أسباب الشعوبية في العصر العباسي

أسباب الشعوبية في العصر العباسي
أسباب الشعوبية في العصر العباسي

الأسباب الاجتماعية لظهور الشعوبية في العصر العباسي

لم تكُن الحركة الشعوبيّة وليدة دون سبب، حيث خلق الله الأرض وهيّأ الأسباب لتغيّراتها، ومن الأسباب الاجتماعيّة التي كانت سبباً لظهورالحركة الشعوبية ما يأتي:

تفضيل الفُرس أنفسهم على العرب

كان الفُرس يُفضّلون أنفسهم على العرب؛ حيث يرَون أنفسهم أنّهم من نسبٍ أرفع من نسب العرب؛ حيث إنّهم ينحدرون من نَسل إسحاق بن إبراهيم -عليه السلام-، وإسحاق هو النبيّ الذي وُلد من سارة، وهي المرأة الحُرّة، أمّا العرب فهم من نسل إسماعيل -عليه السلام-، وإسماعيل هو من هاجر(المرأة الأمة)، وبذلك يكون العرب كلّهم من امرأة أمَة، أمّا الفُرس فهم من المرأة الحرة.[١]

ضياع النسق الاجتماعي المستقر

بدأ صراع الحضارات في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، حيث كان الفُرس هم القوى العُظمى إلى جانب الرّوم ضدّ العرب، وكانت تشريعاتهم هي السّائدة على أقوامهم فلا يُؤمنون بدين إلا بها، وهي مُخالفة لما كان سائدًا عند العرب آنذاك، وكانوا أيضاً يُقرّون بصلواتٍ عديدةٍ لا أصل لها في الأديان السماوية، ولا يُؤمنون بالغسل، ولا بالماء الطّهور، ولا يأكلون الحيوانات المذبوحة .[٢]

لمّا جاء الإسلام بتشريعاته السّمِحة كان هو القوّة التي قضت على كِسرى وحدّت من نموّ الشعوبيّة بشكلٍ كبيرٍ، فازداد الحقد على العرب بعامّتهم والمسلمين بخاصتهم وقد ظهر هذا الحقد بطابع الشعوبية، وذلك لأنّ قضاء حضارة على حضارة أُخرى تبعث الحقد والضغينة من قِبَل الطرف المهزوم.[٢]

استعلاء الموالي على العرب

لم يكن الرجل من الموالي (وهم المسلمون من غير العرب) كالرجل من العرب حتّى لو كان مسلمًا؛ حيث أسند الخلفاء إدارة شؤون الحُكم إلى الموالي كالإشراف على ديوان الخراج ووظائف الحراسة، بالإضافة إلى ذلك فقد كان البلاط العباسي مُمتلئ بهم، كما تمّ استخدام الموالي في الحراسة والجيش؛ تمهيداً ببداية عصر جديد سيكون للموالي دور كبير فيه، فقُسّم المجتمع إلى طبقتَين واضحتَين.[٢]

الأسباب السياسية لظهور الشعوبية في العصر العباسي

لم تكن الأسباب الاجتماعية وحدها عاملًا لظهور الشعوبيّة، بل إنّ الأسباب السياسيّة كانت أقوى من الاجتماعيّة، وما يأتي ذكر بعض منها:

صراع الحضارات

كان الفرس يعتقدون أنّ الإسلام في أصله قام على محو الحضارة الفارسيّة التي كانت تحكُم إلى جانب الحضارة الرومانيّة، والفُرس أقرب في موطنهم إلى العرب من الرّوم، وبما أنّ الإسلام قام على محو حضارتهم فقد نشأ الحقد في نفوسهم وثار الحسد في قلوبهم.[٢]

نشأت فكرة صراع الحضارات التي بدأت منذ بداية الإسلام، وتمثّلت بقتل الخليفة الرّاشدي عُمر-كما تذهب المصادر الإسلامية -لأنّهم يرونه السبب في نهاية الدولة الفارسية، كون بلاد فارس تمّ الفتح فيها في عهد عمر -رضي الله عنه-.[٢]

ضياع المُلك

بلغت حضارة الفارسيّين عُلوّاً عظيمًا خاصةً في عهد السّاسانيين حين استولوا على طرق تجارة الهند والصين، وصار الفُرس منافسين أقوياء لحكم الرّوم، وصارت القوّتان تُديران العالم كما تشاء، وكان للمَلِك صفة شرعيّة إلى جانب صفته المَلكيّة؛ حيث يعتقد الفارسيّون أنّ روح الله قد حلّت في المَلِك، وأنّه ظل الله على الأرض.[٢]

كان الفُرس لا يأتمرون إلا بأمر الملك، ولا يقومون إلا بقوله، فله الحُكم الأوّل والآخر، وكان النّظام الطبقيّ مُقسّمًا في فارس إلى طبقات؛ حيث هناك رؤساء المجتمع المُقرّبين من البلاط، وكذلك رجال الحرب والحِرفيين والصُنّاع والمهنيين، ومع مجيء الإسلام تحطّمت هذه الطبقيّة بشكلٍ واضحٍ، فلم يعُد الأمر كما كان من قبل.[٢]

