خصائص الشعر الأندلسي

خصائص الشعر الأندلسي
خصائص-الشعر-الأندلسي/

خصائص الشعر الأندلسي

إن خصائص الشعر الأندلسي هي: "غلبة طابع المحافظة لا التجديد، السهولة واليسر في التعبير، تعبيره عن ذاتية الشاعر، إيثار طريقة التصوير بدلًا من طريقة التعبير المباشر، دور الطبيعة في التأثير على نفوس الشعراء وشعرهم، بروز النساء الشاعرات في الحياة الأدبية، الاهتمام الكبير بشعر الغزل، كثرة رثاء الممالك في أشعارهم، وأخيرًا بروز فن الموشحات في الأدب الأندلسي"[١]

غلبة طابع المحافظة لا التجديد، وتأثرهم بشعراء الشرق

ما سبب ابتعاد الشاعر الأندلسي عن التجديد في الموضوعات الشعرية؟ يرجع ذلك إلى ما تعرضوا له من الغربة سواء أكان عن رضى أم كره، فخلفوا وراءهم أهلًا وأصحابًا ووطنًا ولم يكن ذلك عليهم بهيّن، فأصبحت نفوسهم تعجّ بالاشتياق والحنين لموطنهم، فكان الشعر هو الوعاء لما في نفوسهم، وإن كانوا يعيشون في الأندلس إلّا أنّ أرواحهم كانت معلقة بالمشرق حيث ثقافتهم الإسلامية وتقاليدهم الفنية الراسخة، نتيجة ذلك كلّه ابتعدوا عن التجديد في الشعر، وغلب عليه طابع الأصالة والمحافظة.[٢]

الجدير بالذكر أنّ هذا الطابع كان على أشده إبّان عهود العرب الأولى في الأندلس خصوصًا في مراحل الفتح،[٢] ومن أمثلة الشعر الذي طُبع بطابع المحافظة والأصالة ما أنشده طارق بن زياد يوم الفتح قائلًا:[٣]

ركبنا سفينًا بالمجاز مُقَيّرا

عسى أن يكونَ اللهُ منّا قد اشترى

نفوسًا وأموالًا وأهلًا بجنة

إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيسّرا

ولسنا نُبالي كيف سالت نفوسُنا

إذا نحن أدركنا الذي كان أجْدَرَا

الظاهر في هذه الأبيات أنّها مطوية على خصائص الشعر القديم، فوردت فيها المعاني المألوفة في شعر صدر الإسلام، فنرى أنّ الشاعر متأثر بالقرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ).[٤] فظهرت الأبيات بطابع المحافظة والأصالة والتمسك بأسلوب العرب.

السهولة واليسر والجمال في التعبير

ما مدى توافر سهولة اللفظة ورقة المعنى في الشعر الأندلسي؟ تظهر هذه الخصيصة جلية واضحة في شعر ابن عبد ربه، ذلك لأنه لا يوغل في المجاز ولا يغوص في المعنى، وهذه الظاهرة لم تكن سائدة في الشعر الأندلسي بشكل كبير قبل عصر ابن عبد ربه، نلحظ في الأبيات الآتية أنّ الشاعر ابن عبد ربه ركّز على اللفظ أكثر من المعنى، حتى يكاد يقترب شعره من لغة الحديث، وإن كان هذا الأمر لا يُرضي أنصار المعنى الذي يُركّزون على مضمون ومعنى القصيدة، إلا أنّ الكثير من يبحث عن اللفظ المأنوس والإيقاع الراقص،[٥] فأنشد قائلًا:[٦]

أَعطيتُهُ ما سأَلا

حَكَّمْتُهُ لوْ عَدَلا

وهَبتُهُ روحي

فما أدري بهِ ما فَعلا

أسلَمْتُهُ في يدهِ

عَيشَهُ أَم قَتَلا

قَلبي بهِ في شُغُلٍ

لا مَلَّ ذاكَ الشُّغُلا

عبر الشعر الأندلسي عن ذاتية صاحبه

كيف يعبر الشعر عن ذاتية الشاعر؟ معنى ذلك أن الشعر كان يرتبط ارتباطًا كبيرًا بالواقع الذي يمر به الشاعر، يسرد فيه الأحداث، ويُعبّر عما يدور في خلجات نفسه، وهذا يظهر جليًا في شعر ابن زيدون عندما سُجن فأنشد في سجنه أبياتًا يصف ما حلّ به من الأسى وفقدان الأمل[٧]، ومثال ذلك:[٨]

لا يَكُن عَهدُكَ وَردًا

إِنَّ عَهدي لَكَ آسُ

وَأَدِر ذِكرِيَ كَأسًا

ما اِمتَطَت كَفَّكَ كاسُ

وَاِغتَنِم صَفوَ اللَيالي

إِنَّما العَيشُ اِختِلاسُ

عدول الشعر عن التعبير المباشر، وإيثار طريقة التصوير.

