تفسير قوله ما ملكت أيمانكم

تفسير قوله ما ملكت أيمانكم
تفسير-قوله-ما-ملكت-أيمانكم/

تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير ابن كثير

وردت عبارة"ما ملكت أيمانكم"، ست مرات في القرآن الكريم، أربع منها في سورة النساء، والباقي في سورتي النور والروم، حيث قال تعالى في بدايات سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا[١]وفسّرها ابن كثير بأنَها: الجواري السراري، فالعدل بينهن ليس واجب ولكنّه مستحب، أمّا العدل بين الحرائر فواجب، ويرشد الله تعالى عباده المؤمنين أنّهم إذا لم يعلموا من أنفسهم القدرة على العدل عند زواجهم بأكثر من حرّة، فيمكنهم أن ينكحوا الجواري اللواتي في ملكهم، أو يقتصروا على زوجة واحدة.[٢]


وقال تعالى أيضًا في سورة النساء: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا[٣] ومعنى "ما ملكت أيمانكم"، في هذه الآية: الأرقّاء، وهذه وصية من الله تعالى بالرقيق لأنّهم ضعفاء ولا حيلة لهم ولا قوّة، وهم بمثابة أسرى بأيدي الناس، وقد كانت الوصايا بملك اليمين إحدى وصايا رسول الله قبل وفاته، وبيّن أنّ إطعامهم صدقة للإنسان، ومنع قوتَهم عنهم إثمٌ كبير، وأنّ من حقوق المملوكين الطعام والكسوة وعدم تكليفهم بأكثر من قدرتهم، والآية تأمر بالإحسان إليهم بشكل عام.[٤]



تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير الطبري

جاء ذكر ملْك اليمين بعد آية المحرّمات في النكاح، حيث قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}،[٥] وقد فصّل الطبري في تفسير هذه الآية، وذكر عدّة أقوال، ومنها: أنّ المحصنات هنّ ذوات الأزواج من الحرائر وهؤلاء لا يحلّ نكاحهن، أمّا "ما ملكت أيمانكم"، وهنّ: سبايا الحروب اللاتي يكون سبيهن بمثابة طلاق بينهنّ وبين أزواجهنّ المحاربين، ويحلّ لمن ملكهن من المسلمين وطؤهن، ولكنّ ذلك يكون بعد انقضاء عدّتهن.[٦]


وكذلك إذا بيعت تلك المملوكات فيمكن لمن اشتراهن وطؤهن حتّى وإن كان لهنّ أزواج قبل سبيهن، حيث قال السلف بيع الأمة طلاقها، وقيل إنّ تفسير هذه الآية هو أنّ المحصنات هنّ الحرائر، وهؤلاء لايحلّ نكاحهن إلّا بشهودً ومهر، أمّا ملك اليمين فلا حاجة إلى ذلك لجواز نكاحها، وقيل أيضًا أنّ المعنى مرتبط ببداية السورة، وهو أنّه لا يجوز للمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نساء من الحرائر ولكنّه يمكن أن يكون لها ما شاء من الجواري.[٦]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير البغوي

جاءت عبارة "ما ملكت أيمانكم"، في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}،[٧] وقد وردت هذه الآية في سورة النساء أيضًا، وقال البغوي في تفسيرها: إنّ المسلم إذا لم يملك المال حتّى يتزوّج الحرة، فيمكنه الزواج من المملوكات المؤمنات، وهنّ الإماء.[٨]


وهذه الآية تتحدّث عن الزواج وليس عن مجرّد الوطء والاستمتاع، وشرط زواج المسلم الحر بالأمة أن لا يملك مالًا للزواج بالحرّة وأن يخشى على نفسه الوقوع في الزنا، وهذه الشروط جاءت في قول لجابر بن عبد الله وأخذ به طاوس وعمرو بن دينار ومالك والشافعي، أمّا أصحاب الرأي فاشترطوا أن لا يكون المسلم الحر متزوّج بحرّة حتّى يتمكّن من الزواج بالأمة، أمّا العبد فيمكنه الجمع بين الأمة والحرَّة، ولكنّ أبا حنيفة قال إنّ العبد كالحر ولا يمكنه الزواج بالأمة وفي عصمته حرّة.[٨]


وفيها دليل على أنّ المسلم لا يجوز له الزواج بملك اليمين إلّاإذا كانت مؤمنة، ولكنّ أصحاب الرأي قالوا بجواز الزواج من المملوكة الكتابية، والجميع متفقون على جواز وطء الأمة الكتابية.[٨]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير الرازي

قال تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}،[٩] وقد توسّع الرازي عند تفسيره لهذه الآية وذكر الكثير الأحكام الفقهية المستنبطة منها، ويمكن التعبير عن كلامه بشكل مجمل أنّ الله تعالى يأمر السيّد صاحب الرقيق أن يكاتبهم إذا أراد المملوك ذلك، والمكاتبة هي اتفاق العبد مع سيّده أن يُعطيه مبلغًا من المال بعد مدّة محدّدة وبالمقابل يُعتِق السيّد مملوكه ويُصبح حرًا، فهي بمثابة شراء الحريّة.[١٠]


وقال البعض أنّ الأمر في هذه الآية للوجوب ولكنّ أكثر أهل العلم على أنّ الأمر للندب والاستحباب، لأنّ المال الذي سيجنيه العبد من عمله ويُعطيه لسيّده مقابل إعتاقه لرقبته يمكن للسيّد أن يأخذه دون عقد مكاتبة، لأنّ العبد هو في ملك السيّد، ويُمكن للرجال والنساء المملوكين أن يكاتبوا أسيادهم، وورد في تفسير الخير في هذه الآية عدّة أقوال، وهي: الصنعة والحرفة، المال، الصلاة وصلاح الدين، القوة والقدرة على الكسب.[١٠]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير السعدي

