محتويات
السرد في قصة النمور في اليوم العاشر
ما الأساليب السردية في قصة النمور في اليوم العاشر؟
يعد السرد في فن القصة الأدبية حياة يخلقها الكاتب وينسج تفاصيلها بمخيلته أو يجمعها من بقايا واقعه العالقة في ذهنه، وبما أنّها حياة فإنّها تُشبه إلى حد كبير الحياة الواقعية في تطورها ونموها وما تتضمنه من مزيج بين الثقافة والتاريخ، بالإضافة إلى الأحداث اليومية والتفاصل الحوارية التي تُحرّك القصة وتجعلها تسير إلى حبكتها باندفاع تشويقي[١]، وقد عُني كتاب القصة بالأساليب السردية لما لها من أثر بالغ في توجيه الفكرة والتأثر على المتلقي، ومن أبرزهم الكاتب السوري زكريا تامر الذي برز في منتصف الخمسينات كرائد من رواد القصة القصيرة.[٢]
يظهر السرد في قصة النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر منوعًا يتراوح بين الحوارالذي عقده الكاتب بين شخصيات القصة المختلقة، وبين أسلوب السرد الإخباري الذي يظهر فيه الكاتب في القصة من خلال شخصية الراوي كلي العلم، فيسرد الكثير من الأحداث التي لم تتناولها شخصيات القصة من خلال الحوار بالسرد، وهذا الأسلوب السردي يتيح للكاتب فرصة الكشف عن كثير من المقاصد والأهداف التي لا تعرضها الشخصيات القصصية بشكل مباشر.[٣]
قد أضاف السرد الحواري على القصة المتخيلة نوعًا من الواقعية التمثيلية، حيث يشد الحوار المتلقي إلى فحوى السرد الحواري ويجذبه إلى فكرته ويقنعه بها على الرغم من إدراك المتلقي التام لكون الشخصيات متخيلة وبعيدة عن الواقع، كما أنّه قد خفّف من وطأة السرد الطويل الذي من شأنه أن يبعث على الملل، لا سيّما إن كانت القصة متخيلة وغير واقعية.[٣]
المستوى اللغوي في قصة النمور في اليوم العاشر
ما سبب ظهور الرتابة في كتابات زكريا تامر؟
لجأ زكريا تامر لتوظيف الأسلوبين السرديين الحواري والإخباري اللذين أسهما في توظيف الزمن الفني في النص، فقد حتّم عليه الأسلوب االإخباري الإكثار من توظيف الفعل الماضي في المواضع التي تتطلب الثبات والقاعدة[٤]، وهي على نحو: "رحلت الغابات بعيدًا عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسيانها وحدق غاضبًا إلى رجال يتحلقون حوله، وأعينهم تتأمله بفضول ودون خوف".[٥]
بينما قام بتوظيف الفعل المضارع الذي يتيح مجالًا للحركة والمرونة التنبؤية للأحداث القادمة ولاستشراف النتائج في ذهن المتلقي في أسلوبه السردي الحواري، كما وظّف في هذا الأسلوب أفعال الأمر التي تُوحي بالقوة والقسوة، وأسهمت في رسم الانحراف المعياري في مسار القوى، حيث ترتكز السلطة في كفة بينما تكون مسلوبة تمامًا في الكفة الأخرى[٤]، وهي على نحو: "قال النمر: لا أريد طعامك، قال المروض: إذًا جُع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه، وقال سترون كيف سيتبدل فالرأس المرفوع لا يشبع معدة فارغة".[٥]
اتهم زكريا تامر في قصته النمور في اليوم العاشر بسبب بساطته اللغوية بانجرافه وراء الرتابة اللغوية والأسلوبية، وتورطه في الفوضى اللفظية وفقر الثروة اللفظية لدى الكاتب، وهذا اتهام باطل لا أساس له من الصحة، إذ إنّ تامر زكريا كان قد تعمّد أن ينسج قصته بلغة سهلة المأخذ بسيطة كي تكون في متناول العوام، لا سيّما أنّ قصته ترتكز على الرمز وتحمل في مضمونها كمًا من الحكمة والفائدة.[٤]
كما أن زكريا تامر قد عُرِف بقدرته على استعمال مفردات اللغة العربية بشكل سلس وبارع، كما عُرف بقدرته على تشكيل الصور التعبيرية والرمزية التي كان لها دور بالغ في جذب المتلقي وشده نحو متابعة القصة، حتى أنه ليشعر بواقعية القصة ويعيش أحداثها ويشارك شخصيات القصة مشاعرهم وعواطفهم، هذا عدا عن قدرته على حثّ الانفعال الفكري لدى المتلقي وإثارة مبادئه الإنسانية التي ترفض الظلم وتسعى لتحقيق الذات وتمجيدها بعيدًا عن تحكُّم السلطات وسطواتهم.[٦]