ما معنى التصوير في الشعر؟ يُعدّ التصوير نمطًا رفيعًا من أنماط التعبير في مجال الوصف، مُعتمدًا على ألوان التشبيهات والاستعارات، ومع أنّ الوصف لا يُعدّ غرضًا شعريًا بحدّ ذاته، فقد كان العرب يستخدمونه قليلًا في أشعارهم، إلا أن شعراء الأندلس استخدموا الوصف كغرض شعري بحد ذاته، مستخدمين طريقة التصوير لا التعبير المباشر، ويُعدّ ابن خفاجة رائدًا في استخدام طريقة التصوير[٩]، وفي الأبيات الآتية استهلّ ابن خفاجة شعره بوصف الشجرة وبالرغم من ذلك لم يذكر لفظ "الشجرة" في الأبيات معتمدًا بذلك على التصوير بعيدًا عن التعبير المباشر، فوصفها وصفًا غير مباشر كأنه يتحدث عن امرأة، ومن الأمثلة على ذلك:[١٠]يا رُبَّ مائِسَةِ المَعاطِفِ تَزدَهي

مِن كُلِّ غُصنٍ خافِقٍ بِوِشاحِ

مُهتَزَّةٍ يَرتَجُّ مِن أَعطافِها

ما شِئتَ مِن كَفَلٍ يَموجُ رَداحِ

نَفَضَت ذَوائِبَها الرِياحُ عَشِيَّةً

فَتَمَلَّكَتها هِزَّةُ المُرتاحِ

تأثير الطبيعة على نفوس شعراء الأندلس بشكل كبير

كيف أسهمت الطبيعة في التأثير على الشعر والشعراء؟ أسهمت الطبيعة في التأثير بالإيجاب على نفوس الشعراء بما أودع الله في طبيعة بلاد الأندلس من الجمال ومظاهر الحسن، حتى دخلت حياة الأندلسين وخالطت نفوسهم، وتغلغلت في أشعارهم، فبالغوا في وصفها بأبهى الصور، فوصفوا الرياض، والحياض، والجبال، والوديان، والأزهار، والأطيار، ومن ذلك ما أنشده ابن خفاجة واصفًا الجمال ومشاهد الفتنة ومظاهر الحسن في بلاد الأندلس قائلًا:[١١]

إِنَّ لِلجَنَّةِ في الأَندَلُسِ

مُجتَلى حُسنٍ وَرَيّا نَفَسِ

فَسَنا صُبحَتِها مِن شَنَبٍ

وَدُجى ظُلمَتِها مِن لَعَسِ

فَإِذا ما هَبَّتِ الريحُ صَبّاً

صِحتُ وا شَوقي إِلى الأَندَلُسِ

بروز النساء الشاعرات في الحياة الأدبية للمجتمع الأندلسي

تعدّ ولادة بنت المستكفي من أشهر شاعرات الأندلس، وهي صاحبة شخصية قوية ذات جمال ومال، تُجيد الغناء وتُحسن الضرب والإيقاع على الآلات الموسيقية، حتى إنها جعلت من بيتها مجمعًا لرجال الفكر وأعيان المجتمع، كانت ذات مزاج متقلب، وممّا اشتهرت به بيتان لها نظمتهم وطرزتهما فيما يقال على شقي ثوبها، وإن كان في هذين البيتين لفت لأنظار المعجبين أو استقطاب اهتمام الرجال، إلا أنه يدل على ما بلغته المرأة العربية في المجتمع الأندلسي أو في بعض طبقاته من التحرر والانطلاق نتيجة التمازج الجنسي بين العرب والإسبان.[١٢]

أنا واللَه أصلح للمعالي

وأَمشي مشيتي وأتيهُ تيها

وَأمكنُ عاشقي من صحن خدّي

وأعطي قُبلتي مَن يشتهيها

اهتمامهم الكبير بشعر الغزل وصدق العاطفة

ما أبرز سمات شعر الغزل عند الشاعر الأندلسي؟ يعد الشوق إلى الحبيب أبرز سمات شعر الغزل عند الشاعر الأندلسي، فما يلبث أن يترك حبيبه إلا والشوق إليه قد طرق بابه، كذلك ويتّسم الشعر بصدق العاطفة بعيدًا عن التنطع والتكلف في التعبير، وهذا كلّه مردّه من الطبيعة الخلاّبة التي ساعدت الشاعر على أن يعيش في جو رومانسي، ومن ذلك ما أنشده ابن زيدون لمحبوبته ولادة بعد اجتماعه بها قائلًا:[١٣]

