مرحلة الشباب
يمر كل إنسان في الحياة بمراحل عمرية متعددة، ومن هذه المراحل مرحلة الشباب، وهي المرحلة التي تلي الطفولة، وممّا يجدر ذكره أن كلمة الشباب في هذا السياق لا تعني الذكور فقط، إنما هي مرحلة عمرية يمر بها الذكور والإناث، وفي هذه المرحلة يتمتع الإنسان بقوة كبيرة ونشاط عالٍ يميزانه عن المراحل العمرية الأخرى، إضافة إلى أن هذه المرحلة هي مرحلة تشكيل شخصية الإنسان، وبناء مبادئه وأفكاره وانطباعاته عن كل ما يحيط به.
هي المرحلة التي يبدأ فيها الإنسان بالتخطيط لحياته، ورسم الخطوط الواضحة لمسيرة حياته، مستفيدًا من المعارف والمهارات التي يكتسبها في هذا العمر، وهذا التخطيط والوعي يختلف -بكل تأكيد- من إنسان لآخر، حسب الثقافة والبيئة الاجتماعية والمعارف العلمية التي يتعلمها كل إنسان، وحسب الظروف التي يعيشها الإنسان، وبذلك يتحقق الاختلاف والتنوع في المجتمعات.
أما فيما يخصّ الفئة العمرية لمرحلة الشباب، فثمة آراء عدة عن هذا الموضوع، فقد حدّدت منظمة الأمم المتحدة عمر الشباب ببن 15 إلى 24 سنة، أمّا في المعاجم العربية فإنّ عمر فئة الشباب يترواح بين سن البلوغ وحتى الثلاثين، ولعل هذا الأمر يرتبط أيضًا بثقافة البلاد وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للمجتمع المحيط، ومع هذا الاختلاف بين تحديد الفئة العمرية للشباب، يبقى الإجماع على أنها من أهم المراحل العمرية في حياة الإنسان.
إنّ أهمية عمر الشباب تأتي من نواحٍ عدة، أبرزها ما يتمتع به الإنسان في هذه المرحلة من حرية الاختيار، والقدرة على تأطير علاقاته الاجتماعية، وتواصله مع من حوله بطريقة منظمة ومبنية على تفكير منطقي مقنع وسليم، وذلك لا بد أنه نتيجة لما يحصل في جسم الإنسان في هذه المرحلة من نضج في الجسد وفي العقل والتفكير، إضافة إلى ما يصير إليه الإنسان في هذه المرحلة من تطلع إلى الحياة المستقبلية، والطموح لما هو أفضل وأجمل.
لا يمكن نسيان ما ستؤدي إليه تلك الحرية في الاختيار من خلق نوع من أنواع التمرد عند الإنسان في هذه المرحلة، وذلك أمر طبيعي لا بد من تقبله، إذ إن هذا التمرد والرفض للأوامر أو القوانين ما هو إلا تعبير عن الاستقلالية وعن وجود الشخصية القادرة على اتخاذ القرارات أو رفضها، ففي هذه المرحلة نوع من العناد، لا يمكن مقابلته بعناد أكبر منه، بل لا بد من اتّباع الوسائل المناسبة التي تحترم هذه الشخصية التي بدأت تتبلور من جهة، وتستخدم المنطق والهدوء والحوار لإقناعها بما هو صحيح من جهة أخرى.
نتيجة لكل هذه التغيرات والتطورات سيكون هناك تغيُّر في التفكير أيضًا، فالإنسان في هذه المرحلة يبدأ بتلقي كل الأفكار التي يسمعها، ويحب الأفكار المتجددة والمتطورة والحديثة، ويميل إلى كل ما فيه خروج عن المألوف والمعتاد، وذلك لأنه يتوافق مع ما في شخصيته من تمرد واختلاف وعناد في هذه المرحلة، وهنا يأتي دور القيم والمبادئ التي زُرعت في نفس الشاب أو الشابة منذ الصغر لتستطيع التمييز بين الصحيح والخاطئ.
