أجمل قصائد محمود درويش

أجمل قصائد محمود درويش
أجمل-قصائد-محمود-درويش/

قصيدة: لا شيء يعجبني

يقول مسافرٌ في الباصِ لا الراديو
ولا صُحُفُ الصباح, ولا القلاعُ على التلال
أُريد أن أبكي
يقول السائقُ: انتظرِ الوصولَ إلى المحطَّةِ
وابْكِ وحدك ما استطعتَ
تقول سيّدةٌ: أَنا أَيضًا
أنا لا شيءَ يُعْجبُني
دَلَلْتُ اُبني على قبري
فأعْجَبَهُ ونامَ، ولم يُوَدِّعْني
يقول الجامعيُّ: ولا أَنا، لا شيءَ
يعجبني
دَرَسْتُ الأركيولوجيا دون أَن
أَجِدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة، هل أنا
حقًّا أَنا؟
ويقول جنديٌّ: أَنا أَيضًا
أَنا لا شيءَ يُعْجبُني
أُحاصِرُ دائمًا شَبَحًا
يُحاصِرُني
يقولُ السائقُ العصبيُّ: ها نحن
اقتربنا من محطتنا الأخيرة، فاستعدوا
للنزول
فيصرخون: نريدُ ما بَعْدَ المحطَّةِ
فانطلق
أمَّا أنا فأقولُ: أنْزِلْني هنا
أنا مثلهم لا شيء يعجبني،
ولكني تعبتُ
من السّفَرْ

قصيدة: من أنا دون منفى

غريبٌ على ضفة النهر, كالنهر يَرْبِطُني
باسمك الماءُ، لا شيءَ يُرْجعُني من بعيدي
إلى نخلتي: لا السلامُ ولا الحربُ
لا شيء يُدْخِلُني في كتاب الأَناجيلِ
لا شيء لا شيء يُومِضُ من ساحل الجَزْر
والمدّ ما بين دجْلَةَ والنيل
لا شيء يُنْزِلُني من مراكب فرعون
لا شيء يَحْملني أو يُحَمِّلني فكرةً: لا الحنينُ
ولا الوَعْدُ
ماذا سأفعل؟
ماذا سأفعل من دون منفى وليلٍ طويلٍ
يُحَدِّقُ في الماء
يربطُني
باسمكِ
الماءُ
لا شيء يأخذني من فراشات حُلْمي
إلى واقعي: لا الترابُ ولا النارُ
ماذا سأفعل من دون وَرْدِ سَمَرْقَنْدَ؟
ماذا سأفعل في ساحةٍ تصقُلُ المُنْشدين بأحجارها
القمرَّيِة؟
صِرْنا خَفِيفَيْنِ مثلَ منازلنا
في الرياح البعيدةِ .
صرنا صَدِيقَيْنِ للكائنات
الغريبةِ
بين الغيوم وصرنا طَلِيقَيْنِ من
جاذبيَّة أْرضِ الهُوِيَّةِ
ماذا سنفعل؟
ماذا سنفعل من دون منفى, وليلٍ طويلٍ
يُحَدِّقُ في الماء؟
يربطني
باسمكِ
الماءُ
لم يبقَ سواكِ، ولم يبق منك
سوايَ غريبًا يُمَسِّدُ فَخْذَ غريبِتِه: يا
غريبةْ
ماذا سنصنع فيما تبقَّى لنا
من هُدُوءٍ وقَيْلُولَةْ
بين أسطورتين؟
ولا شيء يحمِلُنا: لا الطريقُ ولا البيتُ
هل كان هذا الطريق كما هُو
منذ البداية؟
أَم أَنَّ أَحلامنا وَجَدَتْ فرسًا من خيول
المَغُول على التلِّ فاُسْتَبْدَلَتْنا؟
وماذا سنفعلُ؟
ماذا
سنفعلُ
من
دون
منفى؟

