيا طِرفَهُ ما كُنتَ كَالخَيلِ لا أَرى

سِواكَ غَداةَ الهَيعَةِ البَدر راكِبُه

هُوَ السَيِّدُ المُمتَدُّ في الناسِ ذِكرُهُ

وَفي البُؤسِ كَفّاهُ وَفي البَأسِ قاضِبُه

يُلايِنُ مُرتاضًا أَريبًا وَيَنبَري

هِزَبرًا أَبا أَجرٍ عَلى مَن يُغاضِبُه

فَتىً يَهَبُ الآلافَ عَفوًا وَتَنكَفي

مَخافَتَهُ الأُلافُ حينَ تُحارِبُه

تَنَوَّعَ فيهِ الناسِبونَ فَكُلُّهُم

إِلى كُلِّ جِنسٍ كامِلِ الوَصفِ ناسِبُه

فَلِلأَبحُرِ الراوونَ أَخبارَ جودِهِ

وَلِلقَمَرِ الراؤونَ كَيفَ مَناصِبُه

وَلِلأُسُدِ الواعونَ شِدَّةَ بَأسِهِ

وَما دافَعَت في كُلِّ هَيجا مَناكِبُه

مَذاهِبُ مَن يولي الجَزيلَ وَيَقتَني

بِهِ الوَفرَ مَن أَعيَت عَلَيهِ مَذاهِبُه

يُجِدُّ فَيفني مَن يُناوي مَهابَةً

وَيُجدي وَيفني مَن يُوالي مَواهِبُه

عَلانِيَةً يَأتَمُّهُ الجَمُّ وارِدًا

فَيَضرِبُهُ أَو مارِدًا فَيُضارِبُه

يُناجي بِما في نَفسِ عافيهِ قَلبُهُ

فَيُتحِفُهُ ما فيهِ نيطَت مَآرِبُه

أَبى فَضلُهُ الحُذّاق أَن يَحذِقوا بِهِ

فَلا اليَدُ تُحصيهِ وَلا الفَمُ حاسِبُه

فَلَم يُغنِهِ المَجدُ الّذي هوَ حائِزٌ

تُراثًا عَنِ المَجدِ الَّذي هُوَ كاسِبُه

علا حَزمه مِن طَبعِهِ مُتَعَقِّبٌ

يُباعِدُهُ الأَمرَ المَلومَ مُقارِبُه

فَما سَدّهُ مُستَأنِسًا ما يُريبُهُ

مُحاكِيهُ السَدُّ الَّذي شادَ مارِبُه

مَعاطِفُهُ ما ضِقنَ ذَرعًا بِحادِثٍ

جِليلٍ وَإِن كانَت تُخافُ مَعاطِبُه

إِمامُ نَدى في جامِعِ المَجدِ راتِبٌ

تُحيلُ القَضايا أَن تُنالَ مَراتِبُه

مُنَوَّرُ مِرآةِ الفُؤادِ مُوَفَّقٌ

تَراءى لَهُ مِن كُلِّ أَمرٍ عَواقِبُه

تُفَرِّقُ ما يَكفي البَرِيَّةَ كَفُّهُ

وَتَجمَعُ مَن فَوقَ التُرابِ تَرائِبُه

نسوجٌ عَلى مِنوالِ ما كانَ ناسِجًا

عَلى ذِكرِهِ مِن عَهدِ يَحيى عَناكِبُه

عَلى يَدِهِ الطولى تَقَمَّصَت مِطرَفًا

مِنَ العِزِّ وَالإِثراءِ ها أَنا ساحِبُه

أَيَجتَمِعُ البَحرانِ إِلّا إِذا رَسا

سَفينٌ مُدنّاتٌ إِلَيهِ قَوارِبُه

يُحَكِّمُهُ رُبّانُهُ في نَفيسِها

وَيَدعوهُ فيما يَصطَفي فَيُجاوِبُه

فَيُصدِرُ رَكبًا بَعدَ رَكبٍ ثَقيلَةً

بِما وَهَبَت تِلكَ اليَمينُ رَكائِبُه

فَتُبصِرُهُ عَذبًا فُراتًا غَطَمطَمًا

يَذِلُّ لَهُ حِقوُ الأُجاجُ وَغارِبُه

يُزاحِمُ في بَثِّ الجَميلِ تَسابُقًا

إِلى شُكرِهِ أَفواهُهُ وَحَقائِبُه

إِلى بابِهِ في كُلِّ تَيهاء مَنهَجٍ

يُؤَدّي إِلَيهِ طالِبَ العُرفِ لاحِبُه

عَجِبتُ لِأَيدٍ كَيفَ وارَت بِمَضجَعٍ

غَمامَ أَيادٍ يوعِبُ الأَرضَ صائِبُه

سَقى اللَهُ قَبرًا ضَمَّهُ وَبلَ رَحمَةٍ

مِنَ الرَوحِ وَالرَيحانِ تَهمي سَحائِبُه

وَأَوفَضَ في وَحشِ التُرابِ بِروحِهِ

إِلى حَيثُ أَترابُ الجِنانِ تُلاعِبُه

فَصاحِب عَلِيُّ الصَبرَ فيهِ وَآخِهِ

فَمَحمودَةٌ عُقبى مَنِ الصبرُ صاحِبُه

فَما حانَ حَتّى بانَ مِنكَ سَمَيذَعٌ

يُجاريهِ في مَيدانِهِ وَيُجاذِبُه

هُوَ الفاعِلُ الخَيراتِ قُدِّرَ حَذفُهُ

فَثِق بِوُجوبِ الرَفعِ إِنَّكَ نائِبُه

تَبارَيتُما بَدرَينِ في أُفُقِ العُلا

فَقَد سرَّ باديهِ وَأَحزَنَ غائِبُه

وَما قَلَّدوكَ الأَمرَ إِلّا تَيَقُّنًا

لِإِدراكِكَ الأَمرَ الَّذي أَنتَ طالِبُه

فَقُم راشِداً وَاِقصُد عَدُوَّكَ واثِقًا

بِفَتحِكَهُ إِذ هَمُّ خَوفِكَ ناصِبُه

فَيُؤيدُكَ اللَهُ الَّذي هُوَ باسِطٌ

