أجمل ما قال نزار قباني

أجمل ما قال نزار قباني
أجمل-ما-قال-نزار-قباني/

شعر نزار قباني عن الحب

يُعدّ الشاعر نزار قبّاني من الشعراء الذين فاضت مشاعر الحب من قلوبهم على شكل قصائد، ومّما قال في الحب ما يأتي:

قصيدة: أحبكِ

أُحِبّك حَتّى يَتِمّ انطِفَائي
بعَينَينِ مِثلَ اتّساع السَّماءِ
إِلى أَنْ أغيبَ وَريدًا وَريدًا
بِأعْمَاقِ مُنْجَدلٍ كَسْتَنَائيّ
إِلَى أنْ أُحِسّ بأنّك بَعْضِي
وبَعْضُ ظُنونِي، وَبَعْضُ دِمَائِي
أحِبّك، غيبُوبَةً لا تُفيقُ
أَنَا عَطِشٌ يستَحيلُ ارتِوَائِي
أنَا جَعْدةٌ فِي مَطَاوِي قَميصٍ
عَرِفتُ بنَفَضَاتِه كِبريَائِي
أَنا عَفْوُ عينَيكِ أَنْتِ كِلانا
رَبيعُ الربيعِ، عَطَاءُ العَطَاءِ
أُحِبّكِ، لَا تسْأَلي أَيّ دَعوَى
جَرَحْتُ الشّمُوسَ أنَا بادِّعَائِي
إِذا مَا أحِبّكِ، نَفسِي أُحِبّ
فَنَحْنُ الغِنَاء، ورَجْعُ الغِنَاء.[١]

قصيدة: أحبكِ جدًّا

أُحِبّكِ جِدًا
وَأَعرِفُ أنّ الطّريقََ إِِلَى المُستحيلِ طَويلٌ
وأَعرِفُ أنّك ِسِتُّ النِساءِ
وليسَ لَدَيَّ بديلٌ
وأَعرِفُ أنّ زَمانَ الحَنينِ انتَهَى
ومَاتَ الكَلامُ الجَميلُ
لِسِتّ النِسَاء مَاذا نَقولُ؟
أُحبّك جِدًّا
أحبّكِ جِدّاً وأعرِفُ أنّي أعيشُ بمَنفىً
وأنتِ بمَنفَىً
وبيني وبينكِ
رِيْحٌ
وغَيْمٌ
وبَرْقٌ
ورَعْدٌ
وثلجٌ ونَارٌ
وأعرِفُ أنّ الوُصولَ لِعَينيكِ وَهْمٌ
وأعْرِفُ أنّ الوُصُولَ إليكِ
انتِحَارٌ
ويُسعِدُني
أنْ أُمَزّق نَفسِي لأَجْلِكِ أيتُها الغَاليَة
ولَو خَيّرُونِي
لَكَرّرت ُحُبكِ للمَرّة الثانيةِ
يَا مَنْ غَزَلتُ قميصَكِ مِنْ وَرَقَاتِ الشّجَر
أيَا مَنْ حَمَيتُكِ بالصّبر مِنْ قَطَراتِ المَطَر
أحِبكِ جِدّاً
وأعرِفُ أنّي أُسافِرُ في بَحْرِ عينَيكِ
دُونَ يَقينٍ
وأترُكَ عَقلِي وَرائِي وأركُضُ
أَركُضُ
أركُضُ خَلفَ جُنونِي
أيَا امرأةٌ تُمسِكُ القلبَ بينَ يدَيهَا
سَأَلتكِ بالله لا تَترُكينِي
لا تَترُكِيني
فَمَاذَا أكونُ أنا إِذا لَم تَكُونِي
أحِبّك جِدًّا
وجِدًّا وجِدًّا
وأرفُضُ مِن نَارِ حُبّك أَنْ أستَقيلا
وهَل يستَطيعُ المُتيَّم بالعِشْق أن يستَقلَا
ومَا هَمّني
إنْ خَرَجتُ مِنَ الحُبّ حَيًّا
وما هَمّني
إنْ خَرجتُ قَتيلا.[٢]