ثم إنّ استعانته بالنمط القصصي القديم المعروف في قصص كليلة ودمنة الذي يقوم على توظيف شخصيات الحيوانات وصياغة سرده القصصي على ألسنتها وإنطاقها بما يريد إيصاله للمتلقي لم يكن مجرد محاكاة للشكل البنائي للنص القصصي القديم، إنّما أراد بذلك أن يكون بعيدًا قدر الإمكان عن المباشرة في توجيه مراميه في حقل البشر، فكانت الاستعانة بشخصيات الحيوانات ملاذه الوحيد، لا سيّما عندما تكون أهدافه سياسية، وهذا النمط الرمزي كان قد عرف به الكاتب زكريا تامر واتخذه كأسلوب في بناء الكثير من قصصه التي تتطلب الرمزية وتُعالج المواضيع السياسية الحسّاسة.[٧]
المستوى الفني في قصة النمور في اليوم العاشر
ما هي السمات الفنية لقصة النمور في اليوم العاشر؟
تعد قصة النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر قطعة أدبية فنية عمد الكاتب من خلالها إلى توظيف الكثير من التقنيات الفنية الأسلوبية التي جعلت من قصته تحظى باهتمام القراء والنقاد، ولعل من أبرز تلك التقنيات الفنية هي تقنية الأسطرة؛ أي محاولة خلق عالم متخيل وإضفاء لون من الواقعية عليها من خلال الأحداث والسرديات الحوارية، ويظهر ذلك جليًا من خلال استنطاقه للحيوانات وعكس الواقع السياسي على أحداث تلك القصة المتخيلة.[٨]
من أبرز التقنيات التي وظّفها زكريا تامر في قصة النمور في اليوم العاشر تقنية المزج بين عنصري الحركة والصوت اللذين يضفيان على القصة المتخيلة نوعًا من الواقعية التمثيلية، كما أنهما يسهمان في رسم الصورة المختلقة في ذهن المتلقي، وهذا بدوره يفعل خاصية التشويق في النص، ويعمل على خلق تفاعل بين شخصيات القصة وتوليد أحداثها، ويسهم في تقوية الدلالة الرمزية وتأكيدها[٨]، وهي على نحو: "لكنه في اليوم السابع وتحت ضغط الجوع يقلد نهيق الحمارويفوز بقطعة لحم وفي اليوم الثامن يصفق لخطبة المروض".[٥]
لعلّ عنوان القصة النمور في اليوم العاشر بحد ذاته يحمل تقنية من تقنيات الجذب والتشويق، فهو المفتاح الذي يقدّمه الكاتب للمتلقي ليطلع على قصته من خلاله، ولو لم يكن جاذبًا بما فيه الكفاية لما نجح الكاتب في إيصال قصته مهما بلغت براعتها ودرجة الإتقان فيها، وفي قصة النمور اختار الكاتب أن يجمع بين اثنين من عناصر القصة "إحدى الشخصيات والزمن" وبالتالي فإنّه يعمل على حث المتلقي على استدعاء خياله ومحاولة التقاط صورة كلية للقصة من خلال هذا العنوان.[٩]
قد لجأ الكاتب زكريا تامر إلى توظيف الرمز في القصة، حتى أنّ القصة كلها تعد قالبًا رمزيًا تحتشد فيه المقاصد والدلالات، فالنمور تدل على الناس أو الشعب، في حين يمثل المروض الحكومة أو السلطة، وكل القصة التي جرت بين الحيوان ومروضيه ترمي إلى قصة الإنسان ووقوعه في قبضة السلطات الغاشمة.[٩]
المعادل الموضوعي في قصة النمور في اليوم العاشر
ما المضامين التي تناولتها قصة النمور في اليوم العاشر؟
تتناول قصة النمور في اليوم العاشر موضوع سطوة السلطات والحكومات وأساليبها القمعية التي تتبعها للسيطرة على الشعوب، ويتراءى هذا الموضوع من وراء تلك الشخصيات التمثيلية التي تُظهر أحد رجال السلطة وهو يتقمص شخصية مروض يتقن فنون الترويض، ويستعرض قدراته على مجموعة من تلاميذه الذين يحاولون تلقف فنون السلطة وسطوتها من بعده، فهو أكثرهم حزمًا وأبعدهم عن الرحمة والإنسانية.[١٠]