يَدَيكَ فَمَغلوبٌ بِهِ مَن تُغالِبُه

فَلا يَتنِكَ الحُسّادُ عَمّا تَشاؤُهُ

فَلَن يَمنَعَ الحُسّادُ ما اللَهُ واهِبُه

فَأَموالُهُم ما أَنتَ بِالسَيبِ واهِبٌ

وَأَعمارُهُم ما أَنتَ بِالسَيفِ ناهِبُه

كَما لَكَ يا إِنسانَ عَينِ زَمانِهِ

تَكَنَّفَهُ حِفظٌ مِنَ اللَهِ حاجِبُه

قصيدة: كفى بك داء أن ترى الموت شافيًا

يقول المتنبي:[٧]

كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا

وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا

تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى

صَديقًا فَأَعيا أَو عَدُوًّا مُداجِيا

إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ

فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا

وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ

وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا

فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى

وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا

حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى

وَقَد كانَ غَدّارًا فَكُن أَنتَ وافِيا

وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ

فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا

فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها

إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا

إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصًا مِنَ الأَذى

فَلا الحَمدُ مَكسوبًا وَلا المالُ باقِيا

وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى

أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا

أَقِلَّ اِشتِياقًا أَيُّها القَلبُ رُبَّما

رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا

خُلِقتُ أَلوفًا لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا

لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا

وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحرًا أَزَرتُهُ

حَياتي وَنُصحي وَالهَوى وَالقَوافِيا

وَجُردًا مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا

فَبِتنَ خِفافًا يَتَّبِعنَ العَوالِيا

تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا

نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا

قصيدة: لم يسألو ماذا وراء الموت كانوا

يقول محمود درويش:[٨]

لم يسألوا: ماذا وراء الموت كانوا
يَحفظُون خريطةَ الفردوس أكثرَ من
كتاب الأرض, يُشْغِلُهُمْ سؤال آخر:
ماذا سنفعل قبل هذا الموت؟ قرب
حياتنا نحيا, ولا نحيا كأنَّ حياتنا
حِصَصٌ من الصحراء مُخْتَلفٌ عليها بين
آلهة العِقار، ونحن جيرانُ الغبار الغابرونَ
حياتنا عبءٌ على ليل المُؤرّخ: كُلّما
أخفيتُهم طلعوا عليَّ من الغياب
حياتنا عبء على الرسام: أَرسُمُهُمْ
فأصبح واحدًا منهم, ويحجبني الضباب
حياتنا عبء على الجنرال، كيف يسيل
من شَبَحٍ دم؟ وحياتنا
هي أن نكون كما نريد.. نريد أَن
نحيا قليلًا لا لشيء بل لِنَحْتَرمَ
القيامَةَ بعد هذا الموت واقتبسوا
بلا قَصْدٍ كلامَ الفيلسوف ألموت
لا يعني لنا شيئًا نكونُ فلا يكونُ
اُلموت لا يعني لنا شيئًا يكونُ فلا
نكونُ
ورتّبوا أَحلامُهُمْ
بطريقةٍ أخرى وناموا واقفين

قصيدة: أمن المنون وريبها تتوجع

يقول أبو ذؤيب الهذلي:[٩]

أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ

وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ

قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِبًا

مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ

أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعًا

إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ

فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُ

أَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ فَوَدَّعوا

أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني غُصَّةً

بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ

سَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ

فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ

فَغَبَرتُ بَعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍ

وَإَخالُ أَنّي لاحِقٌ مُستَتبَعُ

وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ

فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ

وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها

أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ

فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها

سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ

حَتّى كَأَنّي لِلحَوادِثِ مَروَةٌ

بِصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ

لا بُدَّ مِن تَلَفٍ مُقيمٍ فَاِنتَظِر

أَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ

ولقد أرى أنّ البُكاء سفاهةٌ

ولسَوفَ يُولَعُ بالبكا مَن يفجَعُ

والنّفسُ راغبةٌ إذا رغّبْتَها

فإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنَعُ

كم مِن جميلِ الشملِ مُلتئم الهوى

باتُوا بعيشٍ ناعمٍ فتصدّعوا

فَلَئِن بِهِم فَجَعَ الزَمانُ وَرَيبُهُ

إِنّي بِأَهلِ مَوَدَّتي لَمُفَجَّعُ

وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ

في رَأسِ شاهِقَةٍ أَعَزُّ مُمَنَّعُ

وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ

جَونُ السَراةِ لَهُ جَدائِدُ أَربَعُ

قصيدة: صبي الحياة الشقي العنيد

يقول أبو القاسم الشابي:[١٠]

صَبِيَّ الحَيَاةِ الشَّقِيَّ العنيدْ

أَلا قدْ ضَلَلْتَ الضَّلالَ البعيدْ

أَتُنشدُ صوتَ الحَيَاةِ الرخيمَ

وأَنتَ سجينٌ بهذا الوجودْ

وتَطْلُبُ وَرْدَ الصَّبَاحِ المخ

ضَّبَ مِنْ كفِّ حَقْلٍ حَصِيدْ

إلى المَوْتِ إنْ شِئْتَ هَوْنَ الحي

اة فَخَلْفَ ظلامِ الرَّدى مَا تُرِيدْ

إلى المَوْتِ يا ابنَ الحَيَاةِ التعيسَ

ففي الموتِ صَوْتُ الحَيَاةِ الرخيمْ

إلى المَوْتِ إن عَذَّبَتْكَ الدُّهورُ

ففي الموتِ قَلْبُ الدُّهورِ الرَّحيمْ

إلى المَوْتِ فالموتُ رُوحٌ جميلٌ

يُرَفْرِفُ مِنْ فوقِ تِلْكَ الغُيومْ

فَرُوحًا بفَجْرِ الخُلُودِ البهيجِ

وما حَوْلَهُ مِنْ بَنَاتِ النُّجومْ

إلى المَوْتِ فالموتُ جامٌ رَوِيٌّ

لمنْ أَظْمَأَتْهُ سُمُومُ الفَلاةْ

ولَسْتَ براوٍ إِذا مَا ظَمِئْتَ

من المنبعِ العذْبِ قبلَ المَمَاتْ

فما الدَّمعُ إلاَّ شرابُ الدُّهورِ

وما الحزنُ إلاَّ غِذَاءُ الحَيَاةْ

إلى المَوْتِ فالموتُ مهدٌ وَثيرٌ

تَنَامُ بأَحضانهِ الكَائناتْ

إلى المَوْتِ إن حاصَرَتْكَ الخُطوبُ

وسَدَّتْ عليكَ سَبيلَ السَّلامْ

ففي عالمِ الموتِ تَنْضُو الحَيَاةُ

رِداءَ الأَسى وقِنَاعَ الظَّلامْ

وتبدو كما خُلِقَتْ غَضَّةً

يَفيضُ على وَجْهِها الإِبْتِسامْ

تُعيدُ عليها ظِلالَ الخُلودِ

وتهفو عليها قُلُوبُ الأَنامْ

إلى المَوْتِ لا تَخْشَ أعماقه

ففيها ضياءُ السَّماءِ الوَديعْ

وفيها تَمِيسُ عذارى السَّماءِ

عواريَ يُنْشِدْنَ لحنًا بَديعْ

وفي رَاحِهنَّ غُصُونُ النَّخيلِ

يُحَرِّكْنَها في فَضَاءٍ يَضُوعْ

تضيءُ بهِ بَسَمَاتُ القُلُوبِ

وتخبو بهِ حَسَراتُ الدُّموعْ

هو الموتُ طيفُ الخلودِ الجميلُ

ونِصْفُ الحَيَاةِ الَّذي لا يَنُوحْ

هنالكَ خلفَ الفضاءِ البعيدِ

يَعيشُ المنونُ القَوِيُّ الصَّبُوحْ

يَضُمُّ القُلُوبَ إلى صَدْرِهِ

ليأسوَ مَا مَضَّها مِنْ جُروحْ

ويبعثَ فيها رَبيعَ الحَيَاةِ

ويُبْهِجُها بالصَّباحِ الفَرُوحْ

قصيدة: الموت من غادر أعذب به

يقول ابن المعتز:[١١]