قصيدة: رسالة حب صغيرة

حبيبتي، لديَّ شيءٌ كثيرْ

أقولُهُ لديَّ شيءٌ كثيرْ

من أينَ يا غاليتي أَبتدي؟

وكلُّ ما فيكِ أميرٌ أميرْ

يا أنتِ يا جاعلةٌ أَحْرُفي

ممّا بها شَرَانِقًا للحريرْ

هذي أغانيَّ وهذا أن

يَضُمُّنا هذا الكِتابُ الصغيرْ

غدًا، إذا قَلَّبْتِ أوراقَهُ

واشتاقَ مِصباحٌ وغنّى سريرْ

واخْضَوْضَرَتْ من شوقها أحرفٌ

وأوشكتْ فواصلٌ أن تطيرْ

فَلاَ تَقُولِي: يا لِهَذا الفَتَى

أخْبرَ عَنّي المُنْحَنى والغديرْ

واللّوزَُ، والتوليبُ حتى أن

تسيرُ بِيَ الدنيا إذا ما أسيرْ

وقالَ ما قالَ فلا نجْمةٌ

إلاّ عليها مِنْ عَبيري عَبيرْ

غدًا، يراني الناسُ في شِعْرِهِ

فَمًا نَبيذِيّاً وشَعْرًا قَصيرْ

دعي حَكايا الناسِ لَنْ تُصْبِحِي

كَبيرَةً، إلاّ بِحُبِّي الكَبيرْ

ماذا تصيرُ الأرْضُ لو لَم نكُنْ

لو لَمْ تكنْ عَيناكِ، ماذا تَصيرْ؟[٣]

قصيدة: سأقول لكِ أحبكِ

سَأَقُولُ لكِ أحُبكِ
حينَ تَنتَهِي كُلّ لُغَاتِ العِشْقِ القَديمَةْ
فَلَا يَبْقَى للعُشّاقِ شَيءٌ يَقُولُونَه أو يَفعَلُونَهْ
عِنْدَئِذٍ سَتَبدَأُ مُهِمَّتِي
في تَغْيير حِجَارَةِ هَذا العَالَمِ
وَفِي تَغيير هَندَسَتِهِ
شَجَرَةً بَعْدَ شَجَرَةْ
وكَوْكَبًا بَعْد كَوكَبٍ
وَقَصيدَةً بَعْد قَصيدَةْ
سَأَقُولُ لَكِ أُحِبّكِ
وتَضيقُ المَسَافةُ بينَ عَينَيكِ وبَينَ دَفَاتِري
وَيصْبِحُ الهَواءُ الذي تَتَنَفّسينَه يَمُرُّ بِرِئتي أَنَا
وتُصبِحُ اليَدُ التي تَضَعينَهَا عَلى مقْعَد السيّارَة
هِي يَدِي أَنَا
سَأَقُولُها، عِندَمَا أُصبِحُ قَادِرًا
عَلَى استِحْضَارِ طُفُولَتي، وَخُيُولِي، وعَسَاكِرِي،
وَمَرَاكِبي الوَرَقيّةْ.
واستِعَادَة الزّمَن الأَزْرَق مَعَكِ عَلَى شَوَاطِئ بَيرُوت
حينَ كُنتِ تَرتَعشيْن كَسَمَكَةٍ بَيْن أصَابِعِي
فَأُغَطّيكِ، عِنْدَما تَنْعَسين
بَشَرشَفٍ مِنْ نُجُوم الصّيف
سَأَقولُ لكِ أُحِبُّكِ
وَسَنَابِلُ القَمْحِ
حَتّى تَنْضُجُ بحَاجَةٍ إليكِ
واليَنَابيعُ حَتّى تَتَفَجّر
والحَضَارةُ حتّى تَتَحَضّر
والعَصَافيرُ حتّى تَتَعلّم الطّيَرَان
والفَرَاشَاتُ حتّى تَتَعلّم الرّسْمَ
وأنَا أُمَارِسُ النُبُوهَ
بحَاجَةٍ إليكِ
سَأَقُولُ لكِ أُحِبّكِ
عِندَمَا تَسقُطُ الحُدُودُ نِهَائيًّا بينَكِ وبيْنَ القَصيدَةْ
ويصْبِحُ النوْمُ عَلى وَرَقَةِ الكِتَابَةِ
لَيسَ الأَمْرُ سَهْلًا كَمَا تَتَصوّرينَ
خَارِجَ إيقَاعَاتِ الشّعْر
وَلا أَنْ أَدْخُلَ فِي حِوَارٍ مَع جَسَدٍ لا أَعْرِفُ أنْ أتَهَجّاهْ
كَلِمَةً كَلِمَةْ
وَمَقْطَعًا مَقْطَعًا
إنّني لَا أُعَانِي مِنْ عُقْدَة المُثَقّفين
لَكِنّ طَبيعَتي تَرْفُضُ الأَجسادَ التي لَا تَتَكّلمُ بذَكَاءٍ
والعُيونُ التي لَا تَطْرَحُ الأسئِلَةْ
فَالمَرأَةُ قَصيدَةٌ أمُوتُ عِندَمَا أكتُبُهَا
وأمُوتُ عندَمَا أنْسَاهَا
سَأَقُولُ لكِ أُحِبّكِ
عِندَما أَبْرَأُ مِنْ حَالَةِ الفِصَامِ التي تُمَزّقُني
وأَعُودُ شَخْصًا وَاحِدًا
سَأَقُولُها، عِندَمَا تَتَصَالَحُ المَدينةُ والصّحْراءُ في دَاخِلِي
وتَرْحَلُ كُلّ الَقَبائِل عَنْ شَواطِئ دَمِي
الذي حَفَرَه حُكَمَاءُ العَالَم الثالِثِ فَوقَ جَسَدِي
التي جَرّبتُهَا على مَدَى ثَلاثينَ عَامًا
فَشَوّهَتْ ذُكُورَتِي
وَأصْدَرَتْ حُكْمًا بجَلْدكِ ثَمانينَ جَلْدةً
بتُهْمَةِ الأُنُوثَةْ
لذَلِكَ، لَنْ أَقُولَ لَكِ أُحِبُّكِ اليَومَ
ورُبّما لَنْ أقُولَها غَدًا
فَالأَرْضُ تَأْخُذُ تِسْعَةَ شُهُورٍ لِتَطلع زَهْرَةْ
واللّيْلُ يَتَعَذّبُ كَثيْرًا ليَلِدَ نَجْمَةْ
والبَشَريّةُُ تَنْتِظرُ أُلُوفَ السّنَواتِ لِتَطََلُّع نَبّيًا
فَلِمَاذا لا تَنْتَظرينَ بَعْضَ الوَقْتِ
لتُصبِحِي حَبيبَتِي؟