دور الشباب في تنمية المجتمع
أما بعد تعريف الشباب وتوضيح أبرز خصائص هذه المرحلة العمرية، وتوضيح التغيرات التي تطرأ على الإنسان في هذه المرحلة، لا بد من توضيح مددى ارتباط هذه المرحلة وتلك التغيرات في تنمية المجتمع، ومما يجدر ذكره أن مفهوم الشباب في علم الاجتماع لا يختلف كثيرًا عما ورد من تعريفات وتغيرات وخصائص ذُكرت سابقًا، إلا أن علم الاجتماع يركز على الناحية الاجتماعية في الشباب.
يرى في الشباب قوة كامنة وطاقة مندفعة لبناء العلاقات الاجتماعية والتواصل، ويبين علم الاجتماع أن ما يتمتع به الشباب من الاستقلالية في التفكير، والتمرد والاعتراض على كثير من القرارات وحبهم لكل ما هو جديد ومتطور لا بد من استغلاله في تنمية المجتمعات وتطورها، وذلك من خلال توجيههم لما فيه نفع للمجتمع لكن دون إشعارهم بأن هذا فرض بل من خلال تقديم الأفكار الجيدة والمتطورة لهم، وهم بدورهم يقنعون بها الآخرين.
للشباب قدرة كبيرة على تغيير المجتمعات وتطويرها في كل الأصعدة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم علمية أم تكنولوجية، ولكن ذلك لا يكون إلا إذا وُجهت طاقاتهم بشكل صحيح، فعلى سبيل المثال عندما يتعلم الشاب حب الوطن بالقول لا بالفعل، لا بد أنه سيكون سببًا من أسباب تطور الوطن والدفاع عنه ضد أي أذى أو ضرر قد يلحق به، أمّا إنْ لم يكن لديه هذا المفهوم فلا فائدة من كل الكلام النظري والخطابات والشعارات.
إضافة إلى أن الحرية الفكرية التي يحب الشباب التمتع بها إذا استُغلت استغلالًا صحيحًا ستؤتي ثمارًا يانعة، فإذا ما ساعد المقتدرون والأغنياء بعض الشباب بتأسيس مشاريع في بلادهم، ودعموا أفكارهم الجديدة وتبنّوها، لا بد أن يؤدي هذا إلى ازدهار اقتصادي في البلاد، والعودة بالخير والنفع على المجتمع كله وعلى الشباب نفسه من النواحي المادية والمعنوية والفكرية.
إن القوة التي يتمتع بها الشباب لا تقتصر على الجسد إنما تشمل الفكر والعلاقات الاجتماعية أيضًا، ومن خلال هذه القوة يمكن توجيه طاقاتهم لما فيه خدمة للمجتمع، وتوظيفهم في أعمال التطوع والخدمات الاجتماعية والتنمية الاجتماعية التي من شأنها أن تجعل الحياة أفضل على الأقل للأجيال القادمة، وبذلك يكون الشباب قد حققوا ذواتهم وأثبتوا شخصياتهم، وقدموا عملًا جيدًا للمجتمع المحيط، وللجيل القادم.
يميل الإنسان في مرحلة الشباب إلى الأعمال الجماعية وكل عمل فيه روح تعاونية، وهذه نقطة إيجابية لا بد من إحيائها وتفعيلها عند الشباب، وذلك من خلال إقحامهم في أعمال ونشاطات ومبادرات يغلب عليها روح الفريق والعمل الجماعي، وهذا لا بد أنه سيخلق علاقات اجتماعية متينة بين الشباب، وسيتحدون ويتفقون على ما فيه خير وبناء وتطور لمجتمعاتهم وأوطانهم.