يطرح الكاتب الكيفية التي يقوم بها رجال السلطة والحكومات بالسيطرة على الشعب، وذلك من خلال التحكم بنقطة ضعفهم والاستيلاء على أشد احتياجاتهم والتمنن بها عليهم، ويعرض ذلك من خلال مشهد الرجل المروض الذي قبض على النمر وهو في غفلة من أمره وقام باجتراره إلى مجال سلطته ليبدأ حفل استعراض قوته أمام تلاميذه على هذا النمر الذي صار مسكينًا بعد قوة كان قد فطر عليها.[١٠]
يستمد هذا المروض سلطته وقوته من سيطرته على حاجة النمر للطعام فيقوم بتجويعه لأيّام وأيّام، حتى يوهن قوته ويشعره بحاجته لمن هو أقوى منه وهو الذي يمتلك القدرة على إطعامه وإخماد نار جوعه، والمروض يمتلك الحق في تحديد كمية الطعام ووقته والكيفية التي يمكن فيها للنمر أن يتناول الطعام، وهو بذلك يستغل قدرته على هذا التحكم فيخضع النمر لإطاعة أوامره والقيام بأمور لم يكن ليقوم بها من قبل لولا حاجته، ويتعرّض للإذلال ويخضع لمروضه في سبيل الحصول على الطعام.[١٠]
عملية الترويض هذه تعد تجسيدًا لما تفعله السلطات والحكومات الإنسانية بالشعوب، فهي تُسيطر على احتياجات الشعوب الأساسية، وتوهن قواهم بصرف أنظارهم عما سوى حاجاتهم فلا يتطلعون لطموح أو تغيير أو تعديل، ولا حتى يتمكّنون من التفكير بالتطوير الذي يعد حاجة أساسية من حاجات الشعوب، وذلك لأنهم يسيطرون على حاجة أساسية لهم، بفقدانها يفقدون الحياة وبتوفرها يسعهم العيش والتنفس ومواصلة الحياة بأقل التكاليف.[١٠]
لقد شكلت قصة النمور في اليوم العاشر عالمًا موازيًا للعالم الواقعي الذي يعيشه الكاتب، حيث إنّ السياسات القمعية التي تُمارسها شخصية المروض في القصة والحالة المهينة المثيرة للشفقة التي تمثلها شخصية النمر تُجسّد العملية القمعية التي ترتكبها السلطات في حق المواطنين، حتى يبلغ بهم الأمر أن تسلب منهم ذواتهم وهذا ما يمثله التحول الفعلي في شخصية النمر الموظفة في القصة، فالنمر معروف بقوته وشراسته إلا أنّ السلطة القمعية التي يمارسها المروض بحقه كانت قادرة على تحويله وإخراجه من طبيعته وذاته فينهق كالحمار ويأكل العشب أو يجوع دون أن يكون له قدرة على التصرف أو تلبية احتياجاته بنفسه.[٦]
المراجع[+]
- ↑ عبد الرحيم الكردي (2005)، البنية السردية للقصة القصيرة (الطبعة 3)، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ بسمة الدجاني، استشراف الثورة في قصص لزكريا تامر، صفحة 5. بتصرّف.
- ^ أ ب موسى كيسة، يونسي ليندة، أساليب السرد في القصة القصيرة، صفحة 24. بتصرّف.
- ^ أ ب ت علي بيانلو (2013)، "دراسة أسلوبية للرتابة التعبيرية في النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر"، مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها، العدد 13، صفحة 18. بتصرّف.
- ^ أ ب ت زكريا تامر، النمور في اليوم العاشر، صفحة 54.
- ^ أ ب بشير الحجاحجة (2017)، "جماليات التحول في الشخصية السردية زكريا تامر أنموذجًا"، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية ، العدد 2، المجلد 14، صفحة 398. بتصرّف.
- ↑ جميل إبراهيم أحمد كلاب، الرمز في القصة الفلسطينية القصيرة في الأرض المحتلة، صفحة 90. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد علاء الدين عبد المولى، مدخل لقراءة مشروع زكريا تامر في السمات الفنية المهيمنة وتفكيك بعض الشائعات، صفحة 207. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد حسين، النمور في اليوم العاشر قراءة في شؤون التسمية دلالة وعلاقة، صفحة 25. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث شيروان رمضان (2020)، "ثيمات الرعب والسلطة والشر في قصص زكريا تامر"، مجلة قلمون، العدد 11، صفحة 159. بتصرّف.