المَوتُ مِن غادِرٍ أُعَذَّبُ بِه

يَخدَعُني وَعدُهُ وَمَن لِيَ بِه

الهَجرُ في فِعلِهِ وَلَحظَتِهِ

وَالوَصلُ في قَولِهِ وَفي كُتُبِه

مُنتَقِلٌ في الأَنامِ يُشرِكُ في ال

حُبِّ أُلوفًا وَلَستُ أُشرِكُ بِه

يا غافِلًا عَن جَوايَ يُقلِقُني

حَسبُ مُحِبٍّ وَأَنتَ تَلعَبُ بِه

قصيدة: هو الموت فاصنع كلما أنت صانع

يقول أبو العتاهية:[١٢]

هُوَ المَوتُ فَاصنَع كُلَّما أَنتَ صانِعُ

وَأَنتَ لِكَأسِ المَوتِ لا بُدَّ جارِعُ

أَلا أَيُّها المَرءُ المُخادِعُ نَفسَهُ

رُوَيدًا أَتَدري مَن أَراكَ تُخادِعُ

وَيا جامِعَ الدنيا لِغَيرِ بَلاغِهِ

سَتَترُكُها فَانظُر لِمَن أَنتَ جامِعُ

فَكَم قَد رَأَينا الجامِعينَ قَدَ اِصبَحَت

لَهُم بَينَ أَطباقِ التُرابِ مَضاجِعُ

لَوَ أَنَّ ذَوي الأَبصارِ يَرعونَ كُلَّ ما

يَرَونَ لَما جَفَّت لِعَينٍ مَدامِعُ

طَغى الناسُ مِن بَعدِ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ

فَقَد دَرَسَت بَعدَ النَبِيِّ الشَرائِعُ

وَصارَت بُطونُ المُرمِلاتِ خَميصَةً

وَأَيتامُها مِنهُم طَريدٌ وَجائِعُ

وَإِنَّ بُطونَ المُكثِراتِ كَأَنَّما

يُنَقنِقُ في أَجوافِهِنَّ الضَفادِعُ

فَما يَعرِفُ العَطشانُ مَن طالَ رِيُّهُ

وَما يَعرِفُ الشَبعانُ مَن هُوَ جائِعُ

وَتَصريفُ هَذا الخَلقِ لِلَّهِ وَحدَهُ

وَكُلٌّ إِلَيهِ لا مَحالَةَ راجِعُ

وَلِلَّهِ في الدنيا أَعاجيبُ جَمَّةً

تَدُلُّ عَلى تَدبيرِهِ وَبَدائيعُ

وَلِلَّهِ أَسرارُ الأُمورِ وَإِن جَرَت

بِها ظاهِرًا بَينَ العِبادِ المَنافِعُ

وَلِلَّهِ أَحكامُ القَضاءِ بِعِلمِهِ

أَلا فَهوَ مُعطٍ مَن يَشاءُ وَمانِعُ

إِذا ضَنَّ مَن تَرجو عَلَيكَ بِنَفعِهِ

فَدَعهُ فَإِنَّ الرِزقَ في الأَرضِ واسِعُ

وَمَن كانَتِ الدُنيا هَواهُ وَهَمَّهُ

سَبَتهُ المُنى وَاستَعبَدَتهُ المَطامِعُ

وَمَن عَقَلَ اِستَحيا وَأَكرَمَ نَفسَهُ

وَمَن قَنِعَ استَغنى فَهَل أَنتَ قانِعُ

لِكُلِّ امرِئٍ رَأيانِ رَأيٌ يَكُفُّهُ

عَنِ الشَيءِ أَحيانًا وَرَأيٌ يُنازِعُ



لقراءة المزيد من الأشعار، إليك هذا المقال: شعر عن الموت والرحيل.

المراجع[+]

  1. "النفس تبكي على الدنيا وقد علمت"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  2. "يا عجبا للناس لو فكروا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  3. "الموت ربع فناء لم يضع قدما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  4. "لقد لعبت وجد الموت في طلبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  5. "ما لِذا المَوْتِ لا يَزالُ مُخيفَا"، ويكي مصدر، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  6. "هو الموت عضب لا تخون مضاربه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  7. "كفى بك داء أن ترى الموت شافيا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  8. "لم يسألو ماذا وراء الموت"، القصيدة كوم، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  9. "أمن المنون وريبها تتوجع"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  10. "صبي الحياة الشقي العنيد"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  11. "الموت من غادر أعذب به"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  12. "هو الموت فاصنع كلما أنت صانع"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.