قصيدة: ونحنُ نحبّ الحياة

وَنَحْنُ نُحِبُّ الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا
وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلا
نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا
وَنَسْرِقُ مِنْ دُودَةِ القَزِّ خَيْطًا لِنَبْنِي سَمَاءً لَنَا وَنُسَيِّجَ هَذَا الرَّحِيلا
وَنَفْتَحُ بَابَ الحَدِيقَةِ كَيْ يَخْرُجَ اليَاسَمِينُ إِلَى الطُّرُقَاتِ نَهَارًا جَمِيلا
نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا
وَنَزْرَعُ حَيْثُ أَقمْنَا نَبَاتًا سَريعَ النُّمُوِّ, وَنَحْصدْ حَيْثُ أَقَمْنَا قَتِيلا
وَنَنْفُخُ فِي النَّايِ لَوْنَ البَعِيدِ البَعِيدِ, وَنَرْسُمُ فَوْقَ تُرابِ المَمَرَّ صَهِيلا
وَنَكْتُبُ أَسْمَاءَنَا حَجَرًا أَيُّهَا البَرْقُ أَوْضِحْ لَنَا اللَّيْلَ أَوْضِحْ قَلِيلا
نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا[١]

قصيدة: أستطيع الكلام عن الحب

وَهَا أنَذَا أسْتطِيعُ الكَلامَ عَنِ الحُبِّ، عَنْ شَجَرٍ فِي طَريقٍ يُؤدِّي إلَى هَدف الآخَرين،
وَعَنْ حَالَةِ الجَوِّ في بَلَد الآخَرين
وَأُهْدي حَمَامَ المدينة حَفْنَةَ قمح وَ أسْمَعُ أصْوَاتَ جيرَاننَا وَ هيَ تَحْفُرُ جلْدي
وَهَا أَنَذَا أسْتطيعُ الحَيَاةَ إلى آخِر الشَّهْر
أَبْذُلُ جُهْدي لأكْتُب ما يُقْنعُ القَلْبَ بالنَّبض عِنْدي وَ مَا يُقْنعُ الروح بالعَيْش بَعْدي
وفي وُسْع غارْدينيا أن تُجدّد عُمْري و في وُسْع امرأة أنْ تُحدّد لَحْدي
وَهَا أنَذَا أسْتطيعُ الذَّهَاب إلَى آخِر العمر في اثْنَيْن: وَحْدي، وَوَحْدي
وَلا أسْتطيع التّواطؤ إلاّ مع الكلماتِ التي لمْ أَقُلها، لأفدي مكوثي على حافةِ الأرْض،
بين حصَارِ الفضاء وبين جحيم التّرَدّي
سَأحْيَا كما تَشْتَهي لُغتي أنْ أكُون سَأحْيا بِقُوةِ هَذَا التَّحدّي.[٢]