قصيدة: أحلى خبر

كَتَبْتُ أُحِبّكِ فَوقَ جِدَارِ القَمَرْ
أُحِبّكِ جِدًّا
كَما لَا أَحَبّكِ يَومًا بَشَرْ
أَلَمْ تَقَرئيهَا
بِخَطّ يَدِي
فَوْقَ سُورِ القَمَرْ؟
وَفَوْقَ كَراسِي الحَديقَةِ
فَوْقَ جُذُوعِ الشَّجَرْ
وَفَوقَ السّنَابِل
فَوقَ الجَدَاوِل
فَوقَ الثَّمَرْ
وفَوقَ الكَوَاكِبِ تَمْسَحُ عنْهَا
غُبَارَ السَّفَرْ
حَفَرتُ أُحِبّكِ فَوقَ عَقيقِ السّحَرْ
حَفَرْتُ حُدودَ السّمَاء
ألَمْ تُبصِريهَا؟
عَلى وَرَقاتِ الزّهَرْ
عَلَى الجِسْر، والنّهْر، والمُنْحَدرْ
عَلى صَدَفَاتِ البِحَار
عَلى قَطَراتِ المَطَرْ
أَلَمْ تَلْمَحيهَا
عَلى كُلّ غُصْنٍ
وكُلّ حَصَاةٍ، وكُلّ حَجَرْ؟
كَتَبْتُ عَلى دَفْتِر الشّمسِ
أحلَى خَبَرْ
أُحبّكِ جِدًّا
فَليتَكِ كُنْتِ قَرَأتِ الخَبَرْ.

شعر نزار قباني عن الفراق

إنّ الفراقَ موتٌ مبكّر للأحبة، وهو الوجه الأشرُّ للحب، ولذلك أكثر الشعراء من الحديث عنه، وهذه أبرز قصائد نزار قبّاني في الفراق:

قصيدة: بريدها الذي لا يأتي

تِلْكَ الخِطَابَاتُ الكَسُولةُ بينَنَا
خَيْرٌ لَها، خَيْرٌ لَها أَن تُقْطَعا
إِنْ كَانَتِ الكَلِماتُ عندَكِ سُخْرَةً
لَا تَكتُبِي، فالحُبّ ليسَ تَبَرُّعَا
أَنَا أَرْفُضُ الإِحسَانَ مِنْ يَدِ خَالِقي
قَدْ يَأخُذُ الإِحْسانُ شَكْلاً مُفْجِعَا
إنّي لأقْرَأُ مَا كَتَبتِ فَلا أَرَى
إِلّا البُرُودَة والصّقيع المُفزِعَا
عَفويةً كُونِي، وإلا فَاسْكُتِي
فَلَقَد مَلَلْتُ حَديثَكِ المُتَمَيّعا
حَجَريةُ الإِحسَاسِ، لَنْ تَتَغيّرِي
إنّي أُخاطِبُ مَيتًا لَنْ يَسمَعَا
مَا أَسْخَف الأعذَارِ تَبْتَدعينَهَا
لَو كَانَ يُمكِنُنِي بِهَا أَنْ أَقنَعا
سَنَةٌ مَضَتْ، وَأَنَا وَراءَ سَتَائِري
أسْتَنظِرًُ الصيْفَ الذي لَنْ يرجِعَا
كُلّ الذي عِندِي رَسَائلُ أربَعٌ
بَقيَتْ كَمَا جَاءَتْ رَسائِلُ أربَعَا
هَذا بَريْدٌ أَمْ فُتَاتُ عَوَاطِفٍ؟
إنّي خُدِعْتُ وَلَنْ أعُودَ فَأُخدَعَا
يا أكسَلَ امرَأَةٍ تَخُطّ رِسَالَةً
يَا أيّتُها الوَهْمُ الذي مَا أُشبِعَا
أنَا مِن هَوَاكِ ومِنْ بَريدكِ مُتعَبٌ
وأُريدُ أَنْ أَنسَى عَذَابَكُما مَعَا
لا تُتْعِبي يَدَكِ الرّقيقةَ، إنّني
أَخْشَى عَلى البِلّوْرِ أن يَتَوَجّعَا
إنّي أُريحُكِ مِن عَنَاء رَسَائِل
كَانَتْ نِفَاقًا كُلّها وتَصَنُّعَا
الحَرْفُ في قَلبي نَزيْفٌ دَائمٌ
والحَرْفُ عِنْدَكِ مَا تَعَدّى الإصْبَعَا

قصيدة: حبيبة وشتاء

وَكَانَ الوَعْدُ أَنْ تَأْتِي شِتَاءً
لَقَدْ رَحَلَ الشّتَا، ومَضَى الرَّبيعُ
تُطرِّزُها، ولَا ثَوبٌ بَديْعٌ
ولا شَالٌ يُشيل عَلى ذُرَانَا
وهَاجرَ كُلّ عُصْفورٍ صَديقٍ
وَمَاتَ الطيِّبُ، وارْتَمَتْ الجُذُوعُ
ولمْ يَسْعَدْ بكِ الكُوخُ الوَديعُ
ففِي بَابِي يرَى أَيلولَ يبكِي
وَيسْعُلُ صَدْرُ مُوقدَتي لَهيْبًا
فيَسْخُنُ في شَرايينِي النَّجيعُ
وتذْهَلُ لَوْحَةٌ، ويَجُوعُ جُوعٌ
وفيمَا يُضمِرُ الكَرَم الرَّضيع
وفي تِشْرينَ، فِي الحَطَبِ المُغنِي
وفِي كَرَمِ الغَمَائِم في بِلَادِي
وَفِي النَّجْمَاتِ فِي وَطَنِي تضيْع
إِليَها، قَبْلَ ما اهتَدَتِ القُلوعُ
وَلا ادّعََتِ الضّمَائِر والضُلُوع
أشُمّ بفِيكِ رائِحَةَ المَرَاعِي
أُقَبّل إذ أُقَبّله حُقُولاً
وَيَلثُمُني عَلى شَفَتيّ الرّبيع
بجِسْمِي مِنْ هَوَاكِ شَذًا يَضُوع
فَهَل يُطفِي جَهَنّمَ مسْتَطيعُ؟
فَلا تَخْشَي الشِّتَاء ولا قُوَاه
أُحِبُّكِ، لا يَحُدّ هَوايَ حَدٌ
ولَا ادّعَتِ الضّمَائِر والضُلُوع
أشُمّ بفِيكِ رائِحَةَ المَرَاعِي
ويَلْهَثُ في ضَفَائِركِ القَطيعُ
أقَبّلِ إذ أقَبّله حُقُولاً
ويلْثُمنِي عَلى شَفَتَي الرّبيع
أنَا كَالحَقْل مِنكِ فَكُلّ عُضْوٍ
بجِسْمِي مِنْ هَوَاكِ شَذًا يَضُوع
جَهَنّمي الصّغيرة، لا تَخَافِي
فَهَل يُطفِي جَهَنّمَ مسْتَطيعُ؟
فَلا تَخْشَي الشِّتَاء ولا قُوَاه
ففِي شَفَتَيْكِ يحْتَرِقُ الصّقيع