رغبة الموالي بالاستيلاء على الملك

لم تكن رغبة الموالي في أصلها طلب المُساواة بين العرب والفرس، أو الحصول على حقوقهم مثل العرب، ولو كان ذلك لوضح الأمر في عصر الدولة العباسية، وإنّما كانت رغبة الفرس في أصلها هي الاستيلاء على الحُكم وعودة الحضارة الفارسيّة، ومن الأدلّة على ذلك أنّ الفارسيين لمّا دخلوا الإسلام كانوا يُبقون على لُغتهم الفارسيّة ويُعلّمونها لأبنائهم، ولا يركنون إلى العربية؛ كونها لغة الشعب الذي هم على عداءٍ معه.[٣]

بدأ الفارسيون يُعبّرون عن بواطنهم في عهد الدّولة العباسيّة لمّا تمكّنوا من البلاط وبعض المناصب الحسّاسة؛ حيث صاروا يَجهرون بمُعاداتهم للعرب، وتَبرُّئهم منهم وينسبون إليهم الرذائل من الصفات، وتنامى شعورهم القوميّ للحصول على مُلكهم الضائع.[٣]

الأسباب الاقتصادية لظهور الشعوبية في العصر العباسي

يوجد العديد من الأسباب الاقتصادية التي ظهرت في العصر الأموي ومهّدت إلى ظهور الشعوبيّة في العصر العباسي، ومن هذه الأسباب ما يأتي:

فرض الجزية على الموالي المسلمين

الأصل في الشريعة الإسلامية أن تَسقط الجزية عن الموالي الذين يدخلون في دين الإسلام، ولكنّ الإهمال المالي من الدولة الأمويّة للأمصار المفتوحة أدّى إلى ردة فعل عكسيّة من الموالي المسلمين الذين بقوا يُطالبُون بدفع الجزية حتّى بعد إسلامهم.[٤]

أكثر الأخبار انتشارًا وذيوعاً في هذا الشأن ما فعله الحجاج بن يوسف الثقفي لمّا ثار عليه الموالي وأهل الذمّة بالبصرة مع عبد الرحمن بن الأشعث، وحاول قمع ذلك الأمر فنقص عنه الخراج، فتمكّن منهم الحجاج ونقش على يدهم اسم البلد الذي سيتوجّه إليها كلّ واحدٍ منهم، ولم يُسقط الجزية عن أيٍّ ممّن أسلم منهم.[٤]

دُعي أهل الذمّة من سمرقند إلى الإسلام من قِبَل أشرس بن عبد الله السلمي على أن تَسقط عنهم الجزية، فلمّا أسلموا جميعًا امتنع عن إسقاطها عنهم، ونشبت الحرب بين الطرفين.[٤]

إرهاق الموالي بالضرائب

كانت مسألة الضرائب على الموالي في العصر الأمويّ محلّ أخذٍ وردّ من المؤرخين، ولكنّ الثابت في هذه المسألة -كما أُشير إلى ذلك في بعض المصادر -أنّ بعض الولاة الأمويين كانوا يَفرضون على الموالي ضرائب بسبب الحالة الاقتصاديّة الخانقة التي كانت تمرّ بها الدولة الأموية، ولكنّ ذلك لم يكن إرهاقًا بمعنى الإرهاق.[٤]
لم يتجاوز الولاة في الضرائب مثل هدايا المهرجان وهدايا النيروز، ولكنّهم في أصلهم كانوا يعانون من عدمِ تنظيمِ صفوفهم ماديًا حينما تجب عليهم الضرائب ودَفع الخراج، وقد اصطدم الموالي مع ولاة الأمويين أكثر من مرّة، إلا أنّ الاصطدام الأكبر كان بين الأشعب والحَجّاج حينما نكّل الحجّاج فيه تنكيلًا هو وأتباعه.[٤]

عدم فرض عطاء ثابت للمقاتلين الموالي كما للعرب

كان الموالي في أصل الأمر مُبعَدين عن المناصب الحساسة في الدولة في العهد الأمويّ؛ إذ كان يعتقد البيت الأموي أنّهم قادرون على القيام بأعباء الدولة دون مساعدة أحدٍ من غير العرب، فكان يُستعان بالموالي المتطوعين فقط في صفوف الجيش، حيث يمثّلون المُشاة في تقسيمات الجيش، فكان العرب لا يستعينون بهم إلا عند الضرورة.[٤]
لم يفرض الولاة الأمويّون على الموالي  شيئًا من المغانم التي يستولون عليها في الحرب لأنّهم كانوا متطوّعين، ممّا أثار ذلك الحقد والضغينة في نفوس المُقاتلين الموالي على المقاتلين العرب، كما كان الحُجّاب والحراس لقصور الخلفاء من الموالي، وأشرفوا كذلك على دواوين الرسائل ودواوين الخراج والخاتم، وغير ذلك من المناصب التي شغلوها أيام معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-.[٤]

المراجع[+]

  1. حسين عطوان، الزندقة والشعوبية في العصر العباسي الأول، صفحة 66. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ عواد العنزي، الشعوبية وموقف أهل السنة والجماعة، صفحة 570-577. بتصرّف.
  3. ^ أ ب حسين عطوان، الزندقة والشعوبية في العصر العباسي الأول، صفحة 163. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ رضا رافع، ظاهرة الشعوبية في العصر العباسي، صفحة 8 - 10. بتصرّف.

12302 مشاهدة