قصيدة: هدنة مع المغول أمام غابة السنديان

كائنات من السنْدِيان تُطيلُ الوقوفَ على التلّ قَدْ يصعَدُ العُشْبُ
من خبزنا نحوها إِنْ تركنا المكانَ, وَقَدْ يهبط اللازوردُ السماويُّ منها
إِلى الظلِّ فوق الحصونْ،
مَنْ سيملأ فخارنا بعدنا؟
كلُّ شيء يدلُّ على عَبَث الريح لكنّنا لا نَهُبُّ هباء رُبَّما كان هذا النهارُ
أَخَفَّ علينا من الأَمس, نحن الذينْ قد أَطالوا المكوثَ أَمام السماء
ولم يعبدوا غير ما فَقَدُوا من عبادتهمْ رُبَّما كانت الأَرضُ أَوسعَ من
وَصفْها
ربّما كان هذا في الطريقُ دخولًا مع الريح
في غابة السنديانْ
الضحايا تَمُرُّ من الجانبينْ, تقول كلامًا أَخيرًا وتسقط في عالَمٍ واحدٍ
سوف ينتصرُ النسْرُ والسنديانُ عليها
فلا بُدَّ مِنْ هُدْنَةٍ للشقائق في السهل كي تُخْفِيَ الميتين على الجانبين,
وكيْ نَتَبَادَلَ بَعْض الشتائم قبل الوصول إِلى التلّ
لا بُدَّ مِنْ تَعَبٍ آدمي يُحَوِّل تلك الخيولَ إِلى
كائناتٍ من السنديانْ.
الصدى واحدٌ في البراري: صدى, والسماءُ على حجر غرْبَةٌ عَلَّقْتها
الطيورُ على لا نهايات هذا الفضاء, وطارت والصدى واحدٌ في
الحروب الطويلة: أُمٌّ, أَبٌ، وَلَدٌ صَدَّقوا أَنَّ خلف البحيرات خيلًا تعود
إِليهم مُطَهَّمةً بالرجاء الأَخيْر فأَعدُّوا لأحلامهم قهوةً تمنع النوَمَ
في شَبَح السنديانْ
كُلُّ حربٍ تُعَلِّمنا أَن نحبَّ الطبيعة أَكثرَ: بعد الحصارْ نَعْتَني بالزنابقِ
أَكثرَ, نقطف قُطْنَ الحنان من اللَوْزِ في شهر آذارَ
نزرع غاردينيا في الرخام, ونَسْقي نباتاتِ جيراننا عندما يذهبون إِلى
صَيْد غزلاننا
فمتى تَضَعُ الحربُ أَوزارها كي نفُكَّ خُصُورَ النساء على التلّ
من عُقدة الرَّمز في السنديانْ؟
ليت أَعداءَنا يأخذون مقاعدنا في الأساطير كي يعلموا كم نُحبُّ
الرصيفَ الذي يكرهون ويا ليتهم يأخذونْ
ما لنا من نُحاس وبرْق لنأخذ منهم حرير الضجرْ
ليت أعداءنا يقرؤون رسائلنا مرتين, ثلاثًا ليعتذروا للفراشة عن لعبة
النار
في غابة السنديانْ
كم أردنا السلامَ لسيدنا في الأعالي لسيدنا في الكُتُبْ
كم أَردنا السلام لغازلة الصوف، للطفل قرب المغارةْ لِهُواة الحياة
لأولاد أعدائنا في مخابئهمْ، للمَغُولْ عندما يذهبون إِلى ليل زوجاتهم,
عندما يرحلونْ عن برِاعم أزهارنا الآن عَنَّا,
وعن ورق السنديانْ
الحروب تُعَلِّمنا أَن نذوق الهواء وأَن نمدح الماء
كَمْ ليلةً سوف نفرح بالحُمُّص الصلْب والكستنا في جيوب معاطفنا؟
أَمْ سننسى مهارتنا في امتصاص الرذاذ ؟
ونسأَل: هَلْ كان في وُسْع مَنْ مات أَلّا يموت ليبدأ سيرتَهُ من هنا؟
رُبَّما نستطيع مديح النبيذ ونرفعُ
نخْبًا لأَرملة السنديانْ
كُلُّ قَلْبٍ هنا لا يردُّ على الناي يسقط في شَرَك العنكبوت
تمهَّلْ تمهَّلْ لتسمع رَجْعَ الصدى فوق خيل العَدُوّ، فإِنُ المغُول يُحبُّون
خمرتنا ويريدون أَن يَرْتَدوا جلد زوجاتنا في الليالي, وأَن يأخذوا شعراء
القبيلة أسرى, وأَنْ
يقطعُوا شَجَرَ السنديانْ
المغُول يريدوننا أَن نكون كما يبتغون لنا أن نكونْ حفنةً من هبوب
الغبار على الصين أَو فارسٍ, ويريدوننا أَن نُحبَّ أَغانِيَهُمْ كُلَّها كي يَحُلَّ
السلامُ الذي يطلبونْ
سوف نحفظ أَمثالهم، سوف نغفر أَفعالَهُم عندما يذهبونْ
مَعَ هذا المساء إِلى ريح أجدادهمْ
خلفَ أُغنيةِ السنديانْ
لمْ يجيئوا لينتصروا, فالخرافةُ ليست خرافتَهُمْ
إِنهم يهبطونْ من رحيل الخيولِ إِلى غرب آسيا المريضِ, ولا يعرفونْ
أَنَّ في وسعنا أَن نقاوم غازان أَرغون أَلفَ سَنَةْ
بيْدَ أَن الخرافةَ ليست خرافَتهُ
سوف يدخل عَمَّا قليلْ دينَ قتلاهُ كي يتعلَّم منهم كلامَ قُرَيش
ومعجزةَ السنديانْ
الصّدَى واحدٌ في الليالي
على قمة الليل نُحْصي النجومَ على صدر سَيِّدنا, عُمْرَ أَولادنا كبروا
سَنَةً بعدنا غَنَمَ الأَهل تحت الضباب, وأَعدادَ قتلى المغول, وأعدادَنا
والصدى واحدٌ في الليالي سنرجع يومًا, فلا بُدَّ من شاعرٍ فارسيٍّ
لهذا الحنين
إلى لُغَةِ السنديانْ
الحُروبُ تعلَّمنا أَن نحبَّ التفاصيل: شكْل مفاتيحِ أَبوابنا, أن نُمَشِّطَ
حنطتنا بالرموش, ونمشي خِفَافًا على أرضنا, أَن نقدِّسَ ساعات قبل
الغروب على شجَر الزَّنْزَلَخْت
والحروبُ تُعَلِّمُنا أَن نرى صورة الله في كل شيء, وأَنْ نَتَحَمَّل عبء
الأساطير كي نُخْرِجَ الوحشَ
من قصَّة السنديانْ
وأَخيرًا, صعدْنا إِلى التَلِّ ها نحن نرتفع الآن فوق جذور الحكاية
ينبت عُشْبٌ جديد على دمنا وعلى دمهِمْ
سوف نحشو بنادقنا بالرياحين, سوف نُطَوِّق أَعناقَ ذاك الحمام بأَوسمة
العائدين ولكننا لم نجد أَحدًا يقبل السِّلْم، لا نحن نحن ولا غيرنا غيرنا
البنَادِقُ مكسورة والحمامُ يطير بعيدًا بعيدًا لم نجد أحدًا ههنا
لم نجد أَحدًا
لم نجد غابة السنديانْ!