التحديات التي تواجه الشباب
إنّ كل ما يُقال عن الشباب وأهمية الشباب ودور الشباب في بناء المجتمع لا يعني إطلاقًا أن حياة الشباب حياة مترفة ومنعّمة، بل على العكس بقدر ما لهذه المرحلة من أهمية لها تحديات وعوائق وصعوبات تواجه الشباب، وتضعف هممهم أحيانًا، وتقودهم إلى اليأس أحيانًا أخرى، وهي عقبات تختلف باختلاف المجتمعات والدول وباختلاف الحالة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية للشباب أيضًا.
أول تحدٍ يواجهه الشباب ويعانون منه عمومًا هو الخوف من المستقبل، فعندما يرى الشباب تجارب من سبقوهم، وكيف تنتهي في أغلبها بفشل أو خسارة يقلقون حيال مستقبلهم، ويعانون الشتات الفكري والضياع حيال تحديد هدفهم المستقبلي وطموحهم الفعلي، بين العمل الذي يدرّ المال والأرباح، أو العمل الذي يستهويهم ويستميلهم، أو متابعة الدراسة والحصول على أعلى الشهادات.
من التحديات التي تذيب شمعة الأمل والهمة والإبداع في مرحلة الشباب هو تحدي البطالة وقلة الأشغال وما تؤدي إليه من فقر مادي، وقلق داخلي حيال متابعة الحياة في ظل هذه الظروف، فقلما يتمكن الشاب من العثور على عمل يتناسب مع دراسته التي أفنى من عمره سنين طوال في الاهتمام بها والاجتهاد في تحصيلها، وإن وجد عملًا يتناسب مع شهادته يكون المردود قليلًا لا يتناسب على الإطلاق مع ظروف الحياة الاقتصادية التي يعيشها.
المساواة أمر مؤرق لكثير من الشبان، وتحدٍ خطير يجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم، والمقصود بالمساواة هنا هو عدم العدل، فالعدل أن يُعامل شاب تخرّج بتقدير ممتاز معاملة تليق بتخرجه، وتختلف عن طالب تخرج بتقدير جيد، لا أن يُعاملا المعاملة نفسها في المرتبة الوظيفية والمرتّب الشهري لمجرّد أنهما موظفان جديدان في الشركة، وهنا سيتسرب اليأس إلى صدر الشباب الذين سهروا وتعبوا للحصول على أعلى المراتب في الجامعة بينما كان غيرهم يتسكع ليالي الامتحان ولا يدرس.
من أشكال المساواة أيضًا أن يُعامَل من لديه خبرة في مجال من مجالات العمل لسنوات عدة مثل موظف حديث الخبرة في هذا العمل ويتقاضيان الأجر نفسه، فهذا أيضًا سيشعر الشاب أن كل عمله ومتابعته لكل التطورات والمستجدات في سبيل تحسين مكانته الوظيفية ومرتبه في الشركة ذهب هباء منثورًا، وأصبح مثله مثل أي موظف جديد العهد في هذا العمل أو ذاك.
الشباب الذين يتمتعون بأفكار إبداعية والقدرة على البدء بمشاريع ريادية تثبت وجودهم وتحقق ذواتهم وتعود بالنفع على مجتمعهم يواجهون صعوبات كثيرة في إيجاد المستثمر المناسب والتمويل الكافي لهذا المشروع، وبذلك تخبو شمعة الإبداع، وينطفئ لهيب الأمل المتّقد بغدٍ أفضل، وهنا لا بد أن يكون المجتمع والإدارات المسؤولة في كل بلد منتبهة لهذا الأمر الذي يؤدي إلى تدمير أجيال وهدم مجتمعات.
إنّ الشباب هم النور الحقيقي لكل وطن ولكل مجتمع، فطوبى لمن احتوى شباب المجتمع وشحذ هممهم ووثق بقدراتهم، لأنه سيكون قد احتوى مجتمعًا كاملًا وأجيال متلاحقة بهذا العمل المهم.
لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن دور الشباب في المجتمع.