خصائص الشعر في العصر العباسي

خصائص الشعر في العصر العباسي
خصائص-الشعر-في-العصر-العباسي/

خصائص الشعر في العصر العباسي من حيث الموضوعات

شهدت حركة الشعر في العصر العباسي ازدهارًا كبيرًا، ومن عوامل ازدهار الشعر في العصر العباسي: ملكات الشعراء اللغوية، وطباعهم العقلية الدقيقة، وساعدهم في ذلك ما شهده هذا العصر من تمازج بين الثقافات الأخرى كالفارسية والهندية واليونانية، بالإضافة إلى حركة الترجمة التي ذاعت وانتشرت في هذا العصر[١]، ويمكن أن نفصل في خصائص ضمن اتجاهين، أحدهما قديم والثاني جديد.[١]


الاتجاه القديم

بدأ في هذا العصر ظهور مجموعة من الشعراء، نظمت شعرها وفق النموذج القديم مثل: ابن الدمينة، والنميري، وعمارة بن عقيل -وهو حفيد جرير-، وكانوا ينظمون وفق سليقتهم الشعرية السليمة فنشأتهم كانت في البوادي ثم انتقلوا إلى المدن[٢]، يقول ابن الدمينة في حنينه إلى موطنه:[٣]

ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجدِ

لقد زادني مسراكِ وجدًا على وجدِ

إلا إن هتفت ورقاءُ في رونقِ الضُّحى

على فنَنِ غضَّ النباتِ من الرَّندِ


وينظمون وفق أغراض تقليدية أيضًا فحتى بشار بن برد الذي عرف بالتجديد في أشعاره ينظم أرجوزة على نمط أراجيز شعراء العصر الأموي ليثبت مقدرته اللغوية[٢]، يقول:[٤]

بكرًا صاحبيَّ قبلَ الهجيرِ

إن ذاك النجاح في التكبير


الاتجاه الجديد

لم يقف الشعراء العباسيون عند النظم على طريقة القدماء والتأثر بأسلوبهم فحسب، فقد كانت الحضارة التي يعيشونها والازدهار العلمي والرقي الفكري دافعًا لهم إلى البحث عن الجديد في الموضوعات الشعرية، وقد غلب هذا الاتجاه على الشعر في العصر العباسي، وقد لمع نجم العديد من الشعراء في هذا الاتجاه مثل: بشار بن برد وأبو نواس ومسلم بن الوليد.[٢]


لقد حاول الشعراء أن يجددوا في موضوعات شعرهم حتى في التقليدي منها التي شكلت أغراض الشعر العباسي مثل المدح والرثاء والهجاء، ففي المديح يصفون من يمدحونه بالمثالية وهنا تظهر المبالغة في الشعر العباسي فهم يغالون في وصف الممدوح ويرمونه بألقاب وصفات عظيمة عصية على التحقيق[٢]، يقول أبو نواس في أبيات توضح حال شعر المدح في العصر العباسي:[٥]

أتته الخلافة منقادةً

إليه تُجَرِّرُ أذيالها

ولم تك تصلحُ إلا له

ولم يكُ يصلح إلا لها

ولو رامها أحدٌ غيرهُ

لزُلزِلَت الأرضُ زِلزالها


تميّز الهجاء بالسخرية الشديدة والإيذاء المؤلم، وظهر في الرثاء أغراض جديدة لم تكن قد عُرفت من قبل، منها رثاء المدن والممالك إثر الكوارث والنكبات، كالنكبة التي حلت على بغداد أيام الفتنة بين الأمين والمأمون، ومن أغلااض الرثاء الجديدة أيضًا هي مراثي الطير والحيوانات الأليفة، فيروى أنَّ أبا نواس قد رثى كلبه العزيز، وتعددت موضوعاته، فشملت جميع جوانب مظاهر الحياة عند العباسيين فوصفوا الرياض ومناظرها الجميلة في الربيع، وقد ظهر نوع من الغزل الماجن في هذا العصر وهو غزل لم يعرف في العصور السابقة، وفي المقابل ظهر غزل عذري، اشتهر به العباس بن الأحنف.[٦]


خصائص الشعر في العصر العباسي من حيث المعاني

ما التغيرات التي طرأت على المعاني في العصر العباسي؟

إنّ شعراء العصر العباسي استقوا مشاعرهم في بعض الأحيان من حياتهم الفردية واتّصفت هذه المعاني بالابتكار والعمق.