قصيدة: ما أنا إلاّ هو

بعيدًا وراء خُطاه
ذئابٌ تعضُّ شعاع القمرْ
بعيدًا، أمام خُطاه
نجوم تضيء أَعالي الشجرْ
وفي القرب منه
دمٌ نازفٌ من عروق الحجرْ
لذلك، يمشي ويمشي ويمشي
إلى أن يذوب تمامًا
ويشربه الظلّ عند نهاية هذا السفرْ
وما أنا إلاّ هُوَ
وما هو إلاّ أنا
في اختلاف الصّوَر!

قصيدة: أحن إلى خبز أمي

أحنُّ إلى خُبْزِ أمّي
وقهوة أُمّي
ولمسة أُمّي
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يومًا على صدر يومِ
وأعشَقُ عُمرِي لأنّي
إذا مُتُّ,
أخجل من دَمْعِ أُمي!
خذيني، إذا عدتُ يومًا
وشاحًا لهُدْبِكْ
وغطّي عِظَامي بِعُشْبٍ
تعمَّد من طهر كعبك
وشُدّي وثاقي
بخصلة شعر
بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك
عساني أصيرُ إلهًا
إلهًا أصيرْ
إذا مَا لَمَسْتُ قرارة قلبك!
ضعيني, إذا ما رجعتُ
وقودًا بتنور ناركْ
وحبل غسيل على سطح دارك
لأنّي فَقَدتُ الوُقوف
بدونِ صَلاة نَهَارِك
هَرِمْتُ, فردّي نُجوم الطُّفولَة
حتى أُشارك
صغارَ العصافير
دربَ الرجوع
لعُشِّ انتظارِك!