ودَّعَ الصَبرَ مُحِبٌّ وَدَّعَك

ذائِعٌ مِن سِرِّهِ ما اِستَودَعَك

يَقرَعُ السِنَّ عَلى أَن لَم يَكُن

زادَ في تِلكَ الخُطا إِذ شَيَّعَك

يا أَخا البَدرِ سَناءً وَسَنًا

حَفِظَ اللَهُ زَمانًا أَطلَعَك

إِن يَطُل بَعدَكَ لَيلي فَلَكَم

بِتُّ أَشكو قِصَرَ اللَيلِ مَعَك

كثرة رثاء الممالك في أشعارهم

ما هي أبرز خصائص رثاء الممالك في الشعر الأندلسي؟ يتّسم هذا الشعر بالصدق الشعوري نتيجة شدة المعاناة، فليس أقسى على الفرد من تقتيل الأبناء، وخراب الديار، وفقدان الأوطان، كذلك يتّسم بقلة الندب والنواح وكثر فيه التبصر في شؤون الدنيا ونواميسها وطبيعة الحياة، فهو بذلك مغاير لغرض الرثاء المستعمل في أشعار العرب، وهناك بعض الشبه بين رثاء الممالك وغرض الوقوف على الأطلال في قصائد العرب؛ لأنّ في كليهما يحرص الشاعر على أن يُقارن بين سالف العهد المشرق وأيام الهناء وبين تجهم الحاضر.[١٤]

يتّسم شعر رثاء الممالك بأنّه يرصد عواطف الجماعة والتعبير عن ظاهرة الحزن الشامل، فلا يقتصر على التعبير عن مشاعر الذات، ويجدر الإشارة أنّ معظم ما قيل في رثاء الممالك كان في عهود متأخرة أيّ: في عهود الضعف السياسي والركود الأدبي،[١٤] ومن الأمثلة على رثاء الممالك ما أنشده ابن خفاجة:

عاثت بساحتك العدا يا دارُ!

ومحا محاسنك البِلى والنارُ

فإذا تردد في جنابك ناظرٌ

طال اعتبارٌ فيك واستعبارُ

أرضٌ تقاذفت الخطوُب بأهلها

وتمخّضت بخرابها الأقدارُ

كتبت يدُ الحدثانِ في عرصاتِها

لا أنتِ أنت ولا الديار ديارُ

بروز فن الموشحات في الأدب الأندلسي.

ما هو التوشيح وما هي أبرز خصائصه؟ يعدّ التوشيح من أنماط الكلام المنظوم على وزن مخصوص، إلّا أنه يختلف عن القصيدة من حيث الوزن العروضي، كذلك وتختلف عن القصائد بخروجها على مبدأ القافية الواحدة واعتمادها على جملة من القوافي المتناوبة، وتتّصل الموشحات اتصالًا وثيقًا بالموسيقى وطريقة الغناء في الأندلس، وتعدّ الموشحات زبدة الشعر وخلاصة جوهره وصفوته، وهي من الفنون التي أغرب بها أهل المغرب عن أهل المشرق وظهروا فيها كالشمس الطالعة والضياء المشرق،[١٥] ومن الأمثلة على الموشحات ما أنشده ابن زهر قائلًا:

سَلِّمَ الأَمرَ لِلقَضا

فَهوَ لِلنَّفسِ أَنفَع

وَاِغتَنِم حينَ أَقبَلا

وَجهَ بَدرٍ تَهَلَّلا

لا تَقُل بِالهُمومِ لا

كُلُّ ما فاتَ وَاِنقَضى

لَيسَ بِالحُزنِ يَرجِع

وَاِصطَبِح بِاِبنَةِ الكُروم

مِن يَدي شادِنٍ رَخيم

حينَ يفتَرُّ عَن نَظيم

المراجع[+]

  1. عثمان محمد علي العبادلة، دراسات في الأدب الأندلسي، صفحة 130_202. بتصرّف.
  2. ^ أ ب د.عمر الدقاق، ملامح الشعر الأندلسي، صفحة 43_44. بتصرّف.
  3. أحمد المقري ، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، صفحة 124.
  4. سورة التوبة، آية:111
  5. د. عمر الدقاق، ملامح الشعر الأندلسي، صفحة 72.
  6. ابن عبد ربه الأندلسي، ديوان ابن عبد ربه، صفحة 1-287.
  7. علي عبد العظيم، ابن زيدون عصىره وحياته وأدبه من سلسلة أعلام العرب، صفحة 64. بتصرّف.
  8. ابن زيدون، ديوان ابن زيدون، صفحة 1_347.
  9. أحمد ضيف ، بلاغة العرب في الأندلس، صفحة 192_202. بتصرّف.
  10. ابن خفاجة، ديوان ابن خفاجة، صفحة 1_253.
  11. ابن خفاجة، ديوان ابن خفاجة، صفحة 1_253.
  12. ابن بسام، الذخيرة، صفحة 380، جزء 1.
  13. ابن زيدون، ديوان ابن زيدون، صفحة 1_347.
  14. ^ أ ب د. عمر الدقاق، ملامح الشعر الأندلسي، صفحة 321_323. بتصرّف.
  15. عمر بن حسن بن دحية أبو الخطاب، المطرب من أشعار أهل المغرب، صفحة 186. بتصرّف.