قال السعدي عند تفسيره لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}،[٥] إنّ ذوات الأزواج محرّمٌ نكاحهن إلّا إذا طُلقن وانتهت عدّتهن، أمّا "ما ملكت أيمانكم"، وهنّ: السبي الكافرات، فيحل للمسلمين وطؤهن حتّى وإن كنّ ذوات أزواج، ولكن بعد انقضاء عددهن، أمّا المملوكات اللواتي يكنّ متزوجات ويتم بيعهن أو وهبهن فإنّه لايحلّ وطؤهن أو الزواج بهنّ لأنّ بيع الأمة في هذه الحالة لا يفسخ نكاحها، وإنّما المقصود التي تكون متزوّجة وتُسبى وليست التي تتزوّج بعد السبي.[١١]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير القرطبي

وردت الآية في قوله تعالى من سورة الروم: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}،[١٢] وقد قال القرطبي أنّ هذه الآية جاءت ردًا على كفّار قريش الذين كانوا ينسبون الشريك لله تعالى في التلبية في الحج.[١٣]


فالله -عزّ وجلّ- يقول لهم أنّهم كما لا يرضون أن يجعلوا ما ملكت أيمانهم وهم العبيد والأرقاء شركاء لهم في أموالهم وأملاكهم، فكيف يُريدون أن يجعلوا لله شريكًا في ملكه وأفعاله، ولله المثل الأعلى، فتفسير "ما ملكت أيمانكم" في هذه الآية الأرقّاء والمملوكين، وذكرهم هنا من باب ضرب المثل وتقريب الصورة، وليس لبيان حكم خاص بهم.[١٣]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير البيضاوي

قال البيضاوي عند تفسيره لقوله تعالى "ما ملكت أيمانكم" في آية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}،[١] إنّ الله تعالى سوّى بين الاقتصار على واحدة من الحرائر وعدم التعدّد بأكثر من ذلك وبين أن يكون له ما يشاء من السراري، وذلك لأنّ القسم بينّهن ليس واجب ومؤنتهن خفيفة، أي لسن بحاجة للمهر كما الحرائر، فما ملكت أيمانكم في هذه الآية هنّ السراري،أي: الجواري والإماء.[١٤]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير الجلالين

ورد في تفسير الجلالين أنّ معنى "ما ملكت أيمانكم" هو: العبيد والمماليك والإماء، وهذا المعنى ورد في أكثر من آية، كالآية التي يأمر الله تعالى فيها بالإحسان للمماليك،[١٥] وآية سورة النور التي تُرغّب بمكاتبتهم، وغير ذلك من الآيات التي وردت فيها هذه الجملة، وبالعموم فإنّ المعنى لا يخرج عن هذا ولكنّ الحكم يختلف باختلاف السياق القرآني.[١٦]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير الشعراوي

قال الشعراوي عند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}،[٧] إنّ المراد بملك اليمين ليست التي تكون في ملْك الإنسان نفسه، لأنّ هذه يجوز له وطؤها بلا عقد، ويمكنه أن يُنجب منها الأولاد، وإنّما المقصود هو ملك يمين الغير، وقد دلّ السياق على ذلك حيث أمر تعالى بنكاح الأمة بعد أخذ إذن أهلها وهم أصحابها، وفي تسمية السيّد بالأهل دلالة على أنّ من تحت يده إماء وعبيد فيجب أن يُعاملهم كأهلهم، ليشعروا أنّ وجودهم بين المسلمين كوجودهم بين أهلهم وعشيرتهم.[١٧]


تفسير قوله ما ملكت أيمانكم من تفسير النابلسي

فسّر النابلسي الآية قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}،[١٢] بتفسير يتناسب مع الواقع الحالي وهو عدم وجود عبيد وإماء، وقال إنَّ المقصود كل من يعمل تحت يد الإنسان كالعامل والأجير، فكما لا يرضى صاحب العمل أن يكون هؤلاء شركاء له في رزقه، فالله تعالى لا يرضى أن يكون له شريك، تعالى الله عن ذلك.[١٨]


وللتعرف على مفهوم ملك اليمين وأحكامه يمكنك الاطلاع على هذا المقال: معنى مصطلح ملك اليمين

المراجع[+]

  1. ^ أ ب سورة النساء، آية:3
  2. ابن كثير، تفسير ابن كثير ط العلمية، صفحة 185-186. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية:36
  4. ابن كثير، تفسير ابن كثير ط العلمية، صفحة 264. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة النساء، آية:24
  6. ^ أ ب الطبري، أبو جعفر، تفسير الطبري، صفحة 151-162. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة النساء، آية:25
  8. ^ أ ب ت البغوي، أبو محمد، تفسير البغوي، صفحة 196-197. بتصرّف.
  9. سورة النور، آية:33
  10. ^ أ ب الرازي، فخر الدين ، تفسير الرازي، صفحة 372-374. بتصرّف.
  11. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 174. بتصرّف.
  12. ^ أ ب سورة الروم، آية:28
  13. ^ أ ب القرطبي، شمس الدين، تفسير القرطبي، صفحة 23. بتصرّف.
  14. ناصر الدين البيضاوي، تفسير البيضاوي، صفحة 59. بتصرّف.
  15. المحلي، جلال الدين، تفسير الجلالين، صفحة 107. بتصرّف.
  16. المحلي، جلال الدين، تفسير الجلالين، صفحة 463. بتصرّف.
  17. الشعراوي، تفسير الشعراوي، صفحة 2123-2124. بتصرّف.
  18. النابلسي، تفسير القرآن الكريم، صفحة 106. بتصرّف.