قصيدة: كم البعيد بعيد

كم البعيدُ بعيدٌ؟
كم هي السُبُلُ؟
نمشي
ونمشي إلى المعنى
ولا نَصِلُ
هُوَ السرابُ
دليلُ الحائرين
إلى الماء البعيد
هو البُطْلاَن والبَطَلُ
نمشي, وتنضج في الصحراءِ
حكمتنُا
ولا نقول: لأنّ التِيه يَكْتملُ
لكن حكمتنا تحتاجُ أُغنيةً
خفيفةَ الوزن
كي لا يتعب الأَمَلُ
كم البعيد بعيدٌ؟
كم هِيَ السُبُلُ؟[٣]

قصيدة: أبي

غَضَّ طرفًا عن القمرْ
وانْحَنَى يَحضُنُ التُّراب
وصَلّى
لِسَماء بِلا مَطَر,
وَنَهاني عَن السَّفَر!
أشعل البرقُ أوديةْ
كَانَ فِيها أبي
يربي الحِجارا
من قديم ويخلق الأشجارا
جلدُهُ يندفُ الندى
يدهُ تورقِ الشجرْ
فَبَكى الأفق أُغْنِيةْ:
كان أوديس فارسًا
كان في البيت أرغفةْ
ونبيذ, وأغطيةْ
وخيول, وأحذيةْ
وَأبي قَالَ مَرّة
حين صلّى عَلى حجرْ
غُضَّ طرفًا عن القمر
واحْذَر البَحر والسّفَر!
فَرَوى لي أبي وطأطأ زنْدهْ
فِي حِوار مع العَذَاب
كان أيوب يشكرُ
خالق الجرحُ لي أنا
لا لميْت ولا صنمْ
فدع الجرح والألم
وأعِنّي على الندم!
مرَّ في الأفق كوكبُ
نازلًا، نازلًا
وَكَانَ قَمِيصي
بينَ نارٍ وبينَ ريحْ
وعيوني تُفَكِّر
بِرُسُومٍ على التُّرَاب
وَأبي قَالَ مَرّة:
الذي مَا لَه وَطن
مَا لَهُ فِي الثّرَى ضَريح
وَنَهانِي عَن السّفرْ!

قصيدة: خائف من القمر

خبِّئيني، أتَى القَمَر
ليت مرآتنا حَجَر!
ألفُ سرّ سرّي
وصدرُكِ عَارٍ
وَعُيون عَلى الشّجَر
لا تغطّي كواكبًا
ترشح المِلح والخدر
خبِّئيني مِنَ القَمَر!
وجهُ أمسي مُسافِر
ويدانا على سَفَر
منزلي كان خندقًا
لا أراجيح لِلْقَمَر
خبِّئيني، بِوِحْدَتِي
وَخُذِي المجدَ والسّهر
وَدَعِي لي مخدَّتي
أنتِ عندي
أم القَمَر؟