المعاني المعبرة عن حياة الفرد

لقد اقترب الشعر من نفسية صاحبه، وأصبح وسيلة للتعبير عما يحسه ويشغله، فنثر في شعره ما يعبر فيه عن أفراحه وأحزانه، ويسخره للتعبير عن ذاته قبل أن يعبر به عن الآخرين، والتمس لهذه الغاية ما يناسبها من المعاني العميقة الأصيلة التي استخلصها من حياته واستمدها مما يعانيه ويواجهه في أيامه ولياليه، فكان الشعر في العصر العباسي شعرًا ذاتيًّا، بالإضافة إلى الأغراض التقليدية التي نظموا فيها[٧]، يقول صالح عبد القدوس:[٨]

يُمنِّيني الطبيبُ شفاءَ عيني

وما غيرُ الإلهِ لها طبيبُ

إذا ما مات بعضُك فابكِ بعضًا

فإنّ البعضَ من بعضٍ قريبُ


الابتكار والعمق

نشوء نوع جديد من الشعر يقوم على توظيف ألفاظ جديدة وتعمد استخدامها في كثير من الأغراض[٩]، كقول بشار بن برد ساخرًا مستهزئًا في رجل اسمه أبو سفيان:[١٠]

ربما يثقل الجليس وإن كا

ن خفيفًا في كُفّة الميزان

كيف لا تحمل الأمانة أرضٌ

حملت فوقها أبو سفيان

يظهر جليًا ما في هذه الأبيات من تفكير عميق وخيال خصب، وهذا ما يظهر أيضًا في رثائهم، وتسابقهم على الاستئثار بالمعاني نادرة الاستخدام[٩]، وفي هذا يقول مسلم بن الوليد راثيًا أحدهم:[١١]

أَرادوا لِيُخفوا قَبرَهُ عَن عَدُوِّهِ

فَطيبُ تُرابِ القَبرِ دَلَّ عَلى القَبرِ


خصائص الشعر في العصر العباسي من حيث المبنى الشعري

هل أبقى الشعر العباسي على بنية القصيدة التقليدية؟

بنية القصيدة في العصر اختلفت وتغيرت عن بنيتها في العصور الماضية وطرأ عليها الكثير من التغييرات منها ما يأتي:


التخلي عن مقدمات القصائد

فضّل الكثير من الشعراء المُجدّدين التخلي في القصيدة عن المقدمات التي شاعت في العصور السابقة مثل بشار بن برد وأبو نواس، فغابت المقدمة الطللية في العصر العباسي عن شعر هذا العصر، فلم تعد الناقة وسيلة الانتقال داخل المدن، وفضّل هؤلاء الشعراء أن يفردوا بداية القصائد لمطالع أخرى تتلائم مع البيئة العباسيّة بما فيها من ترف ولهوٍ ومجون، بل وزادوا على ذلك باستهزاءهم بالمقدمات الطللية[٩]، وفي هذا يقول أبو نواس:[١٢]

قل لمن يبكي على رسمٍ درس

واقفًا ما ضرَّ لو كان جلس؟


بدأ الشاعر العباسي قصائده بمقدمات جديدة مثل مقدمة وصف الربيع، وأفضل ما يمثل هذا قصيدة لأبي تمام قالها في مدح المعتصم التي مطلعها:[١٣]

رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ

وَغَدا الثَرى في حَليِهِ يَتَكَسَّرُ


التجديد في الأوزان والقوافي

صفت لغة الشعر ورقت بشيوع الغناء والأشعار المغناة، فأصبح الشعراء يعتنون باختيار الأوزان والقوافي أشعارهم بما يتناغم بين العروض والغناء، وأخذ الشعراء يميلون إلى استخدام الأوزان الخفيفة والمجزوءة، وكما جدد الشعراء في الأوزان، فإنهم وتبعًا لحياة اللهو والترف جددوا في القوافي أيضًا[١٤]، فظهر ما يسمى بما يأتي:[١٤]


الشعر المزدوج في العصر العباسي

وهو ألّا تتكرر القافية في الأبيات فتختلف من بيت إلى بيت، بينما تتكرر في الشطرين المتقابلين، وعادة ما تنظم المزدوجات على بحر الرجز، وكانت المزدوجات وسيلة من الوسائل التعليمية[١٥]، منها يقول أبو العتاهية:[١٦]

هَمُّ القاضي بَيتٌ يُطرِب

قالَ القاضي لَمّا عوتِب

ما في الدُنيا إِلّا مُذنِب

هَذا عُذرُ القاضي وَاِقلِب


الرباعيات

وهي تتألف من أربعة أشطر، يتفق أولها وثانيها ورابعها في قافية واحدة، أما الشطر الثالث فقافيته حرة، قد يلتزم الشاعر القاقية نفسها وقد لا يلتزم، وقد كثر قولها لأغراض المدح والهجاء والأغراض التعليمية، وقد ذاعت الرباعيات وانتشرت في العصر العباسي[١٧]، يقول أبو العتاهية:[١٨]

المَوتُ بَينَ الخَلقِ مُشتَرَكُ

لا سوقَةٌ يَبقى وَلا مَلِكُ

ما ضَرَّ أَصحابَ القَليلِ وَما

أَغنى عَنِ الأَملاكِ ما مَلَكوا


المسمطات

وهي قصائد تتألف من أدوار، وكل دور يتركب من أربعة شطور في كل دور في قافية واحدة ما عدا الشطر الأخير فإنه يستقل بقافية أخرى، ويتفق في الشطور الأخير من الأدوار المختلفة[١٧]، يقول أبو نواس:[١٩][٢٠]

يا ليلةً قضيتها حُلْوَهْ

مرتشفًا من ريقها قَهْوَهْ

تُسكر مَن قد يبتغي سَكْرَهْ

ظَنَنتُها من طيبها لَحْظَهْ

يا ليت لا كان لها آخِرْ


خصائص الشعر في العصر العباسي من حيث الأسلوب

استخدم الشعراء العباسيون أساليب جديدة وطرق فريدة في نظم القصائد، منها ما يأتي:


التوسع في البديع اللفظي

وقد بدأت الصنعة الأسلوبية في وقت مبكر عند بشار وأبي نواس، ثم برزت في شعر مسلم بن الوليد الذي اعتمد على المحسنات البديعية من جناس وطباق ومقابلة، واعتمدوا عليها اعتمادًا كبيرًا، وبرزت هذه الصنعة فيما بعد عند أبي تمام الذي استمد من ثقافته الفلسفية الأساليب والمعاني التي وظّفها في أشعاره، ولم يعد الجناس في شعره يُماثل أصوات وطباق المعاني ويُقابلها وحسب، بل أصبحت هذه المحسنات ذات عمق وإبداع، إذ اتّحدت وامتزجت داخل الصورة المركبة[١٧]، يقول أبو تمام:[٢١]

نَزَلَت مُقَدِّمَةُ المَصيفِ حَميدَةً

وَيَدُ الشِتاءِ جَديدَةٌ لا تُكفَرُ

لَولا الَّذي غَرَسَ الشِتاءُ بِكَفِّهِ

لاقى المَصيفُ هَشائِمًا لا تُثمِرُ

كَم لَيلَةٍ آسى البِلادَ بِنَفسِهِ

فيها وَيَومٍ وَبلُهُ مُثعَنجِرُ


سهولة الألفاظ

كان أسلويهم مُتميّزًا، إذ يبتعدون فيه عن خشونة الألفاظ، ويقتربون فيه من الألفاظ الرشيقة حينًا والألفاظ الجزلة والرصينة أحيانًا، وقد ساعدهم في ذلك ذوقهم الرائع الذي يبتعد عن الألفاظ الغريبة والوعرة، فاستحدثوا أسلوبًا مميزًا يعتمد على الألفاظ المتوسطة بين الغريب والمبتذل، تختار فيه الكلمات اختيارًا، وكأنما هي جواهر تختار في عقود إذ تحول الشعراء إلى ما يشبه الصاغة، وكل منهم يحاول أن يثبت مهارته وصياغته، بالإضافة إلى وجود مجموعة من الشعراء كانوا ينقسمون بين مَن يُفضّل الجزالة وقوة اللفظ، مثل: مسلم بن الوليد، ومن يفضلون السهولة والليونة، مثل: أبو العتاهية الذي تكاد لغته تقترب من العامية[٢٢]، يقول أبو نواس:[٢٣]

حامِلُ الهَوى تَعِبُ

يَستَخِفُّهُ الطَرَبُ

إِن بَكى يُحَقُّ لَهُ

لَيسَ ما بِهِ لَعِبُ

تَضحَكينَ لاهِيَةً

وَالمُحِبُّ يَنتَحِبُ




المراجع[+]

  1. ^ أ ب سامي يوسف أبو زيد ، الشعر العباسي، صفحة 31. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث سامي يوسف أبو زيد، الشعر العباسي، صفحة 43-44. بتصرّف.
  3. ابن الدمينة ، ديوان ابن الدمينة، صفحة 232. بتصرّف.
  4. "بكرًا صاحبي قبل الهجير"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 2/4/2021. بتصرّف.
  5. أبو الفرج الأصفهاني ، الأغاني، صفحة 33، جزء 2. بتصرّف.
  6. سامي يوسف أبو زيد ، الشعر العباسي، صفحة 46-47. بتصرّف.
  7. سامي يوسف أبو زيد ، الشعر العبايسي، صفحة 49. بتصرّف.
  8. المرتضى ، الأمالي، صفحة 144. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت سامي يوسف أبو زيد ، الشعر العباسي، صفحة 48. بتصرّف.
  10. ألو هلال العسكري ، ديوان المعاني، صفحة 189. بتصرّف.
  11. "أرادوا ليخفوا قبره"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/3/2021. بتصرّف.
  12. "قل لمن يبكي"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 22/3/2021. بتصرّف.
  13. "رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ"، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 2/4/2021. بتصرّف.
  14. ^ أ ب سامي يوسف أبو زيد ، الشعر في العصر العباسي، صفحة 33. بتصرّف.
  15. سامي يوسف أبو زيد ، الشعر العباسي، صفحة 53. بتصرّف.
  16. المسعودي، مروج الذهب، صفحة 360، جزء 3. بتصرّف.
  17. ^ أ ب ت سامي يوسف أبو زيد ، الشعر العباسي، صفحة 50. بتصرّف.
  18. أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، صفحة 98، جزء 4. بتصرّف.
  19. الدميري ، حياة الحيوان الكبرى، صفحة 96. بتصرّف.
  20. الدكتور شوقي ضيف، العصر العباسي الأول، صفحة 199. بتصرّف.
  21. "رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/3/2021. بتصرّف.
  22. شوقي ضيف، العص العباسي الأول، صفحة 146. بتصرّف.
  23. "حامل الهوى تعب "، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/4/2021. بتصرّف.