قصيدة: تأخذين في حقائبك الوقت وتسافرين

أيَّتهَا المَرأة التي كَانَتْ في سَالِف الزَّمانِ حَبيبتِي
سَألْتُ عَن فُندُقي القَديم
وعَنِ الكُشكِ الذي كُنتُ أشتَرِي مِنْه جَرائِدِي
وأوْرَاقَ اليَانَصيب التي لا تُربِح
لَم أَجِدِ الفُنْدُقَ ولا الكُشُكَ
وعَلِمْتُ أنّ الجَرائِد
تَوَقّفَت عن الصّدور بَعدَ رَحيلِكِ
كَانَ واضِحًا أنّ المَدينَةَ قد انتَقَلَتْ
والأرْصِفَة قد انتَقَلَتْ
والشمْسُ قَد غيّرََتْ رَقْم صُندُوقِها البَريدِيّ
والنُجُوم التي كُنّا نسْتَأجِرُهَا فِي مَوسِمِ الصيْفِ
أصبَحَتْ برَسْم التسْليمِ
كَانَ واضِحًا أنّ الأشْجَارَ غيّرََتْ عنَاوينَها
والعَصَافيرَ أخَذَتْ أولَادَها
ومَجمُوعةَ الأُسطُوانَاتِ الكلاسيكِيّة التي تَحْتفِظ بِهَا
وهَاجَرتْ
والبَحْرَ رَمَى نَفسَه في البَحْر ومَاتَ
بَحْثًا عَن مِظَلَّةٍ تَقينِي مِن المَاء
وأسْمَاءَ الأنْديَةِ الليْليّة التي راقًصتُكِ فيها
ولكِنّ شرطِي السّير، سَخِرَ مِن بَلَاهَتي
وأخبَرَنِي أنّ المَدينةَ التي أبحَثُ عنْها
قَد ابتَلَعَها البَحرُ
في القَرْنِ العَاشِر قَبلَ الميلادِ
أيّتُها المَرْأة التي كَانَتْ في سَالِفِ الزّمانِ حَبيبَتي
لِمَاذا تَضَعينَ الوَقْتَ في حَقَائبِكِ
وتُسافِرينَ؟
لِمَاذا تَأْخُذينَ مَعَكِ أسْماءَ أيّامِ الأُسبُوع
وكُرَويّة الأَرضِ
كَما لا تَسْتَوعِبُ السَّمَكةُ خُروجَها مِنَ الماءِ
أنتِ مُسافِرةٌ في دَمِي
ولَيْس مِن السّهْل أنْ أسْتَبدِل دَمِي بدَمٍ آخَرَ
ففصيلةُ دَمِي نادِرَةٌ
كالطُيُور النَادِرةِ
والنبَاتَاتِ النادِرَةِ
والمَخْطُوطَاتِ النادِرَةِ
وأنتِ المَرأةُ الوَحيدَةُ
التي يُمكِن أنْ تَتَبرّع لِي بِدَمِها
ولكنّكَِ دَخَلْتِ عَليّ كسَائِحَة
وخَرجْتِ منْ عِندِي كَسَائِحَة
كَانَتْ كَلِماتُك البَارِدَة
تتَطَايَرُ كَفَتَافيتِ الوَرَقِ
وكَانَتْ عَواطِفُكِ
كالّلؤلُُؤ الصِّنَاعِيّ المُستَوردَة من اليَابَانِ
وكَانَتْ بَيرُوت التي اكتَشَفْتُها مَعكِ
وأدْمَنتُها مَعكِ
وعِشْتُها بالطُّولِ والعَرضِ مَعكِ
تَرمِي نَفْسَها مِن الطّاَبِقِ العَاشِر
وتَنْكَسِرُ ألْفَ قِطْعَة.

قصيدة: ساعي البريد

أَغْلَى العُطُور أُريدُهَا
أَزْهَى الثّيابِْ
فَإِذا أطَلّ بَريدُهَا
بَعْدَ اغتِرَابْ
وطَوَيتُ في صَدرِيَ الخِطَابَْ
عَمَّرتُ في ظَنّي القِبَابْ
وأَمَرتُ أنْ يُسقَى المَسَاء
مَعِي الشَّرابْ
ووهَبْتُ للَّيلِ النُّجُوم
بِلا حِسَاب بِلا حِسَابْ
أنا عِندَ شُبَّاكِي الذي
يَمْتَصّ أوْرِدةَ الغِيابْ
وشُجَيرةَ النَارِنجِ
يَابِسَةٌ
مُضَيِّعَةً الشّبابَْ
ومُوزِّع الأشْوَاقِ
يتْرُكُ فَرْحَةً فِي كُلّ بَابْ
خُطواتُه
فِي أَرْضِ شَارِعِنا
حَديثٌ مُستَطَابْ
وحَقيبَةُ الآماَل
تَعْبِقُ بالتّحَاريرِ الرِّطَابْ
هَذا غِلافِي القُرمُزيّ
يَكَادُ يلتَهِبُ التِهَابْ
وأَكَادُ ألتَهِمُ النِّقَابَ الفُستُقيّ
ولا نِقَابْ
أنَا قَبلَ أنْ كَانَ الجَوَابْ
طيبان لي طيب الحروف
وطيْبُ كاتِبَة الكِتَابْ
أطْفُو عَلى الحَرفِ الذي صَلّى عَلى يدِهَا وتَابْ
خَطٌ
مِنَ الضُوء النِّحيتِ
فكُلّ فَاصِلةٍ شِهَابْ
هَذا غِلافِي لا أشُكّ
يرفُّ مَجرُوحَ العتَابْ
عُنوانُ منزِلِنا المُغَمَّسِ بالسَّحَابْ
عُنوانُنا
عنْدَ النُّجومِ الحَافِياتِ
عَلى الهِضَابْ
يا أنتَ
يا سَاعِيَ البَريدِ
ببَابِنَا، هَلْ مِنْ خِطَابْ؟
ويُقَهْقِه الرَّجُل العَجوزُ
ويختَفِي بينَ الشِّعَابْ
مَاذا يَقُولُ؟ يَقول:
لَيْسَ لسَيّدي إلّا التُّرابْ
إلّا حُروفٌ مِن ضَبابْ
أينَ الحَقيبَة؟
أين عُنوانِي؟
سَرَابٌ فِي سَرَابْ.

قصيدة: غرفة

يا غُرفَةً جَميعُ مَا
فيها نَسيقٌ حَالِمْ.
تَروِي الهَوى جُدرَانُها
والنُّورَ والنَّسائِمْ
أشياؤُكِ الأُنثَى بِها
نَثيرَةٌ تزَاحمْ
فَدَورَقُ العَبيرِ يَبكِي
والوِشاحُ وَاجِمْ
وعِقْدُكِ التريْكُ
أشجَاه الحَنينُ الدَّائِمْ
وذلِك السِّوارُ يبكِي
حُبَّنا والخَاتمْ
في الرّكْنِ مِنديلٌ يُناديني
شَفيفٌ فَاغِمْ
مَا زالَ في خُيوطِه
مِنكِ عَبيرٌ هَائِمْ
وتِلكَ أثْوابُ الهَوى
مَواسِمٌ مَواسِمْ
هَذا قَميصٌ أَحمرُ
كالنّار لا يُقاوِمْ
وثَمّ ثَوبٌ فاقِعٌ
وثَمّ ثَوبٌ قَاتِمْ
تُذْكِي جَحيمِي صُورَةٌ
تلُفُّها البَرَاعِمْ
وأنتِ مِن وَرَائِها
هَدَبٌ وَوَجْهٌ نَاعِمْ
ومبْسَمٌ مُلَملمٌ
يَحارِ فيه الرَّاسِمْ
كَأنّما أنتِ هُنا
طَيْفٌ وصَوْتٌ نَاغِمْ
أنتِ التي فِي جانِبِي
أمُّّ الإطَار الوَاهِمْ
سَمْرَاءُ يا سَمرَاءُ بِي
إليكِ شَوْقٌ ظَالِمْ
عودِي عَلى ضَفَائِرالغَيْمِ
اللِّقاء القادِمْ.
لا تَترُكينِي لمْ يَكُن
لَولاكِ هَذا العَالَمْ.

شعر نزار قباني على لسان المرأة

لقد أكثرنزار قبّاني من ذكر المرأة في شعره، فتارة يصفها ويصف حبه لها، وتارة يقول الشعر على لسانها موجهًا للرجل، وممّا قال في ذلك:

قصيدة: أيظن

أَيظُنّ أنّي لُعبَةٌ بيَديهْ؟
أنا لا أُفكّر في الرّجُُوعٍ إليهْ
اليوم عَادَ كَأنّ شيئًا لم يكُنْ
وبَراءَةُ الأطفالِ في عَينَيهْ
ليَقُولَ لِي: إنّي رفيقَةُ دربِه
وبأنّني الحُبّ الوَحيدُ لديهْ
حَمَلَ الزُّهورَ إليّ، كَيفَ أرُدّه
وصَبايَ مَرسُومٌ على شَفَتيهْ؟
مَا عُدتُ أذكُرُ والحَرائِقُ في دَمِي
كَيفَ التَجَأتُ أنا إلى زندَيهْ
خَبّأتَُ رأسِي عِندَه وكَأنّني
طِفلٌ أعَادُوه إلى أبَويهْ
حتَى فَساتينِي التي أهْملتُهَا
فرِحَتْ به رَقصَتْ عَلى قَدميهْ
سامَحْتُه وسَألتُ عنْ أخبَارِه
وبَكيتُ سَاعاتٍ على كَتفَيهْ
وبدُونِ أن أدرِي تَركتُ له يَدي
لتنَام كالعُصْفُور بينَ يَديهْ
وَنسيتُ حِقدِي كُلّه في لّحْظَة
مَن قَالَ إنّي قد حَقدتُ عليهْ؟
كم قُلتُ إنّي غَيرُعائِدةٍ لَه
ورَجعتُ مَا أحلى الرّجُُوع إليهْ.

قصيدة: اغضَبْ

اغْضَبْ كَما تَشَاء
واجْرَحْ أحَاسيسِي كمَا تَشَاء
حَطِّمْ أوانِي الزَّهرِ والمَرَايا
هدِّدْ بحُبّ امرَأةٍ سِوايَا
فكُلّ مَا تفعَلُه سَواء
كُلّ مَا تقولُه سَواء
فأنتَ كالأطفَالِ يا حَبيِبي
نُحِبُّهم مَهمَا لنَا أسَاؤُوا
اغْضَبْ
فأنتَ رَائِعٌ حَقّاً مَتى تثُورْ
اغْضَبْ
فَلولَا المَوجُ مَا تكوَّنتْ بُحُورْ
كُن عَاصِفًا كُن مُمطِرًا
فإنّ قَلبي دَائِمًا غفُورْ
اغْضَبْ
فلَنْ أُجيبَ بالتَّحدِّي
فأنتَ طِفلٌ عَابِثٌ
يَملَؤُه الغُرورْ
وكَيفَ مِن صِغَارِها
تَنتَقِمُ الطّيورْ؟
اذْهَبْ
إذا يَومًا مَلَلْتَ منّي
أمَّا أنَا فإنّي
سَأَكتَفِي بدمْعِي وحُزنِي
فالصّمْتُ كِبرِياءْ
والحُزنُ كِبرِياءْ
اذْهَبْ
إذَا أتعَبكَ البَقاءْ
فالأَرضُ فيها العِطْرُ والنِّساءْ
والأعينُ الخَضرَاءُ والسَّوداءْ
وعِندَما تُريدُ أنْ ترانِي
وعندَما تَحتَاجُ كالطِّفلِ إلى حَنَاني
فَعُدْ إلى قلبِي متَى تَشَاءْ
فَأَنتَ في حَياتي الهَواءْ
وأنتَ عِندِي الأرضُ والسّماءْ
اغْضَبْ كما تَشَاءْ
واذْهَبْ كَما تَشاءْ
واذْهَبْ مَتى تَشاءْ
لا بُدَّ أن تَعُودَ ذاتَ يَومٍ
وَقَد عَرِفتَ مَا هو الوَفَاءْ

قصيدة: فساتيني

فَسَاتيني
لِماذَا صِرتُ أكرَهُها؟
لماذَا لا أًمزِّقُها؟
أُقلّب طَرفِي
كَأنّي لسْتُ أعرِفُها
كَأنّي لَم أَكُنْ فيها
أحَرِّكُها وأمْلَؤُهَا
لِمَنْ تَتَهدّل الأثوابُ: أحمَرُهَا، وأزْرَقُها
وواسِعُها، وضَيِّقُها
وعَارِيها، ومُغْلَقُها
لِمَن قَصبِي؟
لِمَن ذَهَبِي؟
لَمنْ عِطْرٌ فَرنسِيٌ
يُقيمُ الأرضَ مِنْ حَولِي ويُقعِدُها؟
فَساتِينِي
فَرَاشَاتٌ مُحَنّطَةٌ
عَلَى الجُدرَانِ أصْلُبُها
وفي قَبْرٍ مِنَ الحِرمَانِ أدْفِنُها
مَسَاحيقِي، وأقْلَامِي
أخَافُ أَخَافُ أقْرَبُها
وأمْشَاطِي، ومِرآتِي
أَخَافُ أخَافُ ألمِسُها
فَما جَدوَى فَراديسِي
ولا إِنسَانَ يدخُلُهَا؟.

قصيدة: ماذا أقول له

مَاذا أَقُولُ له لو جَاءَ يَسْألُنِي

إنْ كُنتُ أكْرَههُ أو كُنْتُ أهوَاه؟

مَاذا أقُولُ، إِذا رَاحَتْ أصَابِعُه

تُلَملِمُ اللّيلَ عَن شَعرِي وتَرعَاه؟

وكَيفَ أسْمَحُ أنْ يَدنُو بمقْعَده

وأَنْ تَنامَ على خَصرِي ذِرَاعَاه؟

غَدًا إذا جَاءَ أُعطِيه رسَائلَه

ونُطعِم النّار أحلَى ما كَتَبنَاه

حَبيبَتي! هَل أَنا حَقّاً حَبيبَتُه؟

وهَل أُصَدِّقُ بَعدَ الهَجرِ دَعوَاه؟

أمَا انتَهَتْ من سنينَ قِصّتي مَعَه؟

ألَم تَمُتْ كخُيوطِ الشَّمسِ ذِكرَاه؟

أمَا كَسَرْنَا كُؤوسَ الحُبّ مِن زَمنٍ

فكَيفَ نَبْكي عَلى كَأسٍ كَسَرنَاه؟

رَبّاهَُ، أشْياؤُه الصُّغرَى تُعذِّبُني

فَكيفَ أنجُو مِن الأشياءِ رَبّاه؟

هُنَا جَريدَتُه فِي الرُّكنِ مُهمَلَة

هُنا كِتَابٌ مَعًا كُنّا قَرأنَاه

عَلى المَقَاعِد بَعضٌ من سَجَائِره

وفي الزّوَايَا بَقَايَا من بقَايَاه

ما لِي أُحَدِّقُ في المِرآة أسْأَلُه

بأيِّ ثَوبٍ مِنَ الأثوابِ ألقَاه

أَأَدّعي أنّني أصْبَحتُ أكرَهُه؟

وكَيفَ أكْرَه مَن في الجّفن سُكْناه؟

وكَيفَ أهرُب منه؟ إنّه قَدرِي

هل يَملِكُ النّهر تغييرًا لمجْرَاه؟

أحِبُّه، لسْتُ أدرِي ما أُحبّ به

حَتّى خَطايَاه مَا عَادتْ خَطَاياه

الحُبّ في الأرْضِ بَعض من تخلِين

لَو لَم نَجِده عَليها لاختَرَعنَاه

مَاذا أقُولُ لَه لَو جَاء يَسْأَلُني

إنْ كُنتُ أهوَاه، إنّي ألفُ أهوَاه.

قصيدة: أنا محرومة

لا أُمّهُ لَانَتْ ولا أٌمّي
وحُبّه ينَام في عَظمِي
شَالِي فَلِي شَالٌ مِن الغَيم
أَو أَوْصَدُوا الشُّباكَ كَي لا أَرَى
مَا أشفَقَ النّاسَُ عَلى حُبِّنا
وأَشْفَقتْ مسَانِدُ الكرمِ
فَهَل ترَاهُم عَطَّرُوا هَمّي؟
أما بَذَرنا الرّصْدَ والميجنَا
قَوافِل الأقْمَارِ من رَسْمِه
ومَا تَبَقّى كُلّه رَسمِي
أُدرَكَ خَصْرٌ نِعمَةَ الضمِّ
من فَضْلنا، منْ بَعضِ أفضَالِنا
قَوافِل الأقْمَارِ من رَسْمِه
ومَا تَبَقّى كُلّه رَسمِي
وقبْلَنا لا شَالَ شالٌ ولا
أدْرَكَ خَصْرٌ نِعمَة الضمِّ
من فَضْلنا، منْ بَعضِ أفضَالِنا
أنّا اختَرَعنَا عَالَم الحُلمِ.



لقراءة المزيد من قصائد الشّاعر، ننصحك بقراءة هذا المقال: أبيات شعر نزار قباني عن الحب.

المراجع[+]

  1. "أحبك"، نزار قباني، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020.
  2. "أحبك جدًا"، نزار قباني، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020.
  3. "رسالة حب صغيرة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/12/2020.