قصيدة: أبيات غزل

سَألتُكِ: هزّي بأجمل كَف عَلى اَلأَرْضِ
غصنَ الزمان!
لِتَسقُط أوْرَاق ماضٍ وحاضرْ
ويولد في لَمْحَة توأمان:
ملاك، وشاعر!
وَنَعْرِف كَيفَ يعودُ الرَّماد لهيبًا
إذا اعترفَ العَاشِقَان!
إذا فهمتْ مقلتاك شرودي وصمتي
أنا عجبًا، كيف تشكو الرياح
بقائي لديك؟ وأنتِ
خلودُ النّبيذِ بِصَوتِي
وطعم الأساطير والأرض، أنتِ!
لِمَاذا يُسافِر نَجمٌ على بُرْتُقالَة
وَيَشْرَب يَشْرَب يَشْرَب حتّى الثّمالَةْ
إذا كنت بين يديّ
تفتّتَ لحن، وصوت ابتهالةْ
لِمَاذا أُحبك؟
كيفَ تخِرُّ برُوقي لَدَيْكِ؟
وتتعَب ريحِي على شَفَتَيْكِ
فأعرف في لحظةٍ
بأنَّ اللَّيلَ مخدَّةْ
وأنَّ القَمَرَ
جميلٌ كَطلعة وردةْ
وأنّي وَسيمٌ لأنّي لَديكِ!
أتَبْقينَ فوقَ ذِراعي حَمامةْ
تغمّس منقارها فِي فَمي؟
وكفُّك فوق جبينَي شامةْ
تَخلّد وَعْد الهَوَى فِي دَمِي؟
أتبقينَ فَوق ذراعي حَمَامَة
تَجَنّحِي كي أطِير
تُهدهِدُني كي أَنَام
وتجعلُ لاسمِي نبضَ العبير
وتجعلُ بيتيَ برجَ حمام
أريدكِ عِنْدي
خيالًا يسيرُ على قَدَمَيْن
وصخر حقيقةْ
يطير بغمزة عين!

قصيدة: عازف الجيتار المتجول

كانَ رسّامًا
ولكنَّ الصُّوَر
عَادَةً
لا تَفْتَح الأبوابَ
لا تَكْسِرْها
لا تردّ الحُوتَ عن وَجْهِ القَمَر
يا صَديقِي، أيُّهاالجيتَار
خُذنِي
للْشَبابيك البَعيدَةِ
شَاعِرًا كَان
ولَكِنَّ القَصيدَة
يَبِسَتْ في الذاكِرَة
عِنْدَما شَاهَدَ يَافَا
فَوقَ سَطْح البَاخِرَة
يا صَديقِي، أيُّهَا الجيتَار
خُذْنِي
للعُيُون العَسَليّة
كَانَ جُنْديًّا،
ولكنَّ شظيَّة
طَحَنَتْ رُكْبَتَه اليُسرى
فأعطوهُ هديّةً:
رتبةً أُخرى
ورِجلًا خشبّية!
يا صَديقِي، أيّهَا الجيتَار
خُذنِي.
للبِلَاد النائِمَة
عَازِفُ الجيتَار يَأْتي
في الليَالِي القَادِمَة
عِنْدما يَنْصَرِفُ النّاسُ إِلى جَمْع تَوَاقيعِ الجُنُود
عَازِفُ الجيتَار يَأتِي
مِنْ مَكَانٍ لا نَرَاهُ
عِنْدَما يحْتَفلُ النّاسُ بميلادِ الشُهُود
عَازِفُ الجيتَار يَأْتِي
عَارِيًا، أو بثِيابٍ دَاخِليّةْ
عَازِفُ الجيتَار يَأْتي
وأَنا كِدتُ أَرَاه
وأَشُمّ الدَّم فِي أَوْتارِه
وأَنا كِدتُ أَرَاه
سائرًا فِي كُلّ شَارِعْ
كِدتُ أنْ أسمَعَه
صَارِخًا مِلْء الزوَابِع
حَدّقوا
تِلك رِجْلٌ خَشَبّيةْ
واسمَعُوا
تِلْك مُوسيقَى اللحُوم البَشَريّةْ

قصيدة: لوحة على الأفق

رَأَيْتُ جَبينَك الصّيفِيّ
مَرْفُوعًا عَلى الشَّفَقِ
وشعْركِ مَاعِز يَرعَى
حَشيش الغَيْم فِي الأُفُقِ
تَوَدّ العَيْن لَو طَارَتْ إِليك
كَمَا يَطِيرُ النّوم مِن سِجْني
يَوَد القَلْب لَو يَحْبُو إليك
عَلى حَصى الحزنِ
يَوَدّ الثّغْرُ لو يَمْتصّ
عَن شَفَتَيكِ
مِلحَ البَحَر، و الزّمنِ
يَوَدّ، يَوَدّ لَكِنّي
وَرَاء حَديدِ شُبّاكي
أُوَدِّع وَجْهَكِ البَاكِي
غَريقًا فَوْق دمّ الشَمسِ
مَهْدُورًا عَلى الأُفُق
فَأَحْمِل فَوْق جُرح القَلب جُرحَين
و لَكِنّي أُحاول أن أُضمِّدها أُوسِّدها
ذراع تمرُّد الحزنِ!

قصيدة: صلاة أخيرة

يُخَيّلُ لي أن عُمري قصير
وأنّي عَلى الأرضِ سائحْ
وأنّ صديقة قلبي الكَسير
تَخُون إذا غبتُ عنها
وتشرب خمرًا
لغيري،
لأنّي على الأرضِ سائحْ
يُخَيّل لي أنّ خنجَر غدرٍ
سيحفُر ظهري
فتكتب إحدى الجرائد:
كان يجاهد
ويحْزَن أهلي و جيرانُنا
ويفرحُ أعداؤنَا
وبعدَ شهورٍ قليلةْ
يقولون: كان
يُخَيّل لي أنّ شعرِي الحَزينْ
وهَذي المَراثي، ستُصبِح ذكرى
وأنّ أغاني الفرحْ
وقوسَ قُزحْ
سينشِدُها آخرون
وأنّ فَمي سوف يبقَى مُدَمّى
على الرمْلِ والعَوسجِ
فشكرًا لمن يحمِلون
توابيتَ أمواتهِم!
وعفوًا من المُبصرين
أماميَ لافتة النّجم
في ليلة المُدلجِ!
يُخَيّل لِي يا صليب بلادي
ستحرق يومًا
وتُصبح ذكرى ووشمًا
وحين سينزل عنك رمادي
ستَضْحك عينُ القدر
وتغمز ماتا معًا
لو أنّي، لو أنّي
أقَبّل حَتى الحَجر
وأهتِف لم تبقَ إلّا بلادي!
بلاديَ يا طفلة أمَةً
تموت القيود على قدميها
لتأتي قيود جديدة
متى نشرب الكأس نخْبك
حتّى ولو في قصيدة؟
ففرعون مات
ونيرون مات
وكل السنابل في أرض بابلَ
عادت إليها الحياة!
متى نشرب الكأس نخْبك
حتّى ولو في الأغاني
أيا مُهرةً يَمْتطيها طُغاةُ الزّمان
وتفلِتُ منّا
من الزمن الأول
لِجَامُك هذا دَمي
وسِرْجك هذا دَمي
إلى أين أنت إذن رائحة
أنا قد وصلتُ إلى حُفْرةٍ
وأنت أمامًا أمامًا
إلى أين؟
يا مُهْرتي الجامحة؟
يُخَيّل لي أن بحر الرّماد
سيَنْبتُ بعدي
نبيذًا و قمحًا
وأنّي لن أطْعِمه
لأني بظُلمَة لَحْدِي
وحيدٌ مع الجُمْجمة
لأني صنعتُ مع الآخرين
خميرةَ أيامنا القادمة
وأخشابَ مركبنا في بحار الرّماد
يُخَيّل لي أن عمري قصير
وأني على الأرض سائحْ
ولو بَقيَتْ في دمي
نبضةٌ واحدةْ
تُعيد الحياة إليّ
لو أنّي
أفارق شوك مَسَالكنا الصّاعدة
لقُلتُ ادفنوني حالًا
أنا توأم القمة الماردةْ


لقراءة المزيد من القصائد، إليك هذا المقال: اقتباسات محمود درويش.

المراجع[+]

  1. "ونحن نحب الحياة"، القصيدة كوم، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-08.
  2. "أستطيع الكلام عن الحب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-08.
  3. محمود درويش، أثر الفراشة، صفحة 68.

888409